رؤى

التوجهات المستقبلية للإرهاب العالمي في عام 2020

*كولين كلارك

*عرض وترجمة: أحمد بركات

بعد عام مليء بالأحداث على صعيد مواجهة الإرهاب، وبينما يخطو العالم خطواته الأولى على طريق عام 2020، هناك سؤال مهم يطرح نفسه على الساحة العالمية، وهو: ما هي التوجهات الإرهابية التي يحتمل أن تهيمن على المشهد الأمني العالمي في هذا العام؟

لا شك أن عمليات إعادة الاصطفاف الجيوسياسي، والتكنولوجيات الناشئة، والتحولات الديموغرافية ستسهم جميعها في التجليات المختلفة للعنف المدفوع أيديولوجيا وسياسيا. وسيكون لهذه العوامل بعد تجاوز الحدود الوطنية، حيث تحولت، ما كانت تبدو في السابق تحديات محدودة النطاق، إلى تحديات أكثر تعقيدا نتيجة لعولمة العنف. ومن ثم، فإن المخاطر التي يفرضها الإرهاب العابر للحدود الوطنية في عام 2020 ستشكل فسيفسائية معقدة.

مستقبل تنظيم داعش

يدخل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» عام 2020 كجماعة مغايرة لما كان عليه منذ صعوده إلى السلطة قبل ست سنوات. فقد تم هدم جسد دولة الخلافة، ويبدو التنظيم الآن في حالة ترهل، خاصة إذا ما قورن بالمرحلة التي بلغ فيها أوج قوته، عندما كان يسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي، ويمتلك لنفسه دولة في قلب الشام. وعلى الأرجح، سيستمر تنظيم الدولة على مدى هذا العام في مكابدة هذه الحالة من التشظي، ما سيجعله أكثر ضعفا في بعض النواحي، لكنه – في الوقت نفسه – سيفاقم من صعوبة استهداف شبكته لأنه سيتجه نحو مزيد من اللامركزية. وتفيد تقارير حالية في كل من العراق وسوريا بأن الجماعة تحاول إعادة بناء نفسها، معتمدة في ذلك على تكتيك حرب العصابات، وأسلوب الكر والفر ضد قوات الأمن العراقية ونظام الأسد في سوريا. كما تفيد التقارير أيضا بأن الخلايا النائمة تترقب الوقت المناسب لشن هجمات، تشمل عمليات تفجير واغتيالات.

في العام الماضي كان التهديد الذي فرضه عودة المقاتلين الأجانب إلى مواطنهم الأصلية أقل من المتوقع، إلا أنه مع بداية هذا العام ،لا تزال هناك أعداد كبيرة من العناصر المتشددة المسلحة لم يُعرف بعد مصيرها. ربما يذهب بعض من هؤلاء إلى مناطق صراع أخرى، ويخدمون كقوة مضافة إلى الجماعات الجهادية التي تخوض حروبا أهلية أو تقوم بعمليات تمرد في الدول الضعيفة أو الفاشلة. في هذا السياق، تلح أيضا قضية أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في معسكرات اعتقال في شمال شرق سوريا وأماكن أخرى. كما أن كثيرا من أفراد أسر أعضاء تنظيم الدولة محتجزون في أوضاع يرثى لها داخل معسكرات، مثل «مخيم الهول» سيء السمعة، تتحول بوتيرة متسارعة إلى حاضنات للراديكالية والإرهاب، حيث تُترك النساء والأطفال فريسة لهذه الظروف بينما تماطل حكوماتهم في تطوير سياسات مسئولة في التعامل مع مواطنيها. إضافة إلى ذلك، سيكون هناك أيضا أعداد كبيرة من الإرهابيين الذين سيطلق سراحهم من السجون على مدى هذا العام بينما تكافح دولهم من أجل وضع استراتيجيات على كافة المستويات لإعادة دمجهم في المجتمع.

القاعدة وفروعها

من ناحية أخرى، قد يشهد تنظيم القاعدة والجماعات الموالية له، فرصة خلال هذا العام للاستفادة من مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية «أبو بكر البغدادي» في شهر أكتوبر من العام الماضي. فرغم خسارة تنظيم القاعدة وريثه المباشر بمقتل «حمزة بن لادن»، إلا أنه كسب أرضا في الصراعات الدائرة في كل من سوريا واليمن، إضافة إلى أجزاء من أفريقيا، بما في ذلك في منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين. وفي حالة قيام الولايات المتحدة بسحب الآلاف من جنودها من أفغانستان، كما وعد بذلك الرئيس ترمب، فإن تنظيم القاعدة سيستفيد كثيرا من فراغ السلطة الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي، وسيعيد تنشيط شبكته في جميع أنحاء جنوب آسيا. لقد تمكن تنظيم القاعدة من البقاء على قيد الحياة على مدى ما يزيد على ثلاثة عقود بفضل قدرته على الابتكار التي تجلت في تطويره المستمر لتكتيكاته وتقنياته واستراتيجياته، والتي تُظهر بدورها ما تتمتع به الجماعة من تركيز عميق واهتمام بالغ بالبناء التنظيمي. وتواصل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم إظهار قدرتها على تدشين هجمات مذهلة، وليس أدل على ذلك من عملية تفجير الشاحنة التي نفذتها مؤخرا «حركة الشباب» في مقديشيو، وأودت بحياة 80 شخصا.

الإرهاب الشيعي

ربما يشهد هذا العام أيضا ارتفاع مؤشر العمليات الإرهابية التي يرتكبها المتشددون الشيعة، حيث تبقى إيران على رأس الدول الراعية للإرهاب في العالم اليوم. وتواصل طهران تمويل وتدريب وتجهيز مجموعة من التنظيمات التي تعمل بالوكالة بدرجات متفاوتة من القدرات والإمكانات. في هذا السياق، بات «حزب الله» قوة أكبر وأكثر فعالية إلى درجة لم يبلغها من قبل، ولم تعد نشاطاته القتالية تقتصر على ساحة الحرب الأهلية في سوريا، وإنما تعدتها إلى الاحتفاظ ببصمة عالمية، والبقاء في الصدارة من حيث قدرته على استخدام التقنيات القتالية الحديثة، مثل الأنظمة الجوية المسيرة (الطائرات بدون طيار). كما نقلت إيران أيضا أسلحة متطورة تضمنت صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى الجماعات الشيعية في العراق، مثل «كتائب حزب الله» المسئولة عن الهجوم الصاروخي الذي وقع في شهر ديسمبر من العام الماضي، وأسفر عن مقتل مقاول أمريكي وإصابة العديد من الجنود الأمريكيين، كما أدى أيضا إلى وقوع ضربات انتقامية ضد أهداف في كل من العراق وسوريا. ويوجد العديد من الصراعات المحتملة التي تتسلل إلى منطقة الشرق الأوسط، مثل الصراع الأمريكي – الإيراني، والصراع السعودي / الإماراتي – الإيراني، والصراع الإسرائيلي – الإيراني، التي قد تشهد استخدام طهران لشبكاتها المتنامية من المقاتلين بالوكالة لشن هجمات متطورة.

الإرهاب اليميني الغربي

في النصف الآخر من العالم، يتمثل أحد أكثر الاتجاهات إثارة للقلق في الإرهاب العالمي في انتشار وزيادة التنظيمات الإرهابية التي تؤمن بتفوق الجنس الأبيض، وغيرها من الجماعات المدفوعة بمختلف صور التطرف اليميني. وقد قامت أوكرانيا بدور المحور المتنامي لأيديولوجيا التفوق الأبيض العابرة للوطنية، دون وجود أية أدلة على انحسار التهديدات التي يفرضها النازيون الجدد والمتطرفون المدفوعون إثنيا وعرقيا. على النقيض من ذلك، يبدو مؤشر القوة والشعبية لهذه التنظيمات في ارتفاع مطرد في أمريكا الشمالية وأوربا وأستراليا وغيرها. وتسعى هذه التنظيمات حثيثا إلى تعميم الأيديولوجيات اليمينية، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعايا، وتجنيد عناصر جديدة، وتمويل مزيد من التنظيمات والعمليات. ومن المرجح أن تسهم التغيرات الديموغرافية في الغرب، وتيارات الهجرة المتزايدة، والاندماج السام بين الشعبوية والإسلاموفوبيا في زيادة إرهاب اليمين المتطرف في عام 2020. لقد شغلت قضية الإرهاب الداخلي الرأي العام وصانعي السياسات في الولايات المتحدة، في ظل الهجمات التي وقعت على مدى السنوات الماضية في بيتسبرج وبنسلفانيا والباسو وتكساس وبواي وكاليفورنيا، وغيرها.

وفي ضوء أعداد الهجمات الكبرى التي شهدها عام 2019، مثل مذبحة كرايستشيرش في نيوزيلندا، قد يشعر الإرهابيون من العنصريين البيض والنازيين الجدد بمزيد من الجرأة، ويحاولون استخدام هذا الزخم لتجنيد مزيد من العناصر والتخطيط لهجمات مدمرة في هذا العام. وقد أضاف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والبث المباشر بعدا مزعجا إلى الإرهاب، كما زاد من فعالية هذه الوسائل باعتبارها أحد أدوات «دعايا الفعل».

الإرهاب والتكنولوجيا والجغرافيا السياسية

سيستمر الإرهابيون في استخدام التكنولوجيات الناشئة في محاولة لكسب ميزة إضافية. ولن يكون من قبيل المفاجأة أن نشهد هجوما إرهابيا في عام 2020 يستخدم طائرة أو سربا من الطائرات بدون طيار، رغم أن منفذ العملية لن يتعدى في الغالب جماعة تحصل على رعاية خارجية من دولة أخرى. ويعد استخدام بندقية مطبوعة ثلاثية الأبعاد في هجوم معاد للسامية في مدينة هاله الألمانية أمرا منذرا بالخطر، حيث يشير إلى تطور هائل، أو – على أقل تقدير – انجذاب عميق نحو التكنولوجيا الناشئة. وبرغم أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يمثلان عائقا مهما أمام الجهات الفاعلة من غير الدول، إلا أن استخدام المعلومات المضللة وما يسمى «التزييف العميق» (Deepfake) يفرضان على قوى مكافحة الإرهاب، بما في ذلك أجهزة إنفاذ القانون وأجهزة الاستخبارات، تحديات جديدة ومعقدة. وبينما تبذل شركات وسائل التواصل الاجتماعي قصارى جهودها من أجل مكافحة استخدام الإرهابيين لوسائلها، إلا أن المجموعات الأكثر تطورا سوف تمضي قدما من خلال ابتكار أساليب جديدة لإنتاج الدعايا ونشرها. إضافة إلى ذلك، يوجد أيضا قلق بالغ حيال دوافع العنف السياسي التي لم تظهر بشكل كامل حتى الآن. كما أن احتمال ارتكاب الإرهاب من قبل أفراد متأثرين بأيديولوجيا «نيو لوديت» (محطمو الآلات)، أو ربما يتم تشجيعهم على استخدام العنف للفت الانتباه إلى قضايا متعلقة بتغير المناخ والبيئة، يبقى مطروحا بقوة.

أخيرا، ستؤثر الجغرافيا السياسية على توجهات الإرهاب الجديدة. فقد اجتاحت مجموعة من الحركات الاحتجاجية جميع أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأوسط إلى آسيا، في النصف الثاني من عام 2019، وبرغم أن هذه الاحتجاجات كانت تعبيرا مشروعا تماما عن مظالم سياسية واقتصادية، إلا أن احتمال انخراط عناصر متطرفة في عنف مدفوع سياسيا أو أيديولوجيا يبقى مطروحا بقوة. وقد يشهد عام 2020 أيضا ارتفاع مؤشر الإرهاب في دول مثل أيرلندا الشمالية وكولومبيا، وهما دولتان اعتادتا على العنف السياسي، لكنهما يبدوان الآن من بقايا حقبة غابرة من الإرهاب المدفوع بالنزعات والقومية الإثنية. يبدو هذا مؤثرا بشكل خاص بالنظر إلى عاملين أساسيين، أولهما التركيز المستمر منذ عقدين من الزمان على الحرب العالمية ضد الإرهاب، التي بدأت بشكل خاص ضد تنظيمات الجهادية السلفية، والجماعات الموالية لها، وثانيهما هو الآثار غير المباشرة المرتبطة بتحول الولايات المتحدة عن مكافحة الإرهاب، صوب حلبة التنافس بين القوى العظمى.

إن تحول الانتباه في الولايات المتحدة، وإعادة تخصيص الموارد وحشدها باتجاه التركيز على الصين وروسيا – برغم كونها خطوة منطقية ومهمة على المستوى الاستراتيجي – سيكون له بلا شك تداعيات عميقة على توجهات الإرهاب.

*تعريف بالكاتب:

*زميل أول غير مقيم في «برنامج الأمن القومي» التابع لـ «معهد بحوث السياسة الخارجية»، وزميل أول في «مركز صوفان»، وباحث سياسي في «مؤسسة راند»

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا                  

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock