ثقافة

الجامعات المصرية.. صفحات من تاريخ مصر (4).. انتفاضات الطلبة.. من ناصر إلى السادات

عقب ثورة يوليو 1952 تم تعيين اسماعيل القباني وزيرا للتعليم، والذي قام بدوره في أكتوبر من ذات العام باختيار علي ماهر لرئاسة لجنة مهمتها إعداد تقرير عن أحوال الجامعات، وضمت اللجنة عددا من الأكاديميين والمفكرين، كان من بينهم «لطفي السيد، القاضي عبد الرازق السنهوري، الكيميائي أحمد زكي، والمؤرخ شفيق غربال، والمهندس وليم سالم حنا».

ركز التقرير على قضية استقلال الجامعة وضرورة أن يتم اختيار عمداء الكليات عبر آلية الانتخاب، وأن يتغير لقب «مدير الجامعة» ليصبح «رئيس الجامعة». كما أوصى بضرورة أن تكون هناك محاضرات إضافية رسمية في مجموعات دراسية مفتوحة أمام الجميع، وألا يقوم الأساتذة بأي عمل إضافي سوى بموافقة رسمية، وإنشاء «مجلس لتنسيق السياسات بين الجامعات» – كان طه حسين قد أنشأه عام 1950، غير أنه أجهض في حينه، إلى جانب تأسيس لجنة للتنسيق بين الجامعات مهمتها توزيع الطلاب على الجامعات وكلياتها والتي أصبحت بعد ذلك تُعرف باسم «مكتب التنسيق».

الجامعات وثورة 1952

كان عام (1954) حاسما بالنسبة لمصر والجامعات المصرية على حد سواء، حيث تم حظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين، نتيجة اندلاع بعض أحداث العنف داخل جامعة القاهرة، وتم تعيين الصاغ كمال الدين حسين في شهر سبتمبر من ذات العام وزيرا للتعليم، وقد بدأ مهام عمله بإقالة حوالي ستين من أعضاء هيئة التدريس ما بين (معيد وأستاذ) بجامعة القاهرة ،من عملهم دون إبداء أي مبرر لذلك الإجراء، ولم ينته شهر سبتمبر إلا وكان قد صدر قانون 504 لسنة 1954، والذي منح وزير التعليم حق تعيين عمداء الكليات من بين رؤساء الأقسام المرشحين بواسطة رئيس الجامعة المعين بدوره من قبل الوزير.كما منعت الحكومة على الطلاب الاشتغال بالسياسة، فتوقفت بذلك انتخابات اتحاد الطلاب حتى ما بعد هزيمة 1967، وتواجد الحرس الجامعي على بوابات الجامعات منذ عام 1954، وأصبح هذا الحرس تابعا لسلطة وزير الداخلية وليس رئيس الجامعة، كما كان متبعا قبل 1952.

كمال الدين حسين

من جانب آخر اعتبر الرئيس جمال عبد الناصر التعليم الجامعي حقا للجميع، ومن ثم أعلن مجانيته التامة في 26 يوليو 1962، بمناسبة الذكرى العاشرة لجلاء الملك فاروق عن العرش، وكان قد تم افتتاح أول مدينة جامعية للبنات تابعة لجامعة القاهرة في عام 1957، وعند وفاة عبد الناصر عام 1970، كانت جامعة القاهرة وحدها تضم خمسين ألف طالب وطالبة، إضافة للطلاب المنتسبين من الخارج، وهو ما يزيد مرتين ونصف عن عدد الطلاب في بداية توليه الحكم.

وفي ظل عهد عبد الناصر تم تأسيس فرع جامعة القاهرة بالخرطوم عام 1955 إلى جانب تأسيس جامعة أسيوط عام 1957، وكانت الجامعة المصرية الرابعة بعد القاهرة وعين شمس والأسكندرية، هذا إلى جانب إنشاء العديد من المعاهد العليا التي بلغ عددها نحو 38 معهدا عام 1964، وذلك لإعداد المتخصصين في الصناعة والتجارة والزراعة والصحة والتدريس، وكانت الحكومة مع بداية الستينيات قد ألزمت نفسها بسياسة تعيين خريجي الجامعات والمعاهد العليا.

مظاهرات.. ومطالب طلابية

مع القيود التي باتت مفروضة على الأنشطة الطلابية لم يجد الطلاب أمامهم سوى الإنتماء إلى «مكتب الطلبة» التابع لهيئة التحرير عام 1953، و«منظمة الشباب الاشتراكي» عام 1965، أو«طليعة الاشتراكيين» التي تنتمي «للتنظيم الطليعي» عام 1968، إلى جانب عدد من التنظيمات غير السياسية التي جرى تأسيسها تحت إشراف الأجهزة الحكومية للإشراف على الأنشطة الرياضية والترفيهية للشباب والطلاب.

وعقب انتفاضة الطلاب التي اندلعت بشهر فبراير 1968 تم سحب منظمة الشباب الاشتراكي من الجامعات المصرية، وجاءت اللائحة الطلابية عام 1969 لتنص على تنوع أوجه النشاط الطلابي بما يتضمن الحق في ممارسة الطلاب حرية التعبير عن آرائهم وعودة اللجنة السياسية باتحاد الطلاب، غير أن تلك التعديلات باللائحة لم تؤثر بشكل جوهري على مشاركة الطلبة بالانتخابات الطلابية، حيث كان المرشحون يخوضون انتخابات اتحاد الطلاب بعدد محدود من الناخبين في كثير من الأحيان.

من جانب آخر كانت طليعة الاشتراكيين هى المسئولة بصورة أساسية عن منع أية حركات طلابية مستقلة من الظهور، حتى تم حل التنظيم الطليعي عام 1971 في خضم الصراع على السلطة، ما أتاح الفرصة لبروز مجموعات سياسية جديدة كان لها الفضل في قيادة الانتفاضة الطلابية في (72/1973).

كان طلاب الجامعات المصرية قد التزموا الصمت من 1954 حتى هزيمة يونيو 1967، وقد جاء اندلاع انتفاضة 21 فبراير 1968 عقب إعلان الأحكام المخففة في قضية ضباط سلاح الطيران الذين اتهموا بالإهمال في حين كان الرأى العام المصري يرى أنهم مسئولون عن جانب كبير من الهزيمة العسكرية، ومن ثم خرج عمال حلوان وأصيب عدد منهم في صدامات مع الشرطة أمام قسم شرطة حلوان، وتصاعدت الأحداث لتتحول لانتفاضة جماهيرية واسعة شارك فيها الطلاب بدور فاعل، وظل الطلاب يتحركون بشوراع القاهرة والأسكندرية خلال الأيام التالية حتى يوم 27 فبراير، ونتج عن انتفاصة القاهرة وحدها مصرع اثنين من العمال، وإصابة 77 من المواطنين، وتم إلقاء القبض على 635 شخصا.

برز بتلك الانتفاضة دور طلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة حين مثلوا كتلة أساسية من وفد تم تشكيله في 24 فبراير 1968 من المتظاهرين أمام مجلس الأمة، حيث سمح لهم بالدخول لتقديم مطالبهم لرئيس المجلس أنور السادات، إلا أنهم تعرضوا للإعتقال من منازلهم بعد أن تعهد لهم السادات بعدم التعرض.

نجم عن القبض على هؤلاء الطلاب أن نظم زملاؤهم من طلاب الكلية إعتصاما استمر ثلاثة أيام على الرغم من الإعلان عن تعطيل الدراسة في يوم 25 فبراير، وهو ما تناوله محمد حسنين هيكل في مقال مطول له في الأهرام جاء تحت عنوان: «عن الأحكام، والمظاهرات، وإعادة المحاكمة» وقد تجاوزت مطالب الطلاب بهذه الإنتفاضة مجرد المطالبة بإعادة المحاكمة، حيث طالب المتظاهرون بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، وحرية الرأى والصحافة وإبعاد سلطات الأمن عن الجامعات وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، إلى جانب التحقيق في انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلاب.

جاءت الانتفاضة الثانية للطلاب عام 1968  في شهر نوفمبر وانطلقت من مدينة المنصورة حيث خرج طلاب المدارس الثانوية بالمدينة في 20 نوفمبر احتجاجا على إعلان قانون جديد خاص بالتعليم يحد من عدد المرات المسموح بها للطلاب بدخول الانتخابات الطلابية وتبعهم في اليوم التالي طلاب أحد المعاهد الأزهرية، كما تبعهم طلاب جامعة الأسكندرية، ونجم عن التظاهرات بالجامعة إصابة ثلاثين طالبا، وتم إلقاء القبض على أربعة من الطلاب، ما أدى لإعتصام طلاب كلية الهندسة، وفي يوم 25 نوفمبر شهدت مدينة الأسكندرية إضرابا عاما على نطاق واسع، ولقى ستة عشر شخصا مصرعهم، إضافة إلى 167 مصابا وألقى القبض على 462 شخصا أفرج عن عدد منهم وتم التحفظ على 365 على ذمة التحقيق.

ونجم عن تلك الانتفاضة الطلابية إلقاء القبض على عدد ضخم من طلاب كلية الهندسة وأعضاء هيئة التدريس بجامعة الأسكندرية وتم توجيه قرار بالإتهام لـ 46 متهما منهم 40 طالبا وثلاثا من أعضاء هيئة التدريس إلى جانب ثلاثة من الخريجين ووجهت لهم خمس إتهامات، كان على رأسها التحريض على قلب نظام الحكم، كما أحيل عشرون طالبا واثنان من المعيدين لمجالس تأديب بالجامعة، وبعد ثلاثة أشهر تم الإفراج عن الطلاب، وتوجيه قادتهم للخدمة العسكرية، وأفرج عن الأساتذة في مايو 1969، أما الخريجون فظلوا بالسجن حتى عام 1970.

الانتفاضات.. والحرب

تولى أنور السادات الحكم بعد وفاة جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، واندلعت الانتفاضة الطلابية الأولى في عهد السادات نتيجة إعلانه في 13 يناير 1971 عجزه عن الوفاء بوعده الخاص بأن يكون عام 1971 هو «عام الحسم» بدعوى أن العالم لا يمكن أن يستوعب اندلاع حربين كبيرتين في آن واحد وذلك بعد أن اندلعت الحرب الهندية – الباكستانية، وأن الحليف السوفيتي لمصر منشغل بالحرب الهندية – الباكستانية، إلى حد عدم تمكنه من تقديم أي مساعدة لمصر.

اشتعلت الانتفاضة بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، حيث دعا عدد من الطلاب لعقد مؤتمر عام في اليوم التالي لخطاب السادات، وفي المساء تحول المؤتمر الذي حضره عدد ضخم من الطلاب إلى إعتصام، وتوالى عقد المؤتمرات بباقي كليات الجامعة، وصولا لمؤتمر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذي طالب بدعوة السادات لمناقشة طلاب الجامعة تحت شعار «كل الديمقراطية للشعب.. وكل التفاني للوطن» والذي أصبح فيما بعد شعارا للحركة الطلابية ككل.

وشهد صيف العام الدراسي 1972/1973 إرهاصات الموجة الثانية من الاضطرابات الجامعية وبرزت فيها ثلاث مجموعات أساسية هم: الماركسيون والناصريون  وجماعة شباب الاسلام.

من جانب آخر منحت تلك الأحداث أعضاء هيئة التدريس بالجامعات فرصة لتغيير شكل علاقتهم بالحكومة، ما نجم عنه عقد اجتماع بمجلس الشعب حضره حوالي ثلاثمائة أستاذ جامعي، أعرب بعضهم عن استيائهم من تدخل الحكومة في عملهم كأساتذة وإداريين بالجامعة، وفي ذات السياق أصدر بعض أعضاء هيئة التدريس بيانا يدعمون فيه حركة الطلاب ومطالبهم.

جاء نصر أكتوبر 1973 معلنا ميلاد مرحلة جديدة من التاريخ السياسي والاجتماعي لمصر، فسادت فترة من الهدوء بالجامعات المصرية، وجاءت أحداث انتفاضة يناير 1977 لتعيد  الطلاب مرة أخرى إلى بورة الأحداث.

(يتبع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock