لم يخل حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2020 من الجدل، ذلك الجدل الذي بدأ منذ أن أعلنت الأكاديمية المسؤولة عن الجوائز ترشيحاتها والذي استمر بعد انتهاء الحفل.
بدأت التساؤلات لدى نفر غير قليل من محبي السينما ومتابعيها لحظة إعلان الأكاديمية عن ترشيحاتها في مختلف الفئات: الاخراج – التمثيل- المونتاج، وغيرها.
وكانت أولى الانتقادات، وهو نقد سبق توجيهه للأكاديمية من قبل هو غياب تمثيل فئات بعينها في قائمة المرشحين، حيث كان من الملاحظ الغياب شبه التام للفنانين السود باستثناء الممثلة الأمريكية سينثيا إريفو التي نالت ترشيحاً لفئة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «هارييت»، الذي يتناول قصة حياة هارييت توبمان، إحدى أبرز المناضلات ضد العبودية في تاريخ الولايات المتحدة.وفيما عدا ذلك، فقد ذهبت أغلب الترشيحات إلى فنانين وفنانات بيض، سواء في فئة التمثيل أو في فئة الإخراج.
أما الانتقاد الثاني، فكان الغياب شبه التام للنساء عن فئة الاخراج، حيث أن جميع المخرجين المرشحين لهذه الفئة هم من الرجال، كما أن جلهم من الأمريكيين، باستثناء البريطاني سام منديز عن فيلمه «1917»، والكوري الجنوبي بون جون هو عن فيلمه «بارازايت».
ورأي كثيرون أن الأكاديمية تجاهلت عن عمد المخرجات اللواتي برزن في عام 2019، وفي مقدمتهن المخرجة والممثلة الأمريكية غريتا غرويج التي قدمت في نفس العام فيلمها المميز «نساء صغيرات» المقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتبة لويزا ماي ألكوت.
ترشيحات الأوسكار.. سخرية ودفاع
وقد بلغت السخرية مداها من الترشيحات في البرنامج التلفزيوني الأمريكي «ساترداي نايت لايف»، حيث شهد فقرة سخرت فيها إحدى الممثلات من خلال أغنية من خيارات الأكاديمية، مؤكدة أن سبب اختيار أفلام مثل «الإيرلندي» للمخرج المخضرم مارتن سكورسيزي أو «جوكر» لتود فيليبس، هو أن هذه الأعمال تتناول «غضب الرجل الأبيض» على حد تعبيرها، وهو موضوع محبب لأعضاء الأكاديمية وأغلبهم رجال بيض مسنون.
كما انتقد الكوميدي والمذيع الجنوب إفريقي تريفور نوح الترشيحات من خلال برنامجه الساخر «ذا ديلي شو»، مؤكداً أن الممثلة السمراء الوحيدة التي تم ترشيحها لفئة أفضل ممثلة ترشحت عن تجسيدها لدور متصل بفترة العبودية ،وهو ما اعتبره اختياراً نمطياً للغاية.
إلا أن فريقاً أخر من الكتاب والنقاد دافع عن هذه الترشيحات ،ورأي أن الانتقادات الموجهة إليها غير منطقية، ففيلم «جوكر» مثلاً ليس عن «غضب الرجل الأبيض» بقدر ما هو عن غضب الطبقة العاملة الموجه ضد طبقة الأثرياء في مدينة جوثام المتخيلة، والتي ترمز إلى الولايات المتحدة بشكل عام.
كما أن شكوى الحركات النسوية من «تهميش» دور النساء في أغلب الأفلام المرشحة لفئة أفضل مخرج هو أمر مردود عليه بأن هذه الأفلام تدور في عالم الجريمة، ففيلم «الإيرلندي» الذي أخرجه مارتن سكورسيزي وضم نخبة من النجوم مثل آل باتشينو وروبرت دي نيرو وجو بيشي العائد بعد غياب طويل إلى الشاشة الفضية، يدور في دهاليز عالم المافيا الأمريكية، وهو عالم بطبيعته لا تلعب فيه النساء دوراً قيادياً.
أما «تجاهل» المخرجة غريتا غرويج وفقا للمدافعين عن الأكاديمية فلا شأن له بنوعها بل بحقيقة أن فيلمها لم يتوافق مع معايير الأكاديمية لفئة أفضل إخراج التي تشترط لترشيح المخرج أن يكون قدم/ قدمت فيلمين على الأقل وهو ما لم يتحقق في حالة غرويج نظراً لأن «نساء صغيرات» هو أول فيلم روائي طويل لها.
المخرجة غريتا غرويج
وبطبيعة الحال، استمر الجدل إلى ما بعد انتهاء الحفل وتوزيع الجوائز على الفائزين بها، ففوز براد بيت بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم «حدث ذات مرة في هوليوود» أثار بعض علامات الاستفهام.
حيث رأى بعض النقاد أن فوز بيت عن هذه الفئة وتجاهل أداء زميله في نفس الفيلم ليوناردو كابريو الذي كان أكثر تميزاً هو أمر مستغرب، خاصة أن أداء بيت في هذا الفيلم لم يكن بنفس قوة أدائه في أدوار أكثر تميزاً مثل دوره في فيلم «سبعة» للمخرج ديفيد فينشر أو «نادي القتال» لنفس المخرج.
حيث أن بيت لم يتخلى عن وسامته في هذا الفيلم كما فعل في الأدوار المشار إليها بل بدا في أغلب مشاهد الفيلم وكأنه يجسد شخصيته الحقيقية.
في المقابل لم يكن مستغربا فوز فيلم «هيرلوف» بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة قصير، فهذا الفيلم الذي أبدعه ككاتب ومخرج ومنتج لاعب كرة القدم الأمريكية السابق ماثيو شير يتناول قضية حساسة في مجتمع الأمريكيين السود، وهو تعامل المجتمع مع ملامحهم المميزة وخاصة شعرهم المجعد.
وتناول شير هذه القضية من خلال قصة أب يحاول أن يقنع ابنته الصغيرة بأن تتقبل شعرها المجعد كما هو ولا تخجل منه ولا تسعى لتغييره إلى شيء أخر مهما نالت من انتقادات مجتمعية.
أما الفيلم الوثائقي «كيف تتزحلق في منطقة بها حرب» والذي نال جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير، فكان مثاراً للانقسام أيضا حول تقييمه، حيث رأى عدد من المتابعين أن السياسة هنا غلبت على القيمة الفنية وأن الفيلم لم يحصل على هذه الجائزة بسبب مضمونه، بقدر ما ناله لكونه عن أفغانستان وكون قصته تتفق بشكل أو بأخر مع الرواية الرسمية الأمريكية لما يحدث هناك.
أما المفاجأة الكبرى، فكانت الفيلم الكوري الجنوبي «باراسايت»، أو الطفيلي الذي يتناول قضية الانقسام الطبقي في كوريا، حيث لم ينل فقط جائزة أفضل أجنبي، بل حصد جوائز أفضل سيناريو أصلي وأفضل فيلم، ليصنع بذلك تاريخاً جديداً للأفلام غير المنتجة في هوليوود.
وبدا لافتاً أن مخرج الفيلم بون جون هو وجه التحية أثناء تسلمه الجائزة للمخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي معتبراً هذا الأخير مصدر إلهام له، الأمر الذي دفع الحضور للتصفيق وقوفاً لسكورسيزي الذي لم يحصد أي جوائز ولهذا الموقف المميز أيضاً.