رؤى

التيارات الجهادية في جنوب آسيا: تدفق موجات التشدد (2– 2)

فرحان زاهد

عرض وترجمة: أحمد بركات

في عام 2016، توقع «بروس هوفمان»، الخبير في مجال الإرهاب، حدوث ’اندماج محتمل‘ بين تنظيميْ  داعش والقاعدة، في ذلك الوقت كان داعش يتصدر باقتدار مشهد الجهادية العالمية، حيث كانت خلاياه وذئابه المنفردة تنفِّذ عملياتها بقوة في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية، وكانت دولته تقفز قفزات واسعة نحو التمدد والهيمنة. والآن، مع بداية عام 2020، وفي الوقت الذي يعاني فيه التنظيمان العالميان تحت وطأة عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية، تبدو نبوءة هوفمان وكأنها حقيقة تولد على الأرض.

في مارس 2018 أكد هوفمان أن تنظيم القاعدة لا يزال لديه 40 ألف مقاتل في آسيا وأفريقيا يشاركون في صراعات مختلفة (10 آلاف إلى 20 ألف في سوريا، و1000 في جنوب آسيا، و4000 في اليمن، و7000 إلى 9000 في الصومال، و5000 في ليبيا، و 5000 في دول إفريقية أخرى).

اقرأ أيضا:

تحالف ممكن

تتشارك كلتا الجماعتيْن العالميتيْن حد التطابق في الطموحات والأيديولوجيا السلفية الجهادية والرؤية العالمية. وتكمن الفوارق فيما بينهما فقط في الجوانب الاستراتيجية أو «الشخصية»، سواء تمثلت في الخلافات الشخصية بين البغدادي والجولاني، أو موقف الظواهري المنحاز ضد البغدادي. ومع انفصال الجولاني فعليا عن تنظيم القاعدة وموت البغدادي، فإن هناك إمكانية كبيرة لحدوث تفاوض وتفاهمات بين الجماعتين بهدف إذابة ما كان بينهما من خلافات والتوصل إلى أرضية مشتركة. 

وحتى يصبح هذا التحالف ممكنا، سيتعين على تنظيم القاعدة، الذي تمثل منطقة جنوب آسيا المسرح الأساسي لعملياته، القيام بالدور الرئيسي. لقد طرأت على تنظيم القاعدة تغيرات واضحة منذ مقتل زعيمه ومؤسسه «أسامة بن لادن»، لكنه – مع ذلك – سيكون التنظيم المنوط به قيادة المشهد.

الجولاني، البغدادي

رغم ذلك، فقد تراجعت قوة القاعدة إلى درجة كبيرة، حيث تم استهداف «حركة تحريك طالبان باكستان»، المساند الرئيسي له، وغيرها من الجماعات الموالية من خلال عمليات أمنية متتالية في المناطق القبلية في باكستان. كما انتقل معظم المسلحين إلى أفغانستان، وانضم بعضهم إلى «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان». وتم تفكيك الخلايا النائمة التابعة لتنظيم القاعدة في باكستان بسبب المداهمات التي قامت بها قوات إنفاذ القانون على مدى السنوات الخمسة الماضية،  وألقي القبض على بعض القادة المهمين في «تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية»، وقتل آخرون في عمليات مكافحة الإرهاب، ومن أبرزهم أمير تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في إقليم السند، «عمر جلال شانديو»، الذي ألقي القبض عليه في كراتشي في نوفمبر 2018. كما تم أيضا تفكيك بعض الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، مثل «أنصار الشريعة – باكستان» و«جماعة غزوة الهند» في الهند بسبب مقتل قياداتهما في عمليات أمنية في كل من باكستان والهند.

في ظل هذه الأوضاع، وجد تنظيم القاعدة ’المنهك‘ نفسه أمام خيارات قليلة، وهي إما المحافظة على وجوده بحالته التي كان عليها وانتظار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وما سينتج عنه من استيلاء «طالبان الأفغانية» على كابول، أو أن يضع يده في يد تنظيم الدولة الإسلامية ويؤسس معه – على الأقل – علاقة عمل. في هذا السياق من المهم أن نلفت إلى أن «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» قد أبرم بعض الاتفاقات مع حركة طالبان الأفغانية على أساس التعامل مع كل حالة على حدة في الولايات الأفغانية التي شهدت معارك بين الجماعتين الغريمتين في أعقاب ظهور «تنظيم ولاية خراسان» في عام 2014، وتمدده اللاحق.

وستزداد احتمالات استعادة تنظيم القاعدة قوته بدرجة كبيرة في حال تحالفه مع تنظيم الدولة الإسلامية ونقل بعض من تبقى من مقاتليه من الشام وأفريقيا إلى جنوب آسيا، خاصة أن هذه العناصر كانت قد سافرت من أكثر من 100 دولة إلى العراق وسوريا للعمل ضمن صفوف تنظيم الدولة، والآن يواجه كثير منهم صعوبات بالغة في محاولة العودة إلى بلادهم الأصلية، خاصة في ظل احتمال وجود بيئة معادية – أو متحاملة على أقل تقدير – بانتظارهم.

وقد يجد المقاتلون الأجانب العالقون في سوريا ملاذا أكثر أمنا في أفغانستان، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة. علاوة على ذلك، يحتاج تنظيم القاعدة بشدة إلى مقاتلين محنكين مرّستهم المعارك لاستئناف نشاطاته في جنوب آسيا، حيث قتل معظم مقاتليه المتمرسين بالطائرات المسيَّرة على مدى اثنى عشر عاما منذ أن عمدت إدارة الرئيس  الأمريكي السابق أوباما إلى شن غارات جوية باستخدام هذه الطائرات كجزء من حملتها لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة و«حركة تحريك طالبان باكستان» في كل من باكستان وأفغانستان. وبرغم خسائره الفادحة في العراق وسوريا، لا يزال «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» يحتفظ بعدد من المقاتلين الأشداء في صفوفه، ويمكن أن ينقل بعضهم إلى أفغانستان وباكستان لاستئناف عملياته الإرهابية. كما يمكن أن توفر البنية التحتية الأولية في نانجارهار وولايات شرقية أخرى في أفغانستان، وغيرها من المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية ملاذا آمنا لتنظيم الدولة الإسلامية لهؤلاء المقاتلين الذين مرستهم المعارك.

 «حركة تحريك طالبان باكستان»

في السابق كان كثير من قادة وجنود «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» جزءا من «حركة تحريك طالبان باكستان»، الجماعة الأكثر عنفا في باكستان.، والتي تعمل في جميع الولايات الأربعة والمناطق القبلية. وقد نسبت الجماعة لنفسها أغلب الهجمات الإرهابية في باكستان منذ تأسيسها في عام 2007. ولا تنطوي هذه الجماعة على مكون واحد، وإنما تضم على الأقل 42 فصيلا تحت مظلة مجلس شورى مركزي. وبعد مقاومة عنيفة للعمليات العسكرية في عامي 2014 و2015، تراجعت قيادات «حركة تحريك طالبان باكستان» إلى الولايات الشرقية في أفغانستان، حيث وجدوا عددا من الأقاليم، مثل نانجارهار ولويا باكتيا، التي يمكنهم فيها العمل بحرية. ولم تتمكن “أفغان طالبان” وقوات الأمن الأفغانية من إلحاق أضرار بالغة بالحركة، لكن الولايات المتحدة استهدفتها من خلال عدد من الغارات الجوية بدون طيار، كانت إحداها في عام 2018، والتي أودت بحياة أمير الحركة، «مولانا فضل الله». وبينما كانت الحركة تمارس عملياتها في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية، بايع عدد غير قليل من قادتها وعناصرها «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان»، حيث تزامن ذلك مع إعلان تنظيم الدولة قيام دولة الخلافة، وسيطرته على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، وكان من بين هؤلاء بعض قادة «حركة تحريك طالبان باكستان» الأكثر خبرة، مثل «شهيد الله شهيد» المتحدث باسم أمير الحركة مولانا فضل الله، و«حافظ القرآن دولت» قائد الحركة في كورام، و«غول زمان» قائد الحركة في خيبر، و«حافظ سعيد خان» القائد السابق للحركة في أوراكزاي، الذي أصبح بعد ذلك قائدا «لتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» حتى قتل في إحدى الغارات الجوية الأمريكية في عام 2016.   

مولانا فضل الله

وتجدر الإشارة إلى أن عددا من العناصر المسلحة والقادة من الجماعات الإسلامية الأخرى التي تنشط في باكستان وأفغانستان قد بايعوا أيضا «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان»، لكن «حركة تحريك طالبان باكستان» قدمت نصيب الأسد. وقد لعبت الانشقاقات عن الحركة دورا محوريا في التمدد السريع لولاية خراسان في جميع أنحاء أفغانستان وباكستان.

من ناحية أخرى يتقلد «مفتي نور والي محسود» إمارة «حركة تحريك طالبان باكستان» في الوقت الراهن، وهو مقاتل محنك، وكاتب متمرس، ومفتي ومجاهد بما تعنيه هذه الكلمات عند الجهاديين. كما أنه مفكر يسعى إلى توحيد الصفوف؛ ففي كتابه الذي يحمل عنوان Inqilab-e-Mehsud، ويتألف من 700 صفحة، يؤكد محسود على ضرورة توحيد صفوف جميع الجماعات الجهادية في باكستان وأفغانستان. علاوة على ذلك، أثبت محسود إيمانه بدعوته عمليا كما أثبته من خلال كتاباته؛ فبعد تقلده قيادة «حركة تحريك طالبان باكستان»، نجح محسود سريعا في إقناع جميع فصائل الحركة بالتوقف عن الاقتتال الداخلي فيما بينها. كما أنه مؤيد لتنظيم القاعدة، ولم يتورط في أي صراع مع تنظيم ولاية خراسان، حتى برغم انضمام كثير من قادة الحركة إلى التنظيم. ومع احتمال مغادرة القوات الأمريكية أفغانستان في المستقبل القريب، واستمرار الوجود العملياتي لكل من التنظيم والحركة في المنطقة نفسها، تزداد احتمالات التشبيك والتحالف بين الجماعتين، وهو ما سيمنح تنظيم الدولة الإسلامية قدما راسخة لبعث جديد.

مفتي نور والي محسود

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا     

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock