باحترافية شديدة نجح تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في توظيف واستخدام مختلف أشكال الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عبر «شبكة الإنترنت»، في نشر فكره المتشدد، وقد مكنه هذا النجاح من تجنيد عدد غير قليل من الشباب الغربي والعربي على حد سواء، وضمهم إلى صفوفه.
كيف تمكن تنظيم «داعش» الإرهابي من استخدام الوسائط والمنصات الإعلامية على شبكة الانترنت في نشر أفكاره المتطرفة وضم المزيد من الأنصار إلى صفوفه؟ تساؤل طرحته بالتفصيل وحاولت الإجابة عنه الباحثة هبة عاطف لبيب المدرس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وذلك من خلال رسالتها للدكتوراه التي حصلت عليها مؤخرا من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وجاءت تحت عنوان: «الرسائل الإعلامية الموجهة من قبل الحركات الدينية المسلحة عبر شبكة الإنترنت وتأثيرها على المستخدمين الشباب».
د. هبة عاطف لبيب
في هذه الدراسة المهمة، حاولت الباحثة رصد ومعرفة كيفية توظيف تنظيم «داعش» لشبكة الإنترنت في نشر أفكاره الدعائية، وذلك عبر تحليل مختلف المواد الإعلامية التي أتاحها التنظيم عبر شبكة الإنترنت، بهدف التعرف على أهم القضايا التي طرحها، وكيفية معالجة تلك القضايا، إضافة للتعرف على أثر تلك المواد المطروحة على رؤية الشباب لهذا التنظيم الإرهابي المتشدد.
داعش.. النشأة والمنهج
تناولت الباحثة في دراستها، ظروف وتاريخ نشأة تنظيم «داعش»، والأسس المنهجية التي يستند إليها الفكر الجهادي بشكل عام، وتوقفت في هذا الصدد عند كتابات «سيد قطب»، بوصفها تمثل الأساس الفكري والمنهجي للتيار الجهادي المعاصر في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة كتابه «معالم في الطريق»، الذي تضمن أفكاره حول الحاكمية والتمايز والمفاضلة، وحكم الردة على أنظمة الحكم القائمة والدعوة الصريحة لجهادها، ورسم معالم طريق هذا الجهاد.
توجز الباحثة البنية الفكرية للتيار الجهادي المعاصر في كونه يتضمن أساسيات من فكر جماعة الإخوان المسلمين إضافة إلى المنهج الحركي الذي طرحه سيد قطب، ممزوجا بالفقه السياسي الشرعي الذي كان قد طرحه ابن تيمية والمدرسة السلفية، إلى جانب التراث الفقهي للدعوة الوهابية.
تضيف الباحثة: إن تنظيم «داعش» اعتمد في فكره على ثلاثة كتب سلفية جهادية تسوغ وتبرر له ما يقوم به من جرائم. حمل الكتاب الأول عنوان «إدارة التوحش» ومؤلفه «أبو بكر الناجي»، ويعد هذا الكتاب بمثابة خارطة طريق لكيفية خلق خلافة إسلامية، أما الكتاب الثاني فهو «فقه الجهاد» ومؤلفه «أبو عبد الله المهاجر» ويدعو فيه السلفيين الجهاديين إلى فعل كل ما يتوجب فعله من أجل تأسيس دولة إسلامية موحدة نقية، بينما يحمل الكتاب الثالث عنوان «أساسيات الاستعداد للجهاد» للكاتب «عبد القادر بن عبد العزيز»، ويركز فيه على مجمل المعاني الدينية والعملية للجهاد في الإسلام، ويستعين به التنظيم بوصفه المدونة الرئيسية في تدريب الجهاديين.
ويعد أبو مصعب الزرقاوي (الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين) وفقا للباحثة الأب الروحي لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث غرس بذور نشأته الأولى عام 2004 حين أسس تنظيم «جماعة التوحيد والجهاد» ومن ثم أعلن مبايعته لأسامة بن لادن، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة فيما عرف «بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» الذي كثف عملياته داخل العراق فبات من أقوى المليشيات المقاتلة ضد القوات الأمريكية. وفي عام 2006 وقُبيل مقتله أعلن الزرقاوي عن تشكيل «مجلس شورى المجاهدين في العراق» ليكون النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنه سرعان ما قتل في غارة أمريكية، ليحل محله أبو عمر البغدادي على رأس التنظيم الذي أصبح يحمل اسم «الدولة الإسلامية في العراق».
بعد مقتل أبو عمر البغدادي عام (2010) تسلم أبو بكر البغدادي قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» وانشق عن تنظيم «القاعدة»، وفي عام 2011 استغل الأزمة السورية واستولى على مناطق داخل سوريا على الحدود مع العراق، ليعلن أبو بكر البغدادي في أبريل 2013 عبر تسجيل صوتي عما سمى بـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وكانت تلك هى المرة الأولى التي يعلن فيها عن اسم تنظيم «داعش». وفي عام 2014 تم إعلان الخلافة مجددا تحت مسمى «الدولة الإسلامية» ومبايعة البغدادي خليفة لها من مسجد الموصل الكبير، بعد سقوط الموصل بالكامل، التي تعد ثاني أكبر المدن العراقية، في يد عناصر التنظيم.
أبو مصعب الزرقاوي، أبو بكر البغدادي
داعش والإعلام
زرع تنظيم القاعدة بذورا أطلقت عليها الباحثة «الخلافة الافتراضية» عبر شبكة الإنترنت، حيث أدرك أسامة بن لادن بوقت مبكر أهمية شبكة الانترنت في التواصل بين أعضاء المنظمات الإرهابية العالمية، فاستخدمت جموع الجهاديين شبكة الانترنت للتخطيط للهجمات الإرهابية ومشاركة خطط الخلافة، ما جعل الباحثة ترى أن تنظيم القاعدة ربما نجح في تشكيل نسخة افتراضية من التنظيم توازى التنظيم على أرض الواقع.
بن لادن
وبشكل عام نجحت التنظيمات الجهادية في استخدام شبكة الانترنت في مجالات عدة منها الدعاية، التدريب، وتجنيد الشباب وجمع التبرعات واستهداف أماكن التفجيرات والعمليات الإرهابية.
هنا تشير الباحثة إلى أن تنظيم «داعش» يعتمد على عدد من المنصات الإعلامية بلغات مختلفة وهى: «الفرقان، الحياة، الاعتصام، أجناد، مكاتب الولايات، إذاعة البيان» مستخدما أحدث المعدات حيث تكاد تصل جودة ومستوى ما يطلقه من فيديوهات إلى مستوى الأفلام الأمريكية. كما أصدر التنظيم مجلة «الرومية» وجريدة «النبأ» ومع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، اهتم «داعش» باستخدام «تويتر وفيسبوك واتس آب، انستجرام» وغيرها من التطبيقات التي تلقى شهرة داخل المجتمعات الغربية.
وقد اعتمدت الباحثة في دراستها على تحليل مجلة «الرومية» الصادرة عن مركز الحياة للإعلام التابع للتنظيم والمنشورة على شبكة الانترنت، وبلغ عددها (13) عددا، إضافة لأعداد من صحيفة «النبأ» الأسبوعية الصادرة عام 2017، وبلغت (48) عددا، إلى جانب تحليل مجموعة من الأفلام التي تم التنويه عنها بمجلة «الرومية» وصحيفة «النبأ».
في هذا السياق أشارت الباحثة إلى أن مجلة «الرومية» وصحيفة «النبأ» قد تميزتا بتنوع الأشكال الصحفية المستخدمة ما بين الخبر والمقال والإنفوجراف والتقرير الخبري، والحوارات إلى جانب البيانات الصادرة عن التنظيم.
كيف يرى الشباب «داعش»؟
على جانب آخر استعانت الباحثة بأداة الاستبيان الإلكتروني الذي تم تطبيقه على عينة من (150) شخصا بالفئة العمرية من (15 حتى 30 سنة)، في محاولة للتعرف على رؤية الشباب لتنظيم «داعش» ومدى تاثرهم بما يطرحه من مادة إعلامية.
«جماعة إرهابية.. تنظيم لا يمثل الإسلام أو المسلمين.. وسيلة لهدم المجتمعات وترهيب الناس.. مجموعة من الأشخاص المغيبين عقليا ولا يفقهون شيئا في الإسلام.. تنظيم يشوه الدين الإسلامي.. تنظيم إرهابي يستغل فهم الشباب الخاطىء عن الإسلام.. تنظيم مضلل يستغل أصحاب النفوس الضعيفة والجهلاء تحت ستار الدين كأدوات لتنفيذ الأجندات الخارجية والمخططات في حين أنهم لا يشاركون بأنفسهم في تنفيذ العمليات» هكذا عبرت عينة الدراسة عن رؤيتهم للتنظيم.
في هذا السياق حرصت الأفلام التي بثها «داعش» على خلق صورة ذهنية لمقاتلي التنظيم بوصفهم مقاتلين لا يقهرون، وذلك بهدف تحفيزهم على مواصلة الجهاد، وقد تضمنت تلك الأفلام العديد من مشاهد الذبح والتمثيل بجثث القتلى، وكانت تلك الأفلام هى أكثر المواد الإعلامية التي تعرض لها الشباب بصفة عامة.
من جانب آخر بينت الدراسة أن أسلوب التخويف والتهويل من أكثر الأساليب الدعائية التي استعان بها «داعش» وقد كان لهذا الأسلوب أثره البالغ في التأثير على عينة الدراسة من الشباب حيث تكونت لديهم صورة ذهنية تقوم على أن هذا التنظيم يعد تنظيما قويا يشعر الشباب تجاهه بالرهبة.
وقد تركزت الأفكارالأكثر تكرارا لدى الآلة الإعلامية لتنظيم «داعش» في فكرة أن الجهاد فرض عين، ورفض الإختلاط بالمرأة، وتكفير أهل الكتاب من يهود ومسيحيين إلى جانب تكفير مؤسسات الدول، وما يترتب عليه من دعوة لتفكيك الجيوش والأجهزة الأمنية لتلك الدول ومحاولة اسقاط أنظمة الحكم.
من هنا رأت الباحثة ضرورة أن تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورا في كسر تلك الصورة الذهنية التي نجح التنظيم في تصديرها عن نفسه وذلك عبر مناقشة مجمل ما يطرحه من أفكار ومن ثم مواجهة أفكاره المتطرفة كلمة بكلمة وفكرة بفكرة وشعارا بشعار.
وفي ختام رسالتها أوصت الباحثة بضرورة الحرص على دراسة مختلف المنصات الإعلامية المتعلقة بالتنظيمات الجهادية ومعرفة مدى تأثر الشباب بكل منها على حدة، إضافة إلى دعم الدراسات الدينية المتخصصة في مجال الرد على المرجعيات الدينية التي يستعين بها أصحاب تلك التنظيمات الجهادية السلفية المتشددة، مع الحرص على تبني نموذج تنموي بجميع القطاعات إلى جانب توفير فرص عمل للشباب وتفعيل آلية المشاركة السياسية لهم.