منوعات

قصة الأميرة فوزية والشاه.. أسرار الزواج الصاخب والطلاق الغامض

الأميرة فوزية أو الملكة أو الإمبراطورة فهي قد حصلت على كل تلك الألقاب، ثم هجرتها لتنزوي بعيدًا عن الشهرة وعن صفحات الجرائد والمجلات التي كانت تتصدر غلافها ذات يوم بجمالها.

بمجرد أن تدقق النظر فى صورتها بالأبيض والأسود، سوف تشعر بحنين جارف تجاه تلك البرنسيسة الجميلة الفاتنة المصنوعة من خيطان النور المصري الوضاء.

الأميرة فوزية

الأميرة فوزية والجمال الباذخ

عاشت تلك الفتاة الرقيقة هادئة داخل قصر عابدين أو قصر القبة أو رأس التين بالإسكندرية، إلى أن جاءت المراسلات لطلب يدها لابن شاه إيران، وذلك قبل أن يدك هتلر جدران العالم بحرب عالمية ثانية. وهنا بدأت سيرة الأميرة فوزية ذات السبعة عشر عامًا، كنجمة ساحرة فاتنة الجمال، ينتظر الناس أخبارها، فجمالها كان من ذلك النوع الذى يضارع جمال نجمات ذلك الزمان هيدي لامار وفيفيان لي و أودري هيبورن.

وقد أُطلق عليها أجمل بنات الملك  فؤاد وأجمل شقيقات الملك فاروق على الإطلاق، هذا الجمال الرباني جعل ألسنة رجال السياسة تتحدث، وجعل أيدي الخُطَّاب تتقدم، فقيل عنها: إنها أجمل أميرات العالم وصاحبة إطلالات مذهلة وفاتنة جامعة مزيجًا مدهشًا بين الغموض الشرقي والوضوح الأوروبي، مما جعل عيون كاميرا المصور الإنجليزي الشهير حينها «سيسيل بيتون» تلتقطها لتظهر على غلاف مجلة Life عام 1942. واصفا إياها بأنها «فينوس الآسيوية» مع «وجه مثالي على شكل قلب وعيون زرقاء شاحبة ولكن ثاقبة». فقد أربكته عندما شاهدها قائلا عنها: إنها «صاحبة النظرة الحزينة وشعر شديد السواد ووجه منحوت بدقة ويدين ناعمتين ورقيقتين خاليتين من تجاعيد العمل».

ولم تتوقف الكلمات عند هذا الحد فقد قال فيها «شارل ديجول في مذكراته» «إنها المرأة التى ترك الرب توقيعه عليها».، وقال عنها «ونستون شرشل»: «شقيقة الملك فاروق فوزية إمرأة صاحبة جمال نادر غامض يجبرك أن تتمعن فيه بلا ملل و لا كلل إنها منحوتة فائقة الجمال».

الأميرة فوزية

زواج سياسي

هذا الجمال هو الذي جعل شاه إيران رضا بهلوى يطلب يدها لابنه محمد ولي العهد قائلا عنها: «عندما أردنا البحث لولى العهد عن زوجه زودنا سفراء إيران في دول العالم بصور لأميرات ونبيلات وأرستقراطيات من شتى بقاع الأرض.. ولكننا ذهلنا عندما رأينا صور الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق من جمالها الباذخ والمبهر فكنت أنا و ولى العهد ننظر لصورها مطولا ولا نمل من النظر إليها ونتساءل فيما بيننا: معقول!، هل يوجد هذا الجمال فعلا على أرض الواقع؟».

 لكن كثيرا من الروايات تشير إلى أن زواج الأميرة فوزية من ولي عهد إيران كان ذا بعد سياسي، حيث أشار تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مايو 1972، أن هذا الزواج كان خطوة سياسية، وإنه كان زواجًا مهما لربط شخصية ملكية سنية – الأميرة فوزية – بشخصية ملكية شيعية – الأمير محمد رضا بهلوي. وأن الأمر كان من تخطيط رضا بهلوى نفسه.

كانت إيران أول دولة تعترف رسمياً باستقلال مصر عن بريطانيا، وفتحت سفارة لها فى القاهرة من أجل تحسين العلاقات بين البلدين. وفى عام 1924 وقعت القاهرة وطهران اتفاقية للتجارة وتم تأسيس الغرفة التجارية الإيرانية فى القاهرة.

وفي تلك الأثناء بدأ يظهر دور هام ل «علي ماهر» باشا رئيس الوزراء حينها في إتمام تلك الزيجة، رغم معارضة فاروق زواج  أخته من ولي عهد إيران، حيث أقنع علي ماهر باشا – وهو السياسي البارع – الملك فاروق بأهمية هذا الزواج من أجل التحالف مع إيران، وبالتالي تحسين وضع مصر في العالم الإسلامي ضد بريطانيا المحتلة، يضاف إلى هذا أن علي ماهر كان يعمل على تزويج أخوات الملك فاروق الأخريات إلى الملك فيصل الثاني ملك العراق وإلى ابن الأمير عبد الله فى الأردن، و كان يخطط لتكوين كتلة في الشرق الأوسط تهيمن عليها مصر. وهو ما نال رضا فاروق وموافقته بعد أن أقنعه على ماهر بأنه سيكون بذلك زعيما للعالم الإسلامى.

الأميرة فوزية ومحمد رضا بهلوي

الأميرة فوزية ومحمد رضا بهلوي

تعديل دستورى

وفي صباح أحد أيام  مايو عام 1938، وفى سن السابعة عشرة، أطلت الأميرة فوزية من بهو قصر عابدين لتجذب بجمالها الأخاذ قلوب وأنظار العامة وهى تقف إلى جوار شاه إيران- محمد رضا بهلوي- الوسيم ذى العشرين عاماً، حيث تمت خطبتهما، وبعدها بأقل من عام أقيم حفل الزواج في قصر عابدين في 15 مارس 1939. وتم عقد الزواج على يد الشيخ مصطفى المراغى، شيخ الأزهر

بارك الطرفان هذا الزواج السياسى الذى تطلب بالطبع تعديل المادة 37 من الدستور الإيرانى التى تنص على ضرورة أن تكون أم ولى العهد من أصول إيرانية. هذا «الزواج الملكى المبارك»، كما وصفته الصحف المحلية، والذي أقيم داخل الأراضي المصرية وفي ساحات قصورها، تكرر مرة أخري فى طهران.

وبينما كان العالم يستعد لاندلاع حرب عالمية جديدة، كان الشرق الأوسط يحتفى بهذا الزواج الإمبراطورى الأسطورى، فعندما وصلت العروس تكرر حفل الزفاف في قصر الشاه بطهران، والذي كان أيضا محل الإقامة المستقبلي لهما، حيث يُذكر أنه  «لدى وصول فوزية إلى طهران، كانت الشوارع الرئيسية في طهران مزينة باللافتات والأقواس، وحضر الاحتفال في ملعب  أمجادى خمسة وعشرون ألفا من النخبة الإيرانية بالتزامن مع العاب بهلوانية من قبل الطلاب وتلا ذلك (ألعاب جمبازية إيرانية)، ومبارزة السلاح، بالإضافة إلى كرة القدم، وكان عشاء الزفاف على الطراز الفرنسي مع «كافيار من بحر قزوين» والسمك والدجاج والضأن. ولأن محمد رضا لم يكن يتحدث بالتركية (واحدة من لغات النخبة المصرية جنبا إلى جنب مع الفرنسية) ولم تكن فوزية تعرف الفارسية، فقد كانت لغة التواصل بينهما هى الفرنسية.

الملك فاروق الأول فى حفل زواج الأميرة فوزية على محمد رضا بهلوي سنة 1939 بقصر القبة

كيد النساء أم كيد السياسة؟

لا يوجد أمامنا إلا بعض المذكرات والكتابات كي نتخيل حياة تلك الأميرة داخل القصور الملكية بإيران فيذكر بأنها وصفت رضا حماها بأنه رجل عنيف وعدواني، رغم إنه هو الذي اختارها عروسا لابنه، ورغم حبه لها، إلا إنها كرهته».

وبدأت تلك الكراهية تنتقل إلى نوعيات الطعام الفارسي التي لم تحبها الأميرة فوزية التي تربت على الطعام الفرنسي، حيث قالت عن الطعام الإيرانى «أنه دون المستوي».

ورغم أنه قد تم منحها الجنسية الإيرانية بعد الزواج بعامين، وذلك بعد تولى ولي العهد الحكم بدلا من أبيه الذي تم نفيه لجنوب افريقيا بعد الغزو البريطاني الروسي لإيران عام 1941، وأصبح  زوجها هو المسيطر على العرش.

إلا أنه فى النهاية لم يكن زواجًا موفقًا، ولم تكن الأميرة أو الإمبراطورة سعيدة في إيران، وتشعر بفقدانها أسرتها وحياتها في مصر.

كما أن علاقة فوزية مع والدة وأخوات زوجها كانت سيئة، حيث رأتها الملكة الأم وبناتها منافِسة لهن على محبة محمد رضا، وكان هناك عداء مستمر بينهن، فيذكر أنه قد «كسرت واحدة من أخوات محمد رضا إناء على رأس فوزية».

 بالإضافة إلى عدم إخلاص محمد رضا – في كثير من الأحيان – للأميرة، حيث كان غالبا ما يتم رؤيته مع غيرها من النساء في طهران بعد الزواج بفترة قصيرة.

وقد طالت إحدى الشائعات الأميرة فوزية ذاتها، بأنها كانت على علاقة غرامية بشخص، وصف بأنه رجل رياضي وسيم، إلا أن صديقاتها أصررن على أنها مجرد شائعة مغرضة. وقال زوج ابنة فوزية، أردشير زاهيدى وزير خارجية إيران فى عهد الشاه  للمؤرخ الإيراني-الأمريكي «عباس ميلاني» في مقابلة عام 2009 حول هذه الشائعات: «إنها سيدة لم تنحرف عن مسار النقاء والإخلاص». كما انه من 1944 فصاعدا، عولجت فوزية بسبب الاكتئاب من قبل طبيب نفسي أمريكي، حيث ذكرت أن زواجها كان بلا حب.  غير أن فوزية لم تطلب الطلاق ولم تكن ترغب فيه.

الامبراطورة فوزية والامبراطور محمد رضا بهلوى وابنتهما الاميرة شاهيناز فى ايران

الطلاق الغامض للـ «الأميرة فوزية»

في رحلة غامضة قامت بها والدتها الملكة نازلي بتوجيهات من ابنها الملك فاروق، «استطاعت نازلي أن تأخذ ابنتها الأميرة فوزية للقاهرة على أساس أنها في زيارة لأسرتها، ثم أرسلت تحت إجبار  شقيقها فاروق كتابا تطلب فيه الطلاق.

في  مذكراتها تقول والدة الشاه «أشرف بهلوي»: «ذكرت الأخت التوأم للشاه أن الأميرة هي التي طلبت الطلاق وليس الشاه». ويذكر أن «محمد رضا» قال للسفير البريطاني في عام 1945 إن والدته كانت «ربما هي العقبة الرئيسية أمام عودة الملكة».

لم يكن هذا الطلاق معترفا به لعدة سنوات من قبل إيران، ولكن في نهاية المطاف تم الحصول على طلاق رسمي في إيران في نوفمبر 1948، مع استعادة الملكة فوزية بنجاح مميزاتها كأميرة لمصر. وكان شرطا رئيسيا في الطلاق أن يتم ترك ابنتها لتُربى في إيران. 

المدهش، إنه في تلك الأثناء حدث طلاق آخر، حيث طلق الملك فاروق أيضا زوجته الأولى الملكة فريدة، في نوفمبر 1948. ويبدو أن طلاق فاروق وفريدة كان سببا قويا لإصرار فاروق على طلاق شقيقته، حتى لا يكون الملك الوحيد في العالم الإسلامي الذى يقدم على تلك الخطوة.

في الإعلان الرسمي عن الطلاق، تم ذكر أن «المناخ الفارسي قد عرض صحة الإمبراطورة فوزية للخطر، وهكذا تم الاتفاق على أن أخت الملك المصري ستطلق، وفي بيان رسمي آخر، قال الشاه إن فسخ الزواج «لا يمكن أن يؤثر بأي طريقة على العلاقات الودية القائمة بين مصر وإيران» Bottom of Form.

كان طلاق فوزية بهذه الطريقة حدثاً نادراً في الشرق، حيث لم يحدث من قبل أن تخلت زوجة عن لقبها الملكي لتطلق من زوجها لأي سببٍ كان. ويقول كريم ثابت في كتابه «طلاق امبراطورة»: إن الشاه نفسه والأميرة لم يعرفا الأسباب الحقيقية لهذا الطلاق الذي أصر عليه شقيقها فاروق حينها إصراراً شديداً، حتى أنه احتجزها عند زيارتها القاهرة ومنعها من العودة إلى إيران مرة أخرى، في ملابسات يصفها ثابت في مقدمة كتابه بأنها «أقرب إلى القصص الخيالية منها إلى القصص الواقعية» ويرى البعض أن الأميرة فوزية كانت ضحية لطموحات أخيها ورغبته الملحة في تقلد الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي أوعز إليه به المقربون منه، كما تقول الكاتبة أمل فهمي في كتابها «الملك فاروق والخلافة الإسلامية» :وُضعت بالفعل خطة تقضي بالتقرب إلى عدد من الأسر الملكية الحاكمة في العالم الإسلامي عن طريق المصاهرة، وكان زواج الأميرة بالشاه جزءاً من هذه الخطة. غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية قد باعد بين فاروق وهذا الحلم الذي طالما راوده منذ توليه العرش. 

 غير أن ثمة سببا آخر للطلاق، فالأميرة فوزية عندما ذهبت إلى بلاد فارس، لم تذهب كزوجة بل ذهبت كثقل حضاري يسير على الأرض، فقد بدأت في فرض طقوسها الملكية المصرية على العائلة الملكية الإيرانية، خاصة النساء، وبالتالي حدث الصدام، فهي كانت تستطيع أن تعلمهم كيف يمسكون الشوكة والسكينة، وكيف يرتدون الملابس، وأي المجوهرات تصلح نهارا أو ليلا، وطريقة شرب الشاي أو الطرق العديدة لإعداد القهوة، كل هذا – ربما – نُظر اليه من الناحية الأخري بأنه تعال وتفاخر ،وبالتالي بدأت المشكلات.

ولأنها لم تعتد على الصراعات فقد آثرت الهدوء والإنعزال في غرفتها أو في طقوسها التي تحبها، وبالتالي جاءت التقارير إلى  شقيقها فاروق بأن اخته غير سعيدة، وهنا  وجدها فاروق فرصة كي يأتي بها إلى أرض مصر ليجبرها على طلب الطلاق.

الأميرة فوزية وزوجها الثانى اسماعيل شيرين

الاميرة فوزية وزوجها الثانى اسماعيل شيرين

وفى مارس ١٩٤٩ تزوجت الأميرة فوزية من إسماعيل شيرين، وهو ابن عم الملك فؤاد، وآخر وزير للحربية والبحرية فى مصر قبل ثورة يوليو، وأنجبا حسين ونادية، وعاشت حياتها سنوات طويلة راضية هادئة بعيدة عن الأضواء، وتوفيت الأميرة المصرية وإمبراطورة إيران السابقة في ٢ يوليو ٢٠١٣ عن عمر يناهز 92 عاما، وخرجت جنازتها من مسجد السيدة نفيسة لتدفن بجانب زوجها الثانى إسماعيل شيرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock