تُرى ما الذي كان يشغل بال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما وقف ليعلن عن خطته للسلام والمسماه بـ«صفقة القرن»؟.. جريس هالس، الكاتبة الأمريكية تقدم إجابة وافية عن هذا السؤال في كتابين مهمين لها، صدرت الطبعة العربية لهما مؤخرا عن دار الشروق للنشر.
ولدت جريس هالسل لأسرة عجيبة، فوالدها كان يدمن الخمر، ولم يكن للدين بمعناه الواسع أدنى تأثير على أسرتها، ثم فجأة كف الأب عن إدمانه وبدأ حياة جديدة، يلعب فيها الدين دورًا محوريًا. أصبح الأب المدمن مسيحيًا صهيونيًا، لا يرى العالم إلا من ثقب الكتابات التي تحض على الحرب والإبادة.
بعد تخرجها في الجامعة عملت جريس بالصحافة ثم عملت بالبيت الأبيض محررة لخطابات الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، فرأت في تصرفات النخبة السياسية الأمريكية ما يفسر سلوكيات الأب الجديدة، النخب الامريكية مؤمنة أشد ما يكون الإيمان بالنبوءات الإسرائيلية.
الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون
كتبت جريس كتابين عن تلك القضية، الأول هو «النبوءة والسياسة» والثاني هو «إجبار يد الله»، الكتابان ترجمهما إلى العربية الأستاذ محمد السماك، وقامت «دار الشروق» بنشرهما.
تكشف جريس عبر كتابيها عن عقيدة دونالد ترامب الذي لم يكن – وهو يعلن عن خطته للسلام بين الفلسطينين والإسرائيلين – يقدم حلًا جديدًا أو قديمًا لأزمة الشرق الأوسط. فلم يكن يشغل باله سوى أن يكون وفيًا للنصوص الدينية الإسرائيلية التي يؤمن بها، فتلك النصوص القديمة جدًا، تسيطر سيطرة تكاد تكون كاملة على عقول كثير من الأمريكيين، خصوصا الذين في دائرة صنع القرار.
عودة المسيح
نسمع نحن العرب عن معركة «هرمجيدون» فنهز أكتافنا في سخرية غير مصدقين أن واديًا في فلسطين الحبيبة سيشهد معركة نووية تقضي على الأخضر واليابس ولا يعرف النجاة من دمارها غير الصهاينة. لكن التصديق الكامل التام بحتمية «هرمجيدون» هو عقيدة راسخة لدي النخبة الأمريكية صاحبة القرار في البيت الأبيض.
ومن هنا فإنه حتى لو أن العرب والمسلمين والفلسطينيين جمعيًا، سلموا لإسرائيل وأمريكا بما تريدانه، فهذا لن يقود إلى السلام بأي حال من الأحوال.. لماذا؟
تقدم جريس هالسل الإجابة عبر كتابها الأول «النبوءة والسياسة»، حيث تكتب عن النبوءة القائلة بعوده المسيح مره أخرى وظهوره في فلسطين تحديدًا، لتبدأ المعارك بين المؤمنين بالمسيح في نسخته الأمريكية وبين معارضي تلك النسخة، وتتصاعد المعارك حتى نصل إلى المعركة الحاسمة وهى معركة «هرمجيدون» التي سينتصر فيها المؤمنون بالمسيح الأمريكي وتفنى البشرية التي نعرفها الآن.
الرحلة التي قطعتها جريس حتى تصبح متأملة للحالة الأمريكية لم تكن رحلة سهلة، فهى تتعرض لجزء صلب وراسخ من العقيدة الأمريكية، لا يتحدث عنه أحد من المسئولين، لكن الصمت عنه هو الصمت عن المسائل المفروغ منها التي لا يجب أن يدار حولها نقاش، وذلك من فرط التسليم بها والاستسلام لها.
ذهبت جريس إلى فيتنام في وقت حربها مع الأمريكان، ورأت بعينيها كيف كان الجنود الامريكيون يبيدون مدنًا بحجرها وبشرها، وكانت تسأل نفسها: لماذا هذه الإبادة؟، أليس الفيتناميون بشر من ضمن البشر؟
ثم مع مشقة الرحلة عرفت جريس الإجابة على سؤالها، إنه كتاب «آخر أعظم كرة أرضية» لمؤلفه هال ليندسي. باع هذا الكتاب ما يزيد على ثمانية عشر مليون نسخة في فترة وجيزة جدًا، وقالوا: إن الكتاب المقدس فقط هو الذي تفوق على مبيعات كتاب ليندسي.
رسالة كتاب السيد ليندسي تقول: إن الله قد قضى أن على هذا الجيل بالتحديد الذى يعيش في الوقت المعاصر أن يدمر الكرة الأرضية، لكي يعود المسيح، وقد بدأنا بالفعل العد التنازلى لذلك.
المفاجأة بالنسبة لجريس هى أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، قد قرأ الكتاب وصدقه، ولذا صرح جايمس ميلز الرئيس الأسبق لمجلس الشيوخ فى كاليفورنيا بأن ريجان قد كره ليبيا لأنه يراها واحدة من أعداء إسرائيل الذين ذكرتهم النبوءة، وبالتالي فهى عدوة لله.
الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان
إيران.. العدو دائمًا
تكشف جريس هالس عن جذور العداء الأمريكي لإيران، وهو عداء لا علاقة له ببرنامجها النووي، فالعداء قادم من قلب تلك النصوص التدميرية التي تقسم البشرية إلى قسمين لا ثالث لها، قسم يحب إسرائيل حيث سيهبط المسيح، وقسم عدو لإسرائيل يجب أن يباد لكي ينزل المسيح.
في كتاب ليندسي جاء أن الملحمة الأخيرة أي «هرمجيدون» ستشهد تدمير معظم دول العالم بالقنابل النووية وأن أكثر من ثلثى العالم سيُباد، حيث سيجف نهر الفرات، وتُدمر القدس، و تأكل الصقور والوحوش من لحوم الملوك، وستُباد جيوش أعداء المسيح، وهم روسيا، وايران، وجنوب أفريقيا، و أثيوبيا، وشمال أفريقيا و ليبيا. وبعد سبع سنوات من «هرمجيدون»، ستعود الكنيسة لتحكم ولتتوج مع المسيح على الأرض لمدة ألف سنه، ثم تأتى الأرض الجديدة!
لكن لماذا تستهدف كل المفاوضات والمباحثات، بل والمعارك مكانين لا ثالث لهما، الأقصى والقدس؟.. في كتاب جريس الثاني «إجبار يد الله» الإجابة على هذا السؤال. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الترجمة العربية لهذا الكتاب جاءت تحت عنوان «يد الله»، وذلك لأن المترجم والناشر قد تحرجا من نسبة الإجبار إليه تعالى.
الأمريكيون الصهاينة
نسمع كثيرًا ومنذ عقود تلك الجملة التي تقول: «الصهاينة يحاولون هدم المسجد الأقصى»، لدرجة أننا قد فقدنا الاهتمام بالجملة، وذلك من فرط تكرارها. ثم ظن بعضنا أن الأمر كله مجرد دعاية عربية سوداء، أو فرية يختلقها المسلمون لإدانة الصهاينة.
لكن جريس هالسل تؤكد في كتابها أن الأمريكان المتصهينين، هم الذين يسعون لهدم الأقصى، وليس الصهاينة الذين يحتلون فلسطين. لقد ذهبت جريس إلى فلسطين وقابلت أطراف الصراع، ورأت بعينيها وسمعت بأذنيها، فتأكدت أن صهاينة أمريكا هم الذين يستهدفون القدس والأقصى قبل أي مكان آخر.
فمن واقع مقابلات أجرتها المؤلفة مع المتورطين فى تلك المؤامرة، توضح الكاتبة أن الأصوليين الأمريكيين يؤمنون إيمانا راسخا بأن الله لا يريدهم دعاة سلام، وإنما يطالبهم بشن حرب نووية تدمر الكرة الأرضية الفاسدة، ولكى تندلع الحرب النووية، فلابد من استفزاز المسلمين بهدم الأقصى، وساعتها سيندفع المسلمون لساحة الحرب، فيقصفهم الأمريكيون بالصواريخ النووية، بل إن المسيح ذاته سينزل الى الأرض مرتديا زى جنرال، ويأمر بإطلاق الصواريخ النووية على أعدائه لكى تسود المسيحية الحقة!
وتواصل المؤلفة تقديم أفكار الأصوليين الأمريكان فتقول «إنهم يؤمنون بأنهم سيشاهدون فناء الكون جـالسين فى أمان بشرفات منازلهم، لأنهم وحدهم المؤمنون حقا». ولا يقف الأمر هنا عند حدود الإيمان النظرى، إذ أن المؤلفة، وفى سياق استعراضها لمحاولات الأصوليـين هدم الأقصى، تقول إن عام 1999 شهد قيام جماعة أمريكية تعرف باسم «دنفر» بالسفر إلى فلسطين لهدم الأقصى لكى تنشب الحرب التى لا تبقى ولا تذر. وتؤكد المؤلفة أن ثلث المقيمين فى المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، هم من الأمريكان الذين يمولون العمليات التى سجلت تقدمًا كبيرًا، ففى عام 1985 قامت منظمة تدعى «جوش ايمونيم» أى الجماعة المؤمنة بالاتفاق مع طيار حرب (إسرائيلى) على قصف الأقصى، على أن تتولى الجماعة الهجوم البرى. وقد قامت الجماعة ببناء مجسم للأقصى لأجراء التدريبات على هدمه، وقبيل تنفيذ الهجوم اعتقلت قوى الأمن الإسرائيلية المتورطين فى تلك المؤامرة وقُدموا للمحاكمة. لكن في أثناء محاكمتهم عوملوا معاملة الأبطال، ولم يحكم على أحد منهم بالسجن، بل بغرامة مالية بسيطة سرعان ما دفعها الأمريكان.
الأمر إذن جد لا هزل فيه، وبعض الأمريكيين يخططون لإشعال حرب تدمر على الأقل قدرات هذا الجزء من العالم، وهم فى سبيل ذلك يكذبون على سيدنا المسيح ،ويشوهون رسالته، فمتى كان المسيح داعية انتقام وتدمير، حتى يأتى المتطرفون ويصوروه فى صورة جنرال يأمر بإطلاق الصواريخ النووية؟.. المسيح وكل المسيحيين المؤمنين برسالته أبرياء من مزاعم الصهاينة، الذين لا يبحثون إلا عن تدمير العالم لتحقيق خرافات ينسبونها زورًا وبهتانًا لرسول السلام والمحبة.
https://www.facebook.com/Aswatonline/videos/2504582266481819/?t=0
الفيديو جرافيكس:
نص: Aswat Online
تحريك ومونتاج: Engy Eleslamboly