العالم مهدد بأزمة اقتصادية جديدة بسبب فيروس «كورونا» وما جلبه من عرقلة للتجارة العالمية، وإلغاء لأنشطة سياحية ودينية، وحجوزات فى الطيران، وقلق حول مستقبل النمو العالمى. التقديرات لحجم الخسائر كثيرة ومتضاربة لأن الوضع لايزال شديد التغير، ومجرد اقتحام الفيروس للبلدان النامية أو انحساره بسبب تغير الطقس عاملان يمكن أن يؤثرا تأثيرا هائلا على الاقتصاد العالمى سلبًا فى الحالة الأولى أو إيجابًا فى الثانية. فدعونا إذن من هذه التقديرات إلى أن تتضح الصورة، وإن كان الأكيد أن أزمة اقتصادية عالمية بدأت بالفعل، ولا نعلم متى ولا كيف تكون نهايتها.
وإذا كانت الصورة غير واضحة عالميا فإنها فى مصر أقل وضوحا. بعض ملامح الأزمة بدأ فى الظهور بالفعل: البورصة المصرية انخفضت مع بداية الأسبوع، والعاملون فى السياحة لمسوا بدء إلغاء الحجوزات، وتجار الجملة يتحوطون من تأخير وصول البضائع من الصين، والمصنعون يضعون خططا بديلة لاستيراد مستلزمات الإنتاج، وتردد أخبار بعضها غير صحيح عن تقييد سفر العمالة المصرية إلى الدول العربية يضيف قلقا وغموضا. قد تكون المخاوف فى غير محلها، وأرجو أن تكون كذلك، ولكن الاحتياط واجب.
ولهذا فبقدر ما أثار فيروس «كورونا» اهتماما رسميا وشعبيا لدينا بالنسبة لجوانبه الصحية، فإننا لم نر أو نسمع عن رد فعل حكومى مماثل للتعامل مع الجانب الاقتصادى والاستعداد لتداعياته المحتملة خاصة على قطاعى الصناعة والسياحة. وأرجو أن نرى فى الأيام المقبلة تنسيقا سريعا بين الحكومة وبين الجهات الممثلة للقطاع الخاص، وعلى رأسها الغرف والاتحادات الصناعية والتجارية والخدمية، لوضع تصورات وبدائل للتعامل مع الأزمة التى قد تحل علينا إن لم ينحسر خطر «كورونا» سريعا وتنحسر معه مخاوف الأسواق العالمية.
على أن التغيير الحقيقى الأشد أثرا قادم على المدى الأطول، وأقصد بذلك التغيير فى طبيعة التجارة والإنتاج العالميين التى تشكلت على مدى العقدين الماضيين. كثيرون من السياسيين والباحثين الاقتصاديين حول العالم حذروا من مخاطر الاندفاع بلا حدود وراء توجيه الإنتاج الصناعى العالمى حيثما كانت المدخلات أرخص والعائد أجزى.
لكن هذا التحذير لم يأت بنتيجة ربما لأنه اعتبر مدفوعا بانحياز أيديولوجى معارض للعولمة بشكل عام مع أن جانبا منه كان مبنيا على اعتبارات الحذر الاقتصادى والتحوط من المبالغة فى تركيز الإنتاج الصناعى فى بلدان ومناطق بعينها وعدم الاستعداد لمواجهة أى ظرف يؤدى إلى عرقلة وصول المنتجات الصناعية لأسواقها النهائية على نحو ما فاجأنا به فيروس «كورونا». وتقديرى أن الدرس لن يمر على صناع السياسات الاقتصادية فى العالم مرور الكرام بل سيشجع على تنويع مواقع الإنتاج الصناعى والحد من التركز الشديد ولو على حساب جانب من العائد.
ونعود لمصر. بالتأكيد أن علينا التعامل مع الأزمة الراهنة قبل كل شىء وهذا، كما قلت، يحتاج تنسيقا عاجلا وتعاونا بين الحكومة والقطاع الخاص فى ضوء السيناريوهات والتصورات المختلفة المتوقعة. ولكن على المدى الأطول فإننا بحاجة للتفكير جديا فى كيفية الاستفادة من التغير القادم فى خريطة الإنتاج الصناعى والتجارة العالمية.
علينا أن نفكر فيما يمكننا أن نجذبه من صناعات يبحث أصحابها عن بدائل لإنتاج ولو جزء منها خارج المراكز التقليدية، وعلينا أن نفكر جديا فى كيفية تشجيع إحلال الواردات خاصة للسلع الوسيطة والمكونات الطبية والإنتاجية الاستراتيجية، وعلينا أن نستعد باستراتيجية صناعية لمستقبل يأتى علينا سريعا، والأهم من ذلك نحتاج لإطلاق طاقات الإنتاج والإبداع والاستثمار لقطاعنا الخاص، المكبلة والخائفة منذ سنوات لأسباب معروفة ولا داع لتكرارها هنا، كى يجد طريقه ويستعد ويقتنص الفرص المحتملة من التغير القادم فى خريطة الإنتاج والتجارة العالميين.
-
كيف تخطط تايوان للبقاء خالية من فيروس كورونايناير 14, 2021
-
هل غيَّرت الكمامة العالم؟!يناير 11, 2021
-
كيف هزمت أيسلندا فيروس كورونا؟! (2)يناير 5, 2021
-
2020 وإشكالية التسميةيناير 2, 2021
مع تمنياتى للجميع ولاقتصادنا القومى بالسلامة من «كورونا» وتوابعها.
نقلا عن: المصري اليوم