رؤى

أصول بوكو حرام.. من أين جاءت الجماعة الإرهابية الأشد فتكا في أفريقيا؟ (4– 4)

*أودو بولاما بوكارتي – باحث في «مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية» (SOAS) بجامعة لندن، ومحلل في «معهد توني بلير للتغيير العالمي»

عرض وترجمة: أحمد بركات

كما أوضحنا في السابق، فقد استلهمت جماعة «بوكو حرام» أفكار ومواقف من العديد من المنظرين الأيديولوجيين، والأحداث والجماعات في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم أسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة. ويتذكر أتباع «محمد يوسف» جيدا نقطة التحول التي ألهمت آباءهم المؤسسين وأفضت إلى تأسيس «بوكو حرام»، والتي تمثلت في النصر الساحق الذي حققته هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي نفذها تنظيم القاعدة، في الوقت الذي كان فيه «يوسف» في المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج.

 وعندما قررت الجماعة إطلاق العنان لاستخدام العنف في عام 2009، بعد مقتل حوالي 200 من أعضائها في شهر يوليو من ذاك العام، توجهت بطلب الدعم الفني والمالي من «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، الذي رحب بالفكرة وأبدى تأييده لها على الفور. وفي وقت لاحق، أعرب أبو بكر شيكاو، زعيم جماعة «بوكو حرام»، عن شكره «لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» على ما قدمه للجماعة من دعم مالي وتدريبي.

وإذا كان ذلك يشير بوضوح إلى تطور روابط عملياتية بين تنظيمي القاعدة وبوكو حرام بعد عام 2009، إلا أنه لا يشكل دليلا دامغا على وجود هذا النوع من التحالف العملياتي قبل ذلك العام، وتحديدا في عام 2003 عندما تأسست الجماعة، وتم الترويج لمزاعم تتعلق بعلاقتها بالحركة الجهادية العالمية.

العلاقة بين بوكو حرام والقاعدة

أما الآن، فدعونا نأخذ خطوة للأمام لبحث الفرضيتين الأساسيتين التي بُنيت عليهما نظرية الربط بين «مجموعة كاناما» وتنظيم القاعدة، وهما ما ذكرته بعض التقارير عن تلقي «محمد علي» دعما من بن لادن لإنشاء خلية في نيجيريا، وعن مواصلة أفراد هذه المجموعة «تبادل إطلاق النار على مدى عدة أيام مع الشرطة النيجيرية».

فيما يتعلق بالفرضية الأولى، يؤكد «أبو هارون» – وهو أحد أعضاء المجموعة الذين ذهبوا إلى «تارموا»، وبرفقته زوجته وأربعة أطفال (قتل أحدهم بعد ذلك في الهجوم على معسكر «كاناما») – أن «علي» كان مشاركا في المعسكر، وكان قائد المجموعة المنشقة. لكنه لم يكن مقيما في «تارموا»، أو «كاناما». فقد عاش في «جاشوا»، على بعد 147 كيلو مترا من كاناما، ولم يقم بزيارة المجموعة إلا في مناسبات قليلة. كما أن «علي» – وفقا لرواية «أبو هارون» – لم يكن ضمن نزلاء المعسكر، عندما قامت فرق من القوات المسلحة  النيجيرية بمهاجمته، ولم يكن – كما زعمت بعض الروايات – ضمن قتلى هذا الهجوم. وقد انضم «علي» لاحقا إلى بعض الأعضاء الذين تفرقوا في أعقاب هذا الهجوم، وذلك بعد نجاحه في الهروب من إحدى محاولات اعتقاله من قبل شرطة مدينة جاشوا، وذلك في أعقاب تشتيت المعسكر. بعد ذلك، توجه «علي» إلى «جبال ماندارا» في ولاية بورنو، لكنه قتل في الطريق.

كما أن الرواية التي تربط بين «علي» من جانب و«ابن لادن» وتنظيم القاعدة من جانب آخر، لاتدعمها أية أدلة موثوقة، حيث تنسب أول رواية عن لقاء «علي» بابن لادن في السودان، وتدريبه في أفغانستان، وحصوله على 3 ملايين دولار من ابن لادن في عام 2000 لإنشاء خلية قاعدية في نيجيريا إلى تقرير صادر عن «مجموعة الأزمة الدولية» (International Crisis Group) في عام 2014، أي بعد 10 سنوات من أحداث كاناما. كما أن التقرير يستند في هذه الرواية إلى مقابلة وحيدة مع عضو في «بوكو حرام» مجهول الهوية، ولا يُعرف أين أو كيف حصل على معلوماته. على سبيل المثال، هل كان مع «علي» في السودان، أم أن المعلومة الخاصة بهذا اللقاء بلغته عن مصدر آخر؟ هل كان طرفا في نقل الأموال، أم علم بها من «علي»، أو «ابن لادن» أو أي طرف ثالث؟ هل كان عضوا في «مجموعة كاناما»، أم بقي مع «محمديوسف» بعد الانشقاق عليه؟ وأخيرا.. هل انضم إلى «بوكو حرام» بعد ذلك، أم لا؟

لم يجب تقرير «مجموعة الأزمة الدولية» عن أي من هذه الأسئلة. كما أنه لم يذكر حتى ما إذا كان هذا المصدر قد التقى «علي» من الأساس. ومن ثم، فمن غير المستغرب أن يُصَدر التقرير مزاعمه بشأن «علي» وعلاقته بتنظيم القاعدة بعبارات من قبيل «يُقال»، أو «يُزعم». لقد استخدمت هاتان الكلمتان 51 مرة، و21مرة على التوالي على مدى التقرير، وهو ما يشير إلى أن المعلومات الواردة يجب أن تؤخذ بقدر كبير من التحفظ. لكن ما يثير الدهشة هو أنه بدلا من التعامل مع هذه المزاعم بما تستوجبه من حذر علمي، ذهب بعض الباحثين المتحمسين لهذه النظرية إلى تصديرها على أنها حقائق راسخة، وقاموا بحذف الألفاظ التنبيهية («يُقال» و«يُزعم»)، أو تعديلها.

وفيما يتعلق بالفرضية الثانية، كما رأينا في السابق من رواية شاهد عيان عما حدث في كاناما، فإن المجموعة لم تصمد في قتالها ضد قوات الأمن على مدى أيام كما ادعي بعض الباحثين الذين يتناولون «بوكو حرام». فقد هاجم جنود من مدينة «نجورو» المعسكر في الساعات الأولى من 1 يناير 2004، ثم عادوا إلى كاناما مع شروق شمس اليوم نفسه محملين بجثث القتلى، ويقتادون مجموعة من المساجين. وبالتالي، فإن الهجوم على المجموعة لم يستغرق أكثر من ساعات، وليس أياما، فضلا عن أسابيع.

وكما أوضحنا آنفا، فقد انتهت محاولة إجلاء المجموعة في 25 ديسمبر 2003 دون مواجهة، بسبب عدم تمكن قوات الشرطة من الوصول إلى الموقع الذي تقيم فيه المجموعة بين مجريين مائيين. وبالمثل، لا توجد أي تقارير عن أسلحة بخلاف «السلاح الأبيض» الذي تم العثور عليه في المخيم. ولو وُجدت بنادق وأسلحة هجومية أخرى لسارعت حكومة ولاية يوبي إلى إصدار بيان صحفي للإشارة إلى ذلك. لكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، حيث أكدت الحكومة أن المجموعة «لم تكن معسكر تدريب».

عقيدة بوكو حرام

لكن، على النقيض من المجموعات الدينية الانفصالية، مثل «دار السلام» (وهي مجموعة تبشيرية تضم حوالي 3000 – 4000 عضو كانوا يعيشون في «موكوا» في شمال وسط نيجيريا حتى تم إجلاؤهم بواسطة الشرطة في عام 2009 دون استخدام العنف)، لم تكن كاناما مجموعة مسالمة كما أكد بعض الباحثين. لقد أوضحت «بوكو حرام» من البداية أن هدفها النهائي هو إعلان الجهاد لتخليص المنطقة من الأنظمة والحكومات العلمانية، واستبدالهما بحكومة إسلامية. على سبيل المثال، في محاضرة «تاريخ المسلمين»، التي ألقاها «محمد يوسف»، ويعتبرها «عبد الباسط قاسم» وغيره من الباحثين «شهادة سياسية ودينية»، أكد يوسف:

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقفهم «الحكومة النيجيرية والمسيحيين» عن سب الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقتل المسلمين هو الجهاد … «لكن» يجب علينا أولا وقبل أي شيء أن نعكف على الدعوة إلى الإصلاح الإسلامي، وأن نصبر حتى تتوافر لنا أسباب القوة … لقد أقمنا هذه الدعوة من أجل الجهاد، وقد أعلنا ذلك دون مواربة، ولم نخف أهدافنا عن أحد…

يتضح مما سبق أن أعضاء مجموعة كاناما قد توافقوا تماما حول هذه الأيديولوجيا، بل لا نبالغ إذا قلنا إن حماسهم لتطبيقها هو ما دفعهم بعد ذلك إلى الانشقاق عن يوسف، وإلى هجرتهم اللاحقة. فقد ذهبوا إلى تارموا لإنفاذ أحد الشروط المسبقة للجهاد، وللإعداد له. وعاشوا في سلام مع المجتمعات المحلية، ولم يستهدفوهم في الوقت الذي استهدفوا فيه المنشآت والمباني الحكومية وأقسام الشرطة في كاناما والقرى المجاورة، ليس فقط لأن هذه المجتمعات كانت تمثل لهم هدفا ثانويا، وإنما أيضا لأن المجموعة وجدت فيها بيئة خصيبة وموردا مهما لتجنيد عناصر جديدة.

وبوجه عام، فإن الجهود التي بذلت لإخراج أعضاء هذه المجموعة من معسكرهم قد جرتهم إلى معركة لم يكونوا مستعدين لها. ومع ذلك، تظل الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن أعضاء هذه المجموعة هم من حرضوا على العنف، مما يؤكد ما أضمروه من نوايا.

(انتهى)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي ومراجع البحث من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock