*كتب: محمد سنان سيش
*ترجمة و مراجعة: تامر الهلالي
على الرغم من أن عددا متزايدا من الأعمال الأكاديمية تدرس كل ما يتعلق بالحركات السلفية في كل دول العالم، فإن هذه الدراسات لا تجنح في الغالب إلى عقد المقارنات الكاشفة بين هذه الحركات باستثناءات قليلة جدا.
هذا المقال يتناول الحركات السلفية في كل من باكستان وشمال الهند (والمعروفة باسم حركة أهل الحديث)، والتي نشأت في الحقبة الاستعمارية في الهند. و يسعى المقال إلى شرح ما الذي دفع المنظمات السلفية أو جماعات أهل الحديث في باكستان إلى تبني العنف، على عكس نظيراتها في الهند التي حافظت على سلميتها؟
الحركة السلفية في شبه القارة الهندية
تتمثل الحركة السلفية في شمال الهند وباكستان -إلى حد كبير- في حركة أهل الحديث، والتي يُنسب وجودها في شبه القارة الهندية -على نطاق واسع -إلى شاه ولي الله دهلوي، و قد كان مصلحا دينيا في القرن الثامن عشر. وبعد تقسيم الهند في عام 1947، اختار العديد من قادة هذه الحركة الهجرة إلى باكستان، بينما اختار آخرون البقاء. و تعد الهند الآن موطنا لحوالي 22 مليون سلفي (وهو ما يجعلها ربما أكبر مجتمع للسلفيين في العالم)، بينما يوجد في باكستان حوالي عشرة ملايين سلفى.
وفي جنوب آسيا، كان لمصطلح «الوهابية» – إشارة إلى فرع السلفية الذي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة في المملكة العربية السعودية- دلالة سلبية منذ فترة طويلة. فقد استخدم اصطلاح الوهابيين لأول مرة كمصطلح مهين من قبل المستشرقين، مثل ويلسون هنتر، لوصف «المتمردين» في أعقاب تمرد سيبوي عام 1857 ضد البريطانيين.
وفي وقت لاحق، تقدم العلماء المسلمون بالتماس للمحاكم من أجل حظر هذا المصطلح في عام 1889 في جميع أنحاء الهند. بعد ذلك، أصبح يُعرف أتباع السلفية (الذين يتحدثون باللغة الأوردية بشكل أساسي) في المنطقة باسم أهل الحديث. ومع ذلك، فقد استُخدمت كلمة الوهابي من قبل مجموعات صوفية لإدانة خصومهم (على سبيل المثال، «أنصار جماعة اليوبانديين الصوفية وجماعة التبليغ و الدعوة» وغيرهم حتى لو كانوا غير سلفيين).
ثم أصبح المصطلح يُستخدم بشكل أكثر كثافة للتقليل من شأن السلفيين منذ الثمانينيات، عندما أصبح التمويل السعودي للمدارس في أجزاء كثيرة من العالم (بما في ذلك باكستان) مرتبطًا بالإرهاب. وبهذا المعنى، فإن الحركات السلفية عبر جنوب آسيا متنوعة ومتعددة الأبعاد.
عناصر تشابه.. واختلاف
يمكن أن نحصر بعض ملامح التشابه بين الحركتين السلفيتين في باكستان والهند في العديد من الجوانب الجديرة بالملاحظة:
أولاً: كلاهما يعتنق (التوحيد) ويرفض ممارسة الربط بين الأولياء كوسطاء بين المؤمنين والله. ويعارض كلاهما أيضًا ما يعتبرونه الإتباع الأعمى لأي من المدارس الفقهية الإسلامية الرئيسية الأربع، فهم يقدمون أنفسهم على أنهم ليسوا من المقلدين.
كما أن لهما آراء مشتركة أيضًا. على سبيل المثال، يعتبر كل من فرعي الحركة الشيعة والأحمديين «منحرفين» و «غير مؤمنين»، على التوالي.
ثانياً: تعارض الجماعتان تبجيل القديسين الصوفيين و «رجال الله»، على عكس الجماعات الصوفية و على رأسها اليوبانديين، وكثير من الجماعات الصوفية الموجودة أيضًا في كل من الهند وباكستان.
ثالثًا: لدى حركة أهل الحديث حجج وخلافات منتظمة مع من يتبعون مدرسة الفكر الحنفي بسبب الاختلافات الفقهية.
رابعا: تربط حركات أهل الحديث في الهند وباكستان أيضًا علاقات مشتركة مع المملكة العربية السعودية. على سبيل المثال، المدارس الدينية التابعة للحركة في كلا البلدين ترسل طلابها إلى الجامعات السعودية مثل جامعة المدينة وجامعة أم القرى، كما تم ضخ ملايين الدولارات من التمويل السعودي في المدارس والمؤسسات التعليمية الهندية والباكستانية. ومع ذلك، فإن أوجه التشابه تنتهي هنا. في حين نشأت العديد من الاختلافات بين الحركات، إلا أن ثمة أهمية خاصة في هذه المناقشة هي تبني العنف كتكتيك من جانب العديد من الجماعات في باكستان، وهي ظاهرة مفقودة إلى حد كبير في الهند. على سبيل المثال، قامت الباحثة. في الجماعات الدينية مريم أبو زهاب بتوثيق 17 مجموعة رئيسية من أهل الحديث في باكستان، منها ثلاث عنيفة وست مجموعات سياسية مع بعض الميل نحو أو الموافقة على العنف ضد أعدائهم.
India attaches very high importance to close & friendly ties with Saudi Arabia. https://t.co/eDMGMBUYcy pic.twitter.com/k3JpT6xacv
— Narendra Modi (@narendramodi) March 8, 2016
استهدفت منظمات السلفية / أهل الحديث في باكستان مختلف الجهات والجماعات أو دعت إلى العنف. شملت بعض هذه الأهداف الجنود و قوات الأمن الهندية المتمركزة في كشمير وكذلك الأحمديين والشيعة و المتصوفين في باكستان. وتعد منظمة مركز الدعوة والإرشاد واحدة من المنظمات السلفية الرائدة، والتي يعمل تحت مظلتها منظمة لشكر طيبة، المعروف عنها شنها العديد من الهجمات على الأراضي الهندية بما في ذلك هجوم مومباي في عام 2008 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 160 شخصا.
في السياق نفسه أصدرت جماعة أخرى، تعرف بـ«مركز جمعية أهل الحديث»، فتاوى تعلن فيها الدعوة لقتل جميع الشيعة في باكستان. و استهدف حزب تحريك المجاهدين، وهو فرع من جماعة مركز جمعية مركز أهل الحديث، قوات الأمن الهندية في ولاية كشمير المتنازع عليها.
وبالمثل، حسب ما وثقت الباحثة في مجال الجماعات العنيفة كريستين فير، شنت منظمات أهل الحديث هجمات على أنصار البارليوية وهي جماعات سنية تتبع المذهب الحنفي في باكستان، مع الحفاظ على العديد من المدارس الدينية التي تدرب المتشددين.
في تناقض حاد، اعتبر العديد من الخبراء السلفيين الهنود «سلميين» و «لا يميلون للعنف». وفي الواقع، ظل قادة حركات أهل الحديث / السلفيين في الهند إما صامتون بشأن القضايا السياسية أو حتى داعمين لبرامج سياسية هندوسية يمينية في الهند. على سبيل المثال، أصدرت جماعة أهل الحديث الهندية بيانات دعم لإلغاء حكومة مودي للمادة 370 في كشمير التي حولت حالة الدولة ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في الهند إلى أراضي الاتحاد وحتى دعم السجل الوطني المثير للجدل للمواطنين في جميع أنحاء الهند – وهي القضية التي أثارت احتجاجات واسعة النطاق منذ ديسمبر 2019.
وعلى مر السنين، وعلى الرغم من محاولة وصف السلفيين بالمسؤولية عن العنف، ظلت الحركة غير سياسية إلى حد كبير وفضلت التركيز على القضايا الفقهية بدلاً من ذلك.
تفسير الاختلافات
كما هو واضح، في حين أن السلفيين في الهند وباكستان متشابهان من ناحية المرجعية ومن الناحية الفقهية وحتى في آليات التوسع المالي الخاصة بهم، فقد اتبعوا مسارات سياسية مختلفة للغاية.
لا شك أن العديد من السلفيين في باكستان لا يدعمون العنف. غير أن الأغلبية هم عكس ذلك، فهناك عدد كبير من المنظمات السلفية التي تدعو إلى العنف. حيث ساهمت بعض العوامل والظروف في تشكيل مجموعات في باكستان مصممة على العنف وأهم هذه العوامل هي:
أولا: العلاقات مع الهند: منذ الاستقلال، توترت العلاقات المدنية والعسكرية الباكستانية مع الهند. وكانت إحدى مبررات الجيش الباكستاني للإنفاق المتضخم على الدفاع هي أن الأمة مهددة من الهند الهندوسية بتجاوزاتها المختلفة في كشمير. ونظرا لأن الجيش الباكستاني لم يكن قادرًا على هزيمة الجيش الهندي بالوسائل التقليدية، فقد اعتمد منذ أواخر الثمانينيات على الحرب غير المتماثلة. وعليه بدأت العديد من الجماعات الدينية في باكستان تتبنى العنف ضد الهند من أجل نيل استحسان السلطات الباكستانية، والحصول على الحوافز والمزايا المالية المقدمة لمثل هذه المجموعات، وأبرزها منظمة لشكر طيبة والتي مكنتها الأنظمة الباكستانية من تدريب وإرسال مجندين لشن هجمات إرهابية في الهند.
ثانيا: ديناميات «الأغلبية – الأقليات»: استخدمت بعض الجماعات السلفية الباكستانية، الطائفية – في شكل هيمنة المسلمين السنة، كمبرر للعنف، حيث قامت مجموعات سنية مختلفة بشيطنة الأقليات غير السنية مثل الشيعة والأحمديين، مشيرة إليهم على أنهم «غير مسلمين».
وقد أدت الديناميات المحلية والمصالح الحكومية المكتسبة وكذلك الحرب الباردة السعودية الإيرانية، إلى مزيد من العنف الطائفي. كما أن جماعات اليوباندية كانت مدعومة من قبل السياسات الحكومية (التي نشأت عن السياسات الإسلامية للرئيس ضياء الحق في الثمانينيات) والتي استهدفت مثل هذه الأقليات، فقد دعمت الجماعات السلفية على الأقل دعوات للعنف (إن لم تكن تهاجم مباشرة مجموعات الأقليات).
على النقيض من ذلك، فإن السلفيين الهنود، الذين هم جزء من الأقلية المسلمة، حاولوا في كثير من الأحيان أن يحافظوا على ظهور أقل، وعلى الرغم من وجود خلافات ومناقشات مع طوائف أخرى، إلا أنهم ليس لديهم خلافات عنيفة من أي نوع.
علاوة على ذلك، فإن السلفيين في العديد من الحالات قد طالبوا بالوحدة الهندوسية الإسلامية بصرف النظر عن المطالبة بزيادة. المشاركة في العملية الديمقراطية في الهند.
و ينبع هذا من حقيقة أن البقاء كأقلية يعتبر ذا أهمية قصوى لهم، كما أن الدعوة إلى العنف في دولة ذات غالبية هندوسية تتعارض مع مصالحهم.
ثالثا: النزاعات الدولية: لعب الجهاد الأفغاني في الثمانينيات على وجه الخصوص دوراً في جعل الجماعات السلفية الباكستانية عنيفة والسلفيين الهنود سلميين. فقد كانت باكستان دولة رئيسية في تدريب ومساعدة المجاهدين الأفغان في حملتهم ضد الاحتلال السوفيتي (1979-1989). بالإضافة إلى ذلك، أعطت الحكومة الباكستانية المدارس «الضوء الأخضر» للدعوة إلى العمل العنيف ضد القوات السوفيتية، و تمت عملية عسكرة فعلية للعديد من المنظمات، بما في ذلك الجماعات السلفية / أهل الحديث. وهكذا، برزت جماعة ليت، التي نشأت بين العديد من الجماعات الأخرى من فلول المجاهدين الأفغان، كحركة عسكرة من السلفيين الذين ذهبوا بعد ذلك للقتال في كشمير وأماكن أخرى. كانت الدينامية المناهضة للسوفييت مفقودة في حالة الهند، التي كانت لها علاقة إيجابية عمومًا مع موسكو خلال الحرب الباردة. في الواقع، فإن العديد من المدارس الهندية، رغم تعاطفها مع المجاهدين الأفغان، منعت صراحة طلابها من المشاركة في الجهاد الأفغاني، ويفترض أن ذلك بسبب التحالفات الضمنية بين المنظمات الإسلامية وحكومة الكونغرس آنذاك.
ظروف سياسية
لا تؤيد العديد من الجماعات السلفية في باكستان العنف لكن نسبة منهم تأثرت بعوامل خارجية متنوعة مثل الوضع السياسي داخل باكستان وخارجها و تأثرت كذلك بديناميات الأغلبية. في الواقع، كانت هذه العوامل نفسها مسؤولة أيضًا عن عسكرة العديد من الجماعات الطائفية الأخرى داخل باكستان، مثل حركة ديوباندي وحركة الشيعة وحركة باريلفي. أسفرت الظروف السياسية المختلفة بشكل ملحوظ بالنسبة للمسلمين الهنود عن نتائج مختلفة إلى حد كبير.
درسان مهمان
يمكن استخلاص درسين مهمين من الدراسة المقارنة للسلفيين في الهند وباكستان.
أولاً: لا يمكن اعتبار أي أيديولوجية دينية نذيرًا للعنف.. وإلا لأصبح السلفيون في الهند من لهم نفس النهج في العنف مثل نظرائهم في باكستان
ثانياً: تلعب العوامل الخارجية السياسية دورًا أكثر فاعلية في الحركات الراديكالية والمعسكرة أكثر مما تقوم به الأيديولوجيات. ولهذا السبب فإن نفس الديناميات التي تدفع شرائح صغيرة من السكان المسلمين في باكستان إلى التطرف تفعل الشيء نفسه بالنسبة لبعض الهندوس في الهند. في نهاية المطاف، توفر مثل هذه الدراسات المقارنة أدلة رئيسية لكل من الأكاديميين وصناع السياسات.
فيما يتعلق بكيفية منع الحركات من حمل السلاح في فلابد من تبني سياسات وقائية تركز على الأسباب السياسية وغيرها من الأسباب الجذرية، بدلاً من التركيز على الدوافع الأيديولوجية الدينية المفترضة، حينها سيبدو الأمر حكيما وعمليا على حد سواء.
تعريف بالكاتب:
محمد سنان سيش: محلل أبحاث في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR)، وهو وحدة مكونة في كلية S. Rajaratnam للدراسات الدولية (RSIS)، في، جامعة نانيانغ التكنولوجية، في سنغافورة. يبحث في مجالات السياسة والصراع والأمن فيما يتعلق بغرب آسيا والهند.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا