تبدو العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا، وما بين الدولة السعودية قديمة نسبيا مقارنة بمثيلاتها من العلاقات التي ربطت بين الجماعة وبعض الأنظمة السياسية العربية. ربما لكون أواخر عشرينيات القرن الماضي التي كانت فترة الإنطلاق الأولى للجماعة التي تأسست عام 1928م، قد تزامنت مع قيام الدولة السعودية الثالثة في مطلع الثلاثينيات، حيث سعى كل منهما لإيجاد الدعم والتأييد.
قامت الدولة السعودية على أكتاف حركة «الإخوان» الوهابية والتي استعان بها الملك عبدالعزيز آل سعود في توحيد القبائل العربية وبسط سلطانه على سائر أجزاء المملكة بعد توحيد أركانها. ثم وقع الصدام بين الحركة التي غالت في سلفيتها وبين راعيها عبد العزيز آل سعود، فكان القضاء على الحركة في السعودية في نفس السنوات تقريبا التي تشكلت فيها جماعة الإخوان في مصر، فهل كانت ثمة علاقة بين الدولة الوليدة والجماعة الناشئة؟
تقارب حذِر
كان الأمير عبد العزيز بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة قد استطاع منذ مطلع القرن العشرين أن يُوجِد لنفسه في مصر بعض المناصرين داخل الأزهر الشريف وبين أوساط المتدينين، من خلال رشيد رضا ومجلته المنار، الشيخ الشامي الأصل الذي قَدِم إلى مصر منفصلا عن تربيته الصوفية التي ادعى تحصيلها على يد الشيخ حسين الجسر، مبشرا بالسلفية، وباسطا رداءها على تراث الشيخ محمد عبده من خلال كتابه تاريخ الأستاذ الإمام الذي أخفى منه وزاد عليه.
كانت تلك الحقبة مليئة بأحداث وتحولات كبرى، مثل الحرب العالمية الأولى، والصدام بين العرب والأتراك، والذي تبعه سقوط الخلافة العثمانية، وتفكك العالم الإسلامي. وكانت مجلة المنار في ذلك الوقت واسعة التأثير والانتشار، و من أوائل من تأثروا بها عبد العزيز جاويش، ومحب الدين الخطيب وتلميذهما حسن البنا الذي عمل محررا بمجلة المنار، كل هذا ضمن علاقة طيبة ربطت ما بين الجماعة الناشئة في مصر «الإخوان المسلمون»، والدولة الناشئة في الجزيرة العربية «مملكة آل سعود». وقد لعبت الجماعة في ذلك الحين دورا إقليميا هاما في الاعتراف بنظام آل سعود.
الأمير عبد العزيز بن سعود
ثم جاءت حقبة ما بعد ثورة 23 يوليو 52 والتي شهدت الصدام بين نظام الرئيس جمال عبد الناصر وبين جماعة الإخوان المسلمين، ثم جاء الصدام المصري أيضا مع مع النظام السعودي، ليؤكد الارتباط ووحدة الهدف والمسعى، ويعقد تحالفا طويل الأمد بين الجماعة وآل سعود، تحولت المملكة بموجبه إلى حاضنة لجماعة الإخوان الفارة من محاكمات الثورة لاسيما بعد إقدامهم على محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر.
وهكذا قضت الجماعة نحو عقد من الزمن في أحضان المملكة يزيد لبعض أفرادها قليلا أو ينقص قليلا – لتعود أكثر تسلفا، لكن دون إحداث أثر في خريطة الإسلام السياسي داخل المملكة، خضعت العلاقة للتوافقات بما يخدم مصالح الدولة السعودية، بينما لم تحظ الجماعة باكثر من الوطن البديل والدعم المادي، فقد كان ثمة اتفاق غير معلن جعل من داخل المملكة منطقة محظورة على تمدد الجماعة، فالمملكة ليست بأي حال من الأحول مجالا لدعوة حسن البنا وأتباعه، هذا الاتفاق هو ما يحلو للكثيرين الإشارة إليه في جواب الملك عبدالعزيز بن سعود على طلب حسن البنا بالسماح له بإنشاء فرع للجماعة داخل المملكة، فكان جوابه «كلنا إخوان وكلنا مسلمون» وهو رفض دبلوماسي يكشف عن حجم الوعي للملك المؤسس بأهداف الجماعة في التغلغل داخل المجتمعات.
صحيح أن الجماعة حاولت خرق ذلك الاتفاق من خلال جهود بعض الشخصيات الإخوانية لإيجاد ظهير لها داخل المملكة، كالشيخ منّاع القطان، إلا أنها كانت جميعها محاولات ضعيفة الأثر فلم تخلف ذراعا قويا للجماعة داخل المملكة، ولم تشب عن طوق الدولة السعودية، غير أن هذا لم يكن السبب الحقيقي وراء وصول العلاقات بين الجماعة وحليفتها القديمة إلى مرحلة الأفق المسدود.
الشيخ منّاع القطان
سنوات العداء الطويلة
لقد تمثلت لحظة التربص والريبة من قبل المملكة إزاء نفعية الجماعة، بداية من حفاوة الإخوان المسلمين بالثورة الإسلامية الإيرانية، والتي رأت فيها الجماعة تجسيدا لرؤية مٌنظِّرها حسن البنا في إنشاء «دولة إسلامية» على هدي الخلافة، حتى لو كانت ذات مرجعية شيعية، باعتبارها نواة لوحدة تجمع العالم الإسلامي. وفي هذا الصدد يقول أحمد يوسف، وهو أحد منظري الحركة الإسلامية، في كتابه «الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران»: «من خلال الإيجاز السابق لأفكار الإمامين البنا والخميني، والتجسيد الواقعي الحي لفكر الإمام الخميني في جمهورية إيران الإسلامية، يبدو أن ثمة مساحة واسعة مشتركة بين الرؤيتين تصلح لكي تشكل أرضية واسعة لاعتبار إيران، نقطة إنطلاق نحو الدولة الإسلامية العالمية، التي تنتظم في إطارها جمع الأمة الإسلامية «دولة الأمة» والتي طالما حلم بها الإمام حسن البنا «رحمه الله» وكل من تولوا قيادة حركة الإخوان المسلمين من بعده».
ثم جاء موقف الجماعة المؤيد للغزو العراقي للكويت ليستكمل ما يصب في صالح القطيعة بين الطرفين، فبعد اجتياح الجيش العراقي للكويت في صيف عام 1990، أصدر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بيانًا وقعه مرشد الجماعة في مصر حينها محمد حامد أبو النصر، ندد فيه بالغزو العراقي، فيما صرح، بأن نظام صدام حسين هو «الفئة الباغية». لكن المواقف اللاحقة لتنظيم الإخوان وفروعه المختلفة، بدت متناقضة تماما مع ما جاء في هذا البيان. حيث أعلنت العديد من فروع التنظيم الدولي للإخوان تأييدها للغزو العراقي، ووصل الأمر لحد تشكيل وفد من قيادات اخوانية لزيارة بغداد ولقاء صدام حسين، وذلك بدعوى رفضهم لدخول القوات الأمريكية إلى المنطقة، حتى لو كان من أجل تحرير الكويت، وهو الموقف الذي أغضب إخوان الكويت وكان سببا للقطيعة بينهم وبين التنظيم الدولي.
لكن الموقف الذي خلّف عداء غير محدود من قبل المملكة لجماعة الإخوان، كان ذلك الموقف الذي اتخذته الجماعة من الاشتباكات التي وقعت بين قوات سعودية ومقاتلين حوثيين على الحدود اليمنية السعودية في عام 2009، والتي عرفت بحرب الخوبة «الخوبة مدينة في الجنوب الغربي من المملكة السعودية في منطقة جازان على الحدود بين اليمن والسعودية» وهو الموقف الذي اعتبرته السعودية خذلانا كبيرا لها. إذ جاء موقف الإخوان المسلمين – المصريين على وجه الخصوص- مؤيدا للموقف الحوثي، ومطالبا المملكة بوقف إطلاق النار والإعتداء على الحوثيين، وهو الموقف الذي استهجنه حتى إخوان سوريا. فبينما أصدر المرشد العام للاخوان المسلمين في مصر آنذاك محمد مهدي عاكف بيانا دعا فيه المملكة السعودية إلى وقف القتال فورا في ساحة المعركة اليمنية، لمنع إراقة دماء المسلمين، وقتل المدنيين الأبرياء، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين السورية بيانا أدانت فيه التمرد الحوثي في اليمن، ووصفته بأنه «منفذ لإرادة السوء». ولم يختلف موقف حركة الاخوان المسلمين في الاردن عن موقف الإخوان في مصر، حيث دعت الحركة الاسلامية الإردنية الى «معالجة الازمة بالحوار، وحقن دماء المسلمين» لكن بيان الحركة لم يأت على أي ذكر لحق السعودية في الدفاع عن أراضيها، كما فعل فرع الحركة في سوريا، وهو ما ترك ظلالا ثقيلة للغاية من العداء والريبة، على العلاقة بين المملكة والإخوان، لاتزال حاضرة حتى اليوم.