مختارات

هل مازال للمهاجرين الاوروبيين مكان في بريطانيا ما بعد بريكست؟

في القرن التاسع عشر استضافت لندن ووفّرت الحماية لكثير من الثوريين والجمهوريين الأوروبيين بعد ثوراتهم الفاشلة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. كان هناك، في بعض النواحي، شعور بالإعجاب المتبادل والتضامن والانتماء لمجتمع عابر للحدود الوطنية. حدث ذلك بالفعل منذ زمن طويل.

في المقابل، تآكل هذا الاحترام والمودة المتبادلان منذ استفتاء البريكست ودعايتها المعادية لأوروبا. ولا توجد علامات على أن الأمور ستتحسن الآن بعد فوز حزب المحافظين بأغلبية كبيرة في الانتخابات العامة التي أجريت الأسبوع الماضي. خلال حملته الانتخابية، استخدم رئيس الوزراء بوريس جونسون سياسة «صافرة الكلب» المعتادة لدى الديماغوجيين المعاصرين مثل الإيطالي ماتيو سالفيني ودونالد ترمب، وأعاد تنشيط الخطاب المعادي للهجرة الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج مقلقة.

وفي هذا الصدد، أشار توم بروكس من جامعة دورهام إلى أن جونسون «يلعب بالنار» عن طريق إثارة شعور بأن المملكة المتحدة مهددة من قبل مهاجرين معادين. ولا يزال هذا الحريق مشتعلاً، لكن النقاش حول كراهية الأجانب هذه اختفى بالكامل تقريبا بعد الانتخابات.

وبدلاً من ذلك، يضطر المواطنون الأوروبيون للاستماع إلى كيف ينبغي على حزب العمال إيلاء المزيد من الاهتمام إلى عدد من الدوائر «القومية» في شمال إنكلترا، أو كيف يعارض النشطاء البارزون الآن  تنظيم تصويت «القول الفصل» لأنه لا يحترم نتيجة الاستفتاء [على بريكست].

وبصورة مماثلة كتب فينس كيبل، الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار، إن «سياسة الإلغاء» المدعومة من قبل الديمقراطيين الأحرار المناهضين علناً للخروج من الاتحاد الأوروبي، شكَّلَتْ خطأ لأن «عديداً من الناخبين يرون بأنها غير ديمقراطية». والأسوأ من ذلك ما ذكره أحد المعلقين في صحيفة «تِلِغراف»، عندما زعم أن جونسون سياسي «ذو عقلية متحررة»، ومستعد «أن يشغل الوسط الجديد» وقادر على «توحيد البلاد بشأن الهجرة».

استفيقوا. إن هذا النهج من التفكير يجرّد المهاجرين من إنسانيتهم، ويروج رؤية لتاريخ الفرد على أنه فريد، ويفرط في التركيز على قوة صنع السياسات الوطنية. ربما تستند هذه الأوهام إلى فكرة سخيفة مفادها أن «المملكة المتحدة قد تطورت بطريقة مميزة»، من دون قومية أو فاشية قوية أو معاداة للسامية.

ومع ذلك، يتغاضى هذا الخطاب عن صعود القومية الإنجليزية، ورُهاب الإسلام، وترحيل المواطنين البريطانيين (فضيحة «ويندراش») والعداء الذي تطور تجاه المهاجرين، والشعور المتزايد بالعزلة والجنوح إلى أقصى اليمين في السياسة البريطانية.

لا تحظى الصورة الذاتية المنافية للمنطق لبلد يزعم أنه يمثّل النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية، بكثير من المعجبين في القارة. يمكن من خلال الحديث مع أشخاص في بروكسل ومدن أوروبية اخرىـ سماع رواية أقل إثارة بكثير عن النخب السياسية الإنجليزية وحالة النظام السياسي البريطاني.

لم يعد مجدياً استحضار التقاليد الديمقراطية القديمة لبريطانيا لأن من يدير العرض الآن هو بطل القومية اليمينية والشعبوية، وهو سياسي يرفض إجراء المقابلات، ويكذب، وحاول إغلاق البرلمان، ويبدي تعليقات تنم عن كراهية الأجانب. لكن جونسون ليس سوى غيض من فيض.

دعونا ندقق في استفتاء 2016. لقد كان مثالاً حيّاً عن الدعاية المثيرة للإشكال واستخدام الادعاءات والوعود الكاذبة، لتضليل جمهور حائر سلفاً. لقد ساهمت بعض وسائل الإعلام في تشويه الواقع وتشكيل رأي عام مناهض للاتحاد الأوروبي والتضحية بالمهاجرين الأوروبيين. علاوة على ذلك، هناك الدور الذي لعبته «كامبريدج آناليتكا» واستغلال البيانات الشخصية لمستخدمي «فيسبوك».

ثمة جانب محزن آخر لهذه القصة. فخلال كل هذه الأحداث، تجاهلت وسائل الإعلام وأرباب العمل والجيران إلى حد كبير، الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المهاجرون الأوروبيون. ومثلاً، تسبّب إعلان الحكومة بأنه مباشرة بعد البريكست ستُلغى حرية التنقّل لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة، في مقدار كبير من التوتر. وستؤثر هذه السياسية أكثر على الأطفال والفئات الهشة.

ولا غرابة أن عديداً ممن لا يزالوا في وضع معلَّق منذ عام 2016. لقد أصبح العمل ودورهم في المجتمع مصدر قلق لمواطني الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة. وتمامًا مثل كل شخص آخر في البلاد، كانت البريكست شغلنا الشاغل. وليس لدى الكل فكرة واضحة عن المستقبل، كما ليس الجميع راغباً في الحصول على جنسية جديدة بعد أن عاشوا في أوروبا من دون حدود واتخذوا بريطانيا وطنًا لهم.

ثمة ما يجعلنا أكثر قلقاً، يتمثّل في تعهد رئيس الوزراء منع مهاجري الاتحاد الأوروبي من معاملة بريطانيا مثل «بلدهم». ففي عالم متحضر، كل ما يتعين علينا القيام به للاندماج بنجاح يتجسّد في دفع الضرائب، والمساهمة في الاقتصاد، والحياة الاجتماعية والثقافية، واحترام القوانين. وفي المقابل، بعد دخول المملكة المتحدة الآن حقبة ما بعد الحقيقة والقومية، اقتيد كثيرون من البريطانيين إلى الاعتقاد بأن الأوروبيين يستغلون النظام ويسيؤون استخدام دولة الرعاية.

تطرح كل تلك المعطيات عدداً من الأسئلة. هل سنرى الآن ارتفاعاً في أشكال التمييز، مع عودة شعارات مثل «عودوا إلى بلدانكم» أو اتهامات بأن مهاجري الاتحاد الأوروبي «يسرقون الوظائف»؟ تخيّلوا لو كان هذا كله يحدث في اليونان أو إسبانيا ويؤثر على حياة البريطانيين هناك. ويبقى أن الوقت كفيل بتحديد إذا بقي هناك مكان لمواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا البريكست.

نقلا عن: إندبندنت عربية

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker