منوعات

رسائل النساء إلى الله

في عام 1965 أصدر عميد علماء الاجتماع في العصر الحديث، الدكتور سيد عويس، كتابه: «من ملامح المجتمع المصري المعاصر: ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي». حيث قام بجمع وتحقيق أكثر من 160 رسالة، ألقاها زوار ضريح الإمام الشافعي بداخل الضريح. مجموعة من الرسائل التي تأخذ شكل الشكاية والدعاء. وقد عمد الدكتور عويس إلى قراءة وتحليل هذه الرسائل لمعرفة هواجس المصريين ومخاوفهم ومشاعرهم الدفينة في كتابه الشيق والممتع.

والحقيقة أن الدعاء والصلاة هما وسيلة نفسية جيدة للتغلب على المخاوف والهواجس ومصادر القلق، وقد استخدمها الإنسان منذ قديم الأزل للتخلص من الأعباء النفسية التي يشكلها الخوف من المجهول والمستقبل والنوائب التي يشعر الإنسان بالعجز أمامها. وهي آلية نفسية ذات وجهين، الأول: يتمثل في التعبير عن المخاوف والإفصاح عنها، ومن ثم إخراجها من الجسم، حيث يأكل الخوف جسد صاحبه، والثاني: الشعور بالراحة الذي يستتبع إيمان الإنسان بأنه ألقى بعبء ما يُخفيه على قوة أكبر وأعظم، ستتولى عنه مسؤولية مواجهة هواجسه ومستقبله. الأمر الذي يُشعر الإنسان بالإطمئنان ولو بشكل مؤقت، حتى يستقبل يوما جديدا بمخاوفه، فيُعيد الكرة، فيعود للطمأنينة. وهذا بالتحديد ما دفع الدكتور سيد عويس لقراءة الرسائل المرسلة إلى الإمام الشافعي، لم يفعل ذلك على سبيل التلصص، – وإن كان الأمر قد يشكل حرجا لأصحاب الرسائل لأن الإنسان لا يحب أن يطلع الآخرون على هواجسه – ولكن لمعرفة مخاوف وهموم قطاع من المصريين، وأكثر ما يشغلهم ويشعرهم بالعجز.

أدعية النساء

ونظرا للتقدم التكنولوجي، فإن البحث في مخاوف الناس وهواجسهم عن طريق استقصاء الدعاء أصبح أكثر سهولة ويسرا ويحتاج لجهد أقل مما بذله الدكتور سيد عويس رحمه الله. أوحت لي الأدعية التي تشاركها الأمهات على تطبيق «الواتساب» أن أبحث أكثر في منتديات النساء عن الأدعية التي يتشاركنها، مستلهمة الفكرة من كتاب الدكتور سيد عويس.

الملحوظ، أن النساء في المجتمعات العربية بشكل عام، وفي المجتمع المصري على وجه الخصوص، يتشاركن الدعاء ويلجأن إليه أكثر من مجموعات التواصل الاجتماعي التي تضم الرجال. المعتاد في مجموعات الرجال أن يتشاركوا أخبار مباريات كرة القدم، وأحدث أنواع السيارات، وأشياء غريبة إلى حد ما، أو على الأقل غريبة بالنسبة لي كامرأة، كأن يتشاركوا العلامات التجارية للأحذية! الأحذية؟ لماذا الأحذية تحديدا؟ ولماذا لا تكون السراويل أو السترات أو البزات؟ هناك اهتمام ذكوري غريب في مجموعات الرجال بالأحذية بالذات! هذا بخلاف مشاركة صور النساء الجميلات – أجنبيات عادة – مشفوعة بتعليقات ذات إيحاءات جنسية.

إلا أن الأمر لا يخلو أيضا في مجموعات الرجال من مشاركات لأدعية عامة لدخول الجنة وصلاح أحوال الأمة، والنزر اليسير جدا من الدعاء للزوجة بالصلاح وطاعة الزوج، وكذا الأبناء، يرجون من الله أن يصلحهم ويجعل منهم أبناء بارين، إلى جانب أقوال للشيخ الشعراوي لم يقلها، ولكنها تمثل رأي شخص ما، أراد أن يمنحه المزيد من المصداقية، أو يقطع سبيل النقاش، فنسبه للشيخ الشعراوي، وهذا المسلك الأخير تتشارك فيه النساء مع الرجال.

الشيخ الشعراوي

أما مجموعات النساء فهي مليئة بالخوف للأسف. لا أقصد هنا الخوف من فيروس الكورونا المنتشر في مجموعات الأمهات والمؤجج بكثير من الرسائل الصوتية الناشرة للشائعات والوصفات الطبيعية لزيادة المناعة، هذا خوف مؤقت يزول بزوال السبب. لكنني أعني ذلك الخوف الذي لا يبلى من المصير والمجهول والمستقبل والمحيطين، بل والأقربين. يتجلى هذا الخوف في صور أدعية مستحدثة ومؤلفة: لتسخير الزوج، ولضمان عدم خيانته، أو زواجه بأخرى، أو هجره لزوجته وأولاده، أو غضبه، أو سخطه على حياته، أو فقدان الأولاد، أو إصابتهم بشر أو مكروه أو مرض أو عين، والخوف من السحر، وأذى المحيطين والأقرباء.

بعض الأمثلة:

«اللهم إني أسالك أن تسخِّر لي زوجي كما سخرت الحية لموسى عليه السلام، واسألك اللهم أن تسخر لي قلبه كما سخرت لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير».

«اللهم ارزقني حبه ورضاه وصدق حديثه، وإن غضب علي فألجم فاه بكلمة لا إله إلا الله وأسكن غضبه بلا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم ارزقني حنان الزوج و الولد ومالا حلالا بلا عدد وقراءة القرآن إلى الأبد».

«اللهم ارزقني ود زوجي وحبه وسخره لي وارزقه ودي وحبي وسخرني له يارب واجعل زوجي حبيبا حليما كريما هيِّنا ليِّنا، واجعلني عونا له على طاعتك واجعله عونا لي على طاعتك وتقبل منا صالح الاعمال امين».

«يارب لاترني أعواما من دون عائلتي اللهم أحفظ لي ضحكة ابنائي ومبسم زوجي وأخوتي وإن طال الدعاء اللهم أهلي بكل يوم».

وهناك أدعية أخرى تحت عنوان «حفظ الزوج من الخيانة والزواج بأخرى»، لا مجال هنا لسرد نصوصها لإنها طويلة جدا، لكنها حزينة كالأمثلة الواردة.

نعم، أنا أراها حزينة، ومليئة بالخوف من غضب وغدر وهجر وكذب شخص من المفترض أنه الشريك الذي تزوجته لتشعر معه بالأمان. لكن كما يبدو مما هو متداول، أصبح ذلك الشريك هو مبعث القلق، بخلاف القلق الأمومي الطبيعي على الأبناء، والخوف الإنساني القديم من المستقبل والمجهول.

هذا الشعور بعدم الثقة أو الأمان، والذي لا يبدو أنه يعاني منه الرجال في مجتمعاتنا، حيث أنك إن وضعت على محرك البحث عبارة: الدعاء للزوجة، ستجد أدعية مليئة بالرغبة في السيطرة، ورجالا طالبين من الله ألا تخالفهم نساؤهم وألا تجادلهم وأن يرزقهن العفاف والشرف.

نحن جميعا نعرف أن النساء في المجتمعات العربية، وفي المجتمع المصري، لا يشعرن بالأمان. كما يعلم الجميع، سواء المنكر أو المقر، أسباب هذا الشعور المستدام بالقلق والذنب والخوف، وهي أسباب اجتماعية، وقانونية، ودينية، لا مجال لفحصها تفصيلا، كما أنه لا حاجة لذلك، فالأمثلة الواردة من الدعاء تفصح عن الخوف من غضب الرجل الذي قد يؤدي إلى الطلاق الشفهي، أو خيانته التي قد تؤدي للزواج بأخرى، أو كذب حديثه، أو تغيره الذي قد يؤدي إلى هجرانها والتخلي عنها، حتى أن أحد الأدعية ينص على «اللهم جملني في عينيه»! على الجانب الآخر لا يسأل الله الرجال أن يجملهم في أعين زوجاتهم.

لا أعلم ما المتعة التي يستشعرها المجتمع المصري خاصة والمجتمعات المحافظة عامة حين يضعون النساء تحت الضغط والتهديد والخوف، هل يُشبع ذلك شعورا بالإنجاز لمجتمع يفشل في كل شيء إلا في إخافة نصفه؟

على أية حال، أرجو أن يستجيب لهن الرب، ويربت على قلوبهن المفزوعة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال للأسف واقعي جدا يعبر عن حال نساء كثر ف مجتمعنا المصرى . ستات كتيير بتدعى ربنا طول الوقت إنها تحصل على صك الغفران من زوجها رغم قرفه و مشاكله وتفاصيله المرهقة للأسف الستات دول ناسيين نفسهم وغرقانين ف حياة رجاله ما يستهلوش و مفتقدين لمعنى الرجولة والسند …المخيف ف الحكاية إن عدد كبيير من الستات دى على قدر من التعليم والثقافة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock