«أول مطلب يا شباب .. حق تعدد الأحزاب .. تاني مطلب يا جماهير .. حق النشر والتعبير .. تالت مطلب يا أحرار .. ربط الأجر بالأسعار .. يا ساكنين القصور .. الفقرا عايشين في القبور .. سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه».. كانت هذه بعض الهتافات خلال انتفاضة 18 و19 يناير 1977.
عقب هذه الانتفاضة شن الرئيس الراحل أنور السادات هجوما حادا على طلاب الجامعات المصرية الذين شاركوا في المظاهرات، معتبرا أن مسيرة الطلاب التي انطلقت من جامعة القاهرة في شهر نوفمبر 1976 تحمل «وثيقة نوفمبر» متوجهة إلى مجلس الشعب، كانت بمثابة تحضير لما شهدته مصر من مظاهرات خلال انتفاضة يناير 1977. فقد وصف السادات طلاب «مسيرة نوفمبر» بأنهم «الشرذمة المنبوذة»، فيما وصف انتفاضة يناير 1977 بأنها «انتفاضة حرامية».
كانت مصر قُبيل عام 1977 تمر بمرحلة ميلاد جديد لعدد من التنظيمات الحزبية اتخذ أحدها اسم «مصر العربي الإشتراكي»، الذي عُرف بمنبر الوسط والثاني اسم «الأحرار الإشتراكيون» المعبر عن اليمين، أما الثالث فحمل اسم «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» الذي مثل تجمعا لقوى اليسار، ولم ينته عام 1976 إلا متوجا بإجراء انتخابات مجلس الشعب، وذلك بعد أن كانت الحياة السياسية في مصر قد عانت غياباً تاماً لمبدأ التعددية الحزبية منذ سنة 1953 وصولا لسنة 1976.
على الجانب الآخر كانت الجامعات المصرية قد شهدت حالة من الهدوء النسبي في أعقاب انتصار أكتوبر 1973، غير أنها استعادت تدريجيا نشاطها مع تحول النظام السياسي باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
«وثيقة نوفمبر» وانتفاضة يناير 1977
في تلك الأجواء التي صاحبت عودة الحياة الحزبية بمصر عام 1976 عاود طلاب الجامعات أنشطتهم والتي تُوجت بتنظيمهم لأنشطة ما عُرف «بأسبوع الجامعة والمجتمع» ومع نهاية الأسبوع أصدر المشاركون «وثيقة نوفمبر» التي توجهوا بها في مسيرة لمجلس الشعب، متضمنة لعدد من المطالب المتعلقة برفض الطلاب لتحديد الأحزاب السياسية المسموح لها بالعمل بثلاث أحزاب فقط، كما دعت الوثيقة لإلغاء القوانين المقيدة للحريات، ورفض سياسة الإنفتاح الاقتصادي إلى جانب رفض تلك السلطات الزائدة عن الحد التي باتت مخولة لرئيس الجمهورية، وهو ما دعا السادات لأن يتحامل على الطلاب ويصفهم بكونهم «الشرذمة المنبوذة».
مع اندلاع شرارة أحداث انتفاضة يناير 1977 التي أتت في أعقاب إعلان «عبد المنعم القيسوني» نائب رئيس الوزراء للشئون الإقتصادية آنذاك مساء يوم 17 يناير، أمام مجلس الشعب عن قيام الحكومة بإتخاذ مجموعة من القرارات الإقتصادية التي وصفها «بالحاسمة والضرورية» وتهدف إلى خفض العجز في ميزان المدفوعات، وذلك تلبية لضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين من أجل إبرام اتفاق معهما، وكانت محصلة تلك القرارات رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية، ما نجم عنه زيادة أسعار تلك السلع. اشتعلت مظاهرات الغضب الشعبي على امتداد يومى (18- 19) يناير خاصة بين الطلاب والعمال بمختلف المدن المصرية من الإسكندرية إلى أسوان، وزادت وتيرتها في القاهرة والمحلة والسويس، ما اضطر الحكومة لأن تعلن عن تراجعها السريع عن تلك القرارات قبل إنتهاء يوم (19 يناير) مع اتخاذها عددا من التدابير الأمنية المشددة التي تضمنت فرض حظر التجوال واعتقال الآلاف من المواطنين وبعض القيادات الطلابية والعمالية.
بذات السياق تم توجيه الإتهام لنحو (176) شخصا كان من بينهم عدد من طلاب الجامعات، وجهت إليهم سبع إتهامات كانت كفيلة بوضعهم في السجون مدى الحياة، غير أن القاضي الذي تم اختياره لنظر القضية كان نموذجا رائعا في النزاهة والاستقلال وهو المستشار «حكيم منير صليب» الذي أصدر الحكم بمعاقبة أحد عشر متهما بالسجن ثلاث سنوات، والسجن سنة واحدة لتسعة منهم وبراءة الباقين.
نجم عن هجوم السادات على طلاب الجامعات المصرية أن اتخذت إدارات الجامعات إجراءات مشددة ضد الطلاب فكانت الصحافة الطلابية أول الضحايا، خاصة مجلات الحائط، ومع تتابع التصعيد ضد الطلاب تم إعادة حرس الجامعة إلى الحرم الجامعي، وإلغاء لائحة 1976 الصادرة بقرار جمهوري رقم 235، ومن ثم حلت محلها لائحة 1979 الصادرة بقرار جمهوري 265، والتي غيرت من هيكل اتحاد الطلاب بحيث بات يقتصر على الكليات والمعاهد، كما غيرت من شكل اللجان الطلابية لتضم الطلاب والأساتذة والإداريين، وبات الطلاب هم الأقلية – خمسة طلاب مقابل سبعة من أساتذة وإداريين- كما بات مشروطا موافقة الأمن على الترشيح للانتخابات الطلابية.
اعتقالات سبتمبر واغتيال السادات
سافر السادات إلى القدس العربية لعقد اتفاقية كامب دافيد مع الكيان الصهيوني عام (1979)، فجاء رد فعل طلاب الجامعات المصرية وأعضاء هيئة التدريس بها رافضا لتلك الإتفاقية، وكانت احتجاجات الطلاب المتواصلة واحدة من الأسباب التي دعت السادات لأن يصدر في وقت لاحق ما عُرف بقرارات سبتمبر (1981) التي شملت اعتقال عدد كبير من القيادات السياسية والفكرية والعمال وأعضاء هيئة التدريس وطلاب الجامعات المصرية، وبلغ عدد المعتقلين آنذاك ما يزيد عن ألف وخمسمائة شخص. هذا إلى جانب احالة عدد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات للعمل بعدد من الوزارات مثل وزارة الصناعة وغيرها من الوزارات.
من جانب آخر جاء اغتيال السادات في السادس من أكتوبر 1981 على يد «الإسلاميين» كبداية لمرحلة جديدة نحو مزيد من التشدد في التعامل مع طلاب الجامعات المصرية، خاصة مع ما كانت قد شهدته تلك الجامعات من تصاعد لتيار الإسلام السياسي خاصة جامعات الأقاليم بصعيد مصر «أسيوط .. المنيا»، وفي المقابل تم الإفراج عن معتقلي سبتمبر وعودة أعضاء هيئة التدريس الذين تم نقلهم للعمل بعدد من الوزارات إلى أعمالهم بالجامعات.
من «9 مارس» إلى «25 يناير»
توالت السنوات وتوالت معها احتجاجات طلاب الجامعات المصرية، فكانت بدايات العام الدراسي من كل عام وما تشهده الجامعات من عقد لانتخابات اتحادات الطلاب فرصة مواتية لتجديد مطالب الطلاب المتعلقة بتعديل اللائحة الطلابية ومنع الحرس الجامعي وغيرها من المطالب المتعلقة بالعملية التعليمية ذاتها، إضافة لتلك الاحتجاجات المتعلقة بمختلف القضايا العامة بداية من القضية الفلسطينية وحرب الخليج والإحتلال الأمريكي للعراق وصولا لثورة 25 يناير 2011.
غير أن الجديد الذي طرأ على الجامعات المصرية قد برز مع تنامي تيار الإسلامي السياسي بها، حيث عانت الجامعات المصرية بفترة التسعينات بشكل خاص من تنامي وتزايد مظاهر التشدد من إرتداء الفتيات للنقاب، والإعتداء بالضرب على طلاب الأنشطة الفنية بشكل خاص، وتزايد أعداد أعضاء هيئة التدريس الذين يطالبون بفصل الطلاب عن الطالبات داخل القاعات الدراسية.
في كل تلك الأحداث حرص عدد من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية على دعم طلابهم بمختلف حركاتهم الاحتجاجية، من منطلق حرصهم على حق طلابهم في حرية الرأى والتعبير، وحرصهم على استقلال الجامعات المصرية، وهو ما دفع مجموعة منهم إلى تأسيس ما عُرف «بمجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات» التي تكونت عام 2003 في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، واتخذت من حادثة استقالة «أحمد لطفي السيد» مدير الجامعة المصرية في (9 مارس 1932) احتجاجا على نقل الدكتور طه حسين إلى وظيفة خارج الجامعة، رمزا ومعنى لها، لذا عرفت المجموعة باسم حركة «9 مارس» لاستقلال الجامعات.
عُنيت حركة «9 مارس» منذ اللحظات الأولى بمجمل القضايا المتعلقة باستقلال الجامعة، إضافة لطرح قضية تطوير التعليم ودور الجامعة في المجتمع، ومن ثم أصدرت عددا من الكتيبات طَرحت من خلالها رؤيتها حول مختلف القضايا المتعلقة بالجامعات المصرية، في محاولة لرصد أزمة التعليم العالي في مصر، ومن ثم ربطت بين تلك الأزمة وتدني الإنفاق السنوي على التعليم الجامعي بشكل عام، وتدني الإنفاق على البحث العلمي داخل الجامعات المصرية بشكل خاص، هذا إلى جانب إهدار الموارد المتاحة بالفعل، كما تناولت تلك الإصدارات قضية انخفاض دخل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية والذي نجم عنه تدهور المستوى المعيشي الخاص بهم، مع انخفاض فرص البعثات العلمية للخارج.
من جانب آخر طرحت الحركة العديد من التوصيات التي يمكن أن تلعب دورا في تطوير منظومة التعليم العالي في مصر من وجهة نظرهم كان منها الحد من سلطات وزير التعليم فيما يتعلق بتدخله في مجال اختيار القيادات الجامعية وطرحت في المقابل ضرورة الإعتماد على مبدأ الانتخاب الحر والمباشر لشغل الوظائف القيادية بالجامعات المصرية بدءا من مستوى رئيس القسم وصولا لمنصب رئيس الجامعة. كما نادت حركة (9 مارس) بضرورة صيانة الحريات الأكاديمية والبحثية بكل صورها وضمان عدم التعرض «بالتحريم أو التكفير أو المنع الإداري» لما يعد من صميم العمل البحثي أو التعليمي.
وحين اندلعت ثورة 25 يناير 2011 شارك فيها طلاب الجامعات المصرية، وحرص أعضاء هيئة التدريس على تأكيد دعمهم للثورة، فأنطلقوا من أمام النصب التذكاري أمام جامعة القاهرة في مسيرة ضخمة مرتدين «روبهم الجامعي المميز» وصولا لميدان التحرير في إشارة منهم لدعم الجامعات المصرية بطلابها وأعضاء هيئة تدريسها لثورة 25 يناير 2011 المجيدة.
(يتبع)