رؤى

نهاية عقد مضطرب: السوشيال ميديا.. كيف صاغ الشباب العربي رأسماله الاجتماعي الجديد؟

تحولت منصات التواصل الاجتماعي  وما توفره من تطبيقات إلي أسلوب حياة للعديد من المتفاعلين داخل ساحاتها. ويدلنا الواقع علي الصعيد العالمي والعربي، علي ولوج العديد من الأفراد من مختلف الفئات والشرائح العمرية، وخصوصاً الشباب صوبها.

وتتعدد وسائط «السوشيال ميديا»، وأبرزها بطبيعة الحال علي المستوي العربي «الفيس بوك والتويتر». وتكشف الاحصاءات عن تنامي مستخدمو الفيس بوك حيث بلغ نحو 2 مليار مستخدم حول العالم, ويضاف 11 مستخدم كل ثانية عبر العالم. وتطالعنا الاحصاءات بأن 156 مليون مستخدم لوسائط السوشيال ميديا في العالم العربي معظمهم من الشباب, وتمثل مصر المرتبة الأولي في استخدام الفيس بوك, وتمثل السعودية المرتبة الأولي في استخدام تويتر, وتعد مصر الدول العربية الأكثر استخداما للإنترنت حيث بلغ عدد المستخدمين نحو 50 مليون مستخدم بنهاية العام المنصرف, وتعتبر السعودية هي الأسرع في نمو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وبتأمل واقع السوشيال ميديا نجد أنها أسهمت في إعادة إنتاج العديد من المفاهيم والممارسات علي نحو رقمي, ومنها مفهوم رأس المال الاجتماعي وممارساته؛ فقد قطع هذا المفهوم شوطاً علي المستوي الواقعي سواء من حيث تأسيسه النظري أو قياسه عبر مجالات عديدة, ونقصد برأس المال الاجتماعي ببساطة المنافع التي تعود من شبكة العلاقات الاجتماعية, وثمة جدل في هذا السياق حول مدي توفره في الجماعات الصغيرة أم الكبيرة؟ وتكشف العديد من الرؤي أن مردود التفاعلات الشبكية يتحقق في الجماعات الصغيرة, وهناك رؤي أخري تري إمكانية تحققه في الجماعات الكبيرة. والمهم هنا أن الفرضية الأساسية لرأس المال الاجتماعي تنطوي علي مقولة مفادها «ليس كل الموارد الاجتماعية في حيازة الفرد» ولكن تجسير العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات من شأنه أن يولد منافع ومردود اجتماعي.

وثمة جدل جديد أفرزته السوشيال ميديا حول حضور رأس المال الاجتماعي في المجتمع الشبكي المتصل, ولكن واقع السوشيال ميديا واندماج الشباب العربي فيها حسم الجدل حول إمكانية تطبيقه وحضوره في العلاقات الشبكية عبر الإنترنت؛ إذ أن شبكة العلاقات الرقمية المتشكلة عبر السوشيال ميديا لعبت دورها في تشكل رأس المال الاجتماعي الرقمي, الذي يتشكل عبر شبكة العلاقات الاجتماعية علي صعيد مواقع السوشيال ميديا, حيث أتاحت هذه المواقع فرصة تعبئة الموارد الفردية والجماعية والمجتمعية من أجل تشكل رأس المال الاجتماعي الرقمي.

يكشف واقع استخدام الشباب العربي العربي للسوشيال ميديا عن تشكل رأس مالهم الاجتماعي الجديد عبر تفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي, وثمة مجموعة من الشروط يتوقف عليها هذا الرأسمال الجديد؛ منها أنه يتحتم عليه أن يظهر عبر العلاقات الاجتماعية المتشكلة عبر السوشيال ميديا والتي تتحرك علي صعيد من الجدية وليس الهزلية, ومنها أيضاً أنه يتشكل علي خلفية العلاقات التي تتسم بالاستمرارية والديمومة وليس العلاقات الاجتماعية المتقطعة, كما أنه يتحرك عبر منظومة قيمية منها:الثقة, والتبادل, وحضور المعايير الاجتماعية.

وثمة مجموعة من الخصائص التي تميز رأس المال الاجتماعي عبر السوشيال ميديا.. أولها: أنه يتحرك علي خلفية المجال العام الرقمي, فقد نجح الإنترنت في تشكل مجاله العام الرقمي, وهو ساحة للمواطنين يعبرون من خلالها عن مطالبهم الشخصية والجماعية, وثانيها: أنه رأسمال يتحرك علي الساحة العالمية, فإذا كان ثمة جدل علي مدي توافر رأس المال الاجتماعي في الجماعات الكبيرة, فإن هذا الجدل تم حسمه من خلال الآليات التي يقدمها المجتمع الشبكي عبر الإنترنت, إذ أن رأس المال الاجتماعي الشبكي الجديد يتحرك علي مرجعية عالمية بالأساس سواء في بنيته أو في قيمه, وثالثها: أنه رأس مال نزوعي, بمعني أنه يتحرك بين السياق الواقعي غير المتصل, والرقمي المتصل, فتارة تتحرك عوائده داخل المجتمع الشبكي ذاته,  وقد يتحرك مردوده من السياق الشبكي المتصل إلي السياق الواقعي غير المتصل, فعلي سبيل المثال نجد أن بعض الشباب العربي يستغل العلاقات الشبكية في البحث عن فرصة عمل ويجدها, ونجد أيضاً أن بعض منظمات المجتمع المدني, تبدأ حملاتها عبر السوشيال ميديا ثم تتحرك صوب الواقع, الأمر الذي يكشف عن عدم القطيعة بين المجتمع المتصل, والمجتمع غير المتصل.

يتضح من واقع رأس المال الاجتماعي الذي يشكله الشباب العربي عبر السوشيال ميديا أنه يرتبط بأشكال أخري من رأس المال وأبرزها رأس المال الثقافي, فليس كل شاب بإمكانه أن يشكل علاقات علي الصعيد الرقمي المتصل, إذ أنه بحاجة إلي امتلاك القدرة علي التعامل مع التكنولوجيا والسوشيال ميديا, وهذا لايتوفر إلا بامتلاك قدر معين من التعليم يسمح بإمكانية التأسيس للصفحات والنفاذ الشبكي.

وبتأمل رأس المال الاجتماعي الجديد ندرك أن الشباب العربي قد نجح في استغلاله في تحقيق مجموعة من المكاسب علي الصعيد المتصل وغير المتصل, وعلي المستوي الفردي والجماعي. أما المكاسب التي تحققت للشباب العربي علي المستوي الفردي نطرح عدة نماذج: منها أن رأس المال الاجتماعي الرقمي المتصل ساعد الشباب في الوصول إلي الاصدقاء, كأصدقاء المدرسة أو الطفولة ويدعم ذلك تأسيس المدارس والدفعات القديمة للصفحات والمجموعات عبر السوشيال ميديا, والتي تم من خلالها يتم إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية القديمة لدي الأفراد. كما أن العلاقات الشبكية للشباب العربي تتيح التواصل مع بعض القيادات والمسئولين- حيث تزخم الشبكة بصفحاتهم- بالشكل الذي يمكن استثماره في تحقيق منافع علي المستوي الواقعي غير المتصل. ويفتح رأس المال الاجتماعي المتصل لبعض الشباب العربي مجال للعمل, فيكشف الواقع عن استخدام العديد من الشباب للآليات التي تقدمها السوشيال ميديا في التجارة والبيع والشراء, كما أنها تقدم صفحات للتوظيف يتابعها الشباب من أجل التعرف علي الفرص المناسبة, الأمر الذي قد نستطيع معه القول بأن ثمة مردودات وعوائد اقتصادية علي الأفراد من تجسير العلاقات الاجتماعية علي الصعيد المتصل.

وعلي الصعيد الاجتماعي نجد ثمة عوائد لرأس المال الاجتماعي المتصل الذي شكله الشباب العربي: أبرزها انتشار بعض القيم الإيجابية منها قيمة المشاركة، فنجد ثقافة الشير لها دورها البارز في نشر الإيجابيات, مثل نشر صور المفقودين, أو صور التقصير في بعض الخدمات والمطالبة بتحسينها في بعض الأماكن, وترتبط بثقافة الشير بقيمة إيجايبة أخري تتمثل في التعاون, وهناك العديد من الصفحات تقدم النصيحة والمشورة وتكشف عن قيمة التعاون بين الشباب العربي. كما أن السوشيال ميديا قدمت فرصة للارتباط المدني الرقمي, والذي تنطلق منه المبادرات التي تلعب دورها في تنمية المجتمع, مثل مبادرات حملات النظافة, ومحو الأمية, ومساعدة المحتاجين, وغيرها من الارتباطات التي تحقق مردود إيجابي علي المستوي الاجتماعي العربي.

 إن رأس المال الاجتماعي عبر السوشيال ميديا لديه بعض التحديات والكوابح, فثمة مجموعة من العوامل من الممكن أن تؤدي إلي إهداره منها عدم الثقة في تفاعلات الإنترنت, فالثقة في علاقاتها برأس المال الاجتماعي تشبه الصمغ الذي يربط العلاقات الاجتماعية ويدمجها, وعلي الرغم من أن الثقة في تفاعلات المجتمع الشبكي في تزايد, إلا أن نتائج الدراسات والبحوث تؤشر علي أنها ليست بنفس القدر من المستوي الواقعي غير المتصل. ويرتبط ذلك بطبيعة الحال بنمط أخر من التحدي المتمثل في تجهل الهوية, ففي معظم الأحوال لا نعرف من يتحدث إلي من؟ الأمر الذي قد يعد تحدي أمام تشكل رأس المال الاجتماعي الشبكي, كما أن ديمومة العلاقات واستمراريتها يمثل تحدي ثالث أمام تشكل رأس المال الاجتماعي الشبكي, بالإضافة إلي غياب المعايير في بعض التفاعلات, الأمر الذي يفقدنا أحد أهم ركائز رأس المال الاجتماعي. وتلعب الفجوة الرقمية سواء في المعرفة بالرقمنة أو البنية التحتية دورها في تفاوت الاستفادة من عوائد رأس المال الاجتماعي المتصل.

 ويمكن القول في نهاية المطاف أن رأس المال الاجتماعي عبر السوشيال ميديا آخذ في التبلور والتشكل, وأننا بحاجة إلي منظومة قيمية تتفق مع تراثنا وثقافتنا العربية, يتحرك من خلالها الشباب العربي علي خلفية المجتمع الشبكي, بحيث يمكن تعظيم المنافع من رأس المال الاجتماعي المتصل, وتحجيم كوابحه.

 

وليد رشاد زكي

أستاذ مساعد علم الاجتماع - المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock