لم يصل العلم إلى دواء حاسم لعلاج كورونا، ومازال الفيروس الخطير يجتاح بلدانا كثيرة تتراوح فيها نسب الوفيات ونسب الشفاء، بين هذا وذاك هناك من يعيشون إحساسا مضاعفا من القلق قد يصل لحد «الهلع» حيث تتوقف قدرتهم علي ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.. تحديدا من يعانون من اضطراب الوسواس القهري خصوصا ما يتعلق بالنظافة الشخصية بوصفها الوسيلة الوحيدة للوقاية من الإصابة بهذا الوباء.
هؤلاء الذين يعانون في صمت تضاعفت مخاوفهم ومعاناتهم النفسية، فكيف السبيل لعلاجهم، أو بتوصيف أدق ماهي النصائح التي يمكن تقديمها لهؤلاء المرضي في إطار الدعم النفسي من المحيطين بهم لتجاوز هذه المحنة التي ألمت بالعالم كله.
إحساس مضاعف بالخوف
وفقا للتعريفات العالمية فإن مرض الوسواس القهري هو نوع من الإضطراب النفسي الذي يشعر معه المريض بأن هناك فكرة تطارده بشكل قهري لا يمكنه التخلص منها، وهذه الفكرة أو التصرفات الغير منطقية من قبيل «التأكد مرارا من إغلاق الباب، أو البوتاجاز أو تكرار غسل اليدين و غيرها من السلوكيات» ترتبط بالقلق، ورغم وعي مريض الوسواس بأن تصرفاته غير منطقية و محاولاته الحقيقية لتجاهلها أو تغييرها تفاديا لما يشعر به من قلق يسبب له ضيقا شديدا بالفعل، إلا أنه – و في كثير من الأحيان – يفشل و يستسلم للفكرة المسيطرة عليه دون جدوى.
بالتأكيد تتفاوت أعراض الوسواس من شخص لآخر، وبالتبعية طرق المقاومة وفقا لطبيعة المرض وكذلك الوعي به و الرغبة الصادقة في تجاوزه، لكن في ظل انتشار وباء كبير وخطير لا يمكن مقاومته إلا بالحرص على النظافة، فإن مرضي الوسواس القهري يتضاعف احساسهم بالقلق وهو ما صارحتني به إحدي الصديقات و التي تعاني ابنتها من الوسواس، ففي الظروف العادية كانت الإبنة تعاني دوما من هاجس الاتساخ و التلوث الذي يعرضها للإصابة بالأمراض، ومن ثم كانت «شبه مقيمة في حمام المنزل» تستحم أكثر من مرة، و تعيد تكرار الوضوء مع غسل اليدين كل بضع دقائق، أما في أيام حيضها فتلك مأساة أخري وفقا لتوصيف صديقتي، حيث تستخدم ملابس معينة تعمل على تطهيرها بعد انقضاء الحيض بشكل مبالغ فيه، و مع انتشار الكورونا باتت حياة هذه الابنة شبه مشلولة، فهي لم تعد فقط أكثر اضطرابا وقلقا، ولكن انعكس سلوكها القلق علي كل من حولها، وكأنها تريد أن تصنع أنبوبة معقمة يعيشون فيها من دون أن يلمسوا شيئا، ما ينتج عنه بالطبع الكثير من المشاحنات والمشاكل ومن ثم مزيد من القلق و الإضطراب.
مأساة أخرى تعيشها ابنة صديقة أخري، تسبب اضطرابها النفسي من جراء هذا الوسواس لأن تتخلى عن عملها أكثر من مرة رغم حاجتها للعمل، فحين عملت مدرسة مثلا لم تستطع مواصلة يومها الدراسي وخرجت من المدرسة دون رجعة عندما علمت أن زميلتها تقتني كلبا في المنزل، وعند عودتها للمنزل كانت في حالة شديدة الإضطراب نظرا لأن فكرة «نجاسة الكلب» ظلت مسيطرة على تفكيرها على الرغم من أنها لم تتلامس مع تلك الزميلة، ولم يجمعهما طعام أو شراب، لكنها لم تستطع الهروب من الفكرة أو تجاوزها ما اضطرها للاستعانة بالطبيب.
للأسف الحكايات حول هذا المرض كثيرة و كلها مريرة وتنعكس بالتأكيد علي المحيطين بالمريض، خصوصا إذا ما تصاعد الاضطراب و بات مصاحَبا بالإكتئاب حيث يشل المرض حياة الإنسان ويمنعه من ممارسة الكثير من تفاصيل حياته.
نصائح
في هذا السياق تنصح د. هالة العيسوي أستاذ علم النفس بكلية الطب جامعة عين شمس بضرورة متابعة هؤلاء المرضى بدقة والعمل على تقديم الدعم لهم ومساعدتهم ومساندتهم عبر وسائل عديدة حتى يتجاوزوا الأزمة من دون تأثيرات سلبية، لأنه مثلا قد نجد مريضا يبالغ بشدة في استخدام الصابون وغيره، ولكنه لا يقتنع بأنه قام بتنظيف يديه فعلا، أو يستخدم المطهرات بشكل مبالغ فيه لدرجة أن بعض المرضى يقومون بوضع أيديهم في الكلور لبضعة دقائق عدة مرات بغية التطهير والتعقيم، ما قد ينتج عنه الإصابة بأمراض جلدية، فيما البعض الآخر يقرر عدم لمس أي شيء و يظل لساعات رافضا تناول الطعام أو الشراب، وكلها تفاصيل وسلوكيات تشير لتدهور حالات كثيرة من المرضى كما أنها تؤثر كما أشرنا على محيطهم، فمثلا لو أن أما أو زوجة مريضة بالوسواس فسوف يتأثر البيت كله خاصة الأبناء إذا كانوا أطفالا صغارا، فحتما سينتقل لهم القلق و الهلع بدلا من إحساسهم بالأمان.
لذا تطالب د. هالة الأهل بضرورة التكاتف مع المريض و مساعدته حتى يتجاوز أزمته كأن يتم إغلاق صنبورالمياه تماما أثناء قيامه بغسل يديه بعد مرور 20 ثانية فقط وبالقوة، صحيح قد لا يستسلم المريض في البداية و يعرب عن رفضه بل قد يتمرد لكنه مع تكرار «المساندة» سيستجيب و يبدأ في تعديل سلوكه بشكل تدريجي.
ثمة وسيلة أخرى تنصح بها د. هالة و تتعلق بمحاولة فصل المريض عن الأفكار «الوسواسية» بأن نطلب منه مثلا أن يبدأ في عد الأرقام من 1 وحتي 100، أو أن نطالب مثلا بأن يبدأ في عد الكتب الموجودة بالمكتبة، أو نبدأ في تنشيط ذاكرته ببعض الذكريات السعيدة والإيجابية في نفس الوقت، أو غيرها من الأفكار التي حتما ستساعده في قتل الأفكار الوسواسية وعدم الاستجابة لها، وحتى لو لم تعجبه هذه الوسائل في البداية و تمرد عليها، إلا أننا سنكون قد نجحنا في عرقلة حبل الفكرة الوسواسية و أجبرناه علي التفكير في شيء آخر.
وللحد من التوتر الناتج ع عن الوسواس تنصح د. هالة بأن يضغط المتوتر بكعب رجله علي الأرض نظرا لأن هناك عصبا يتصل بين المخ و الكعب ومن ثم فإنه وبالضغط عليه يتنبه المخ ويبدأ في تخفيف حدة التوتر و القلق، كما تنصح بتدريب آخر عملي بأن يجلس الشخص المريض أو المتوتر عموما علي كرسي له ظهر ويستند عليه مع تشبيك يديه خلف الكرسي و يبدأ في التنفس بعمق لمدة 3 دقائق بحيث يسمح بدخول الهواء للصدر مع شد الذراعين للخلف، فيحدث أن المعدة تتمدد وتضغط على العصب الحائر ما يقلل من حدة التوتر، و كذا تمارين كثيرة يمكن ممارستها من شأنها أن تساعد في التخفيف من التوتر والقلق.
نصائح كثيرة من شأنها مساعدة هؤلاء المرضى بالوسواس القهري مثل الحرص على تخفيف الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تزيد من حدة المرض، وأن يتناولوا الغذاء الصحي مع الحفاظ على مستوى السكر في الدم والذي من شأنه أن يضبط المزاج العام للإنسان كما يتحكم في طاقته، وكلها عوامل تساعد في الحد من نسبة التوتر و القلق، كذلك من المهم طمأنة المريض و الأخذ بعين الإعتبار مخاوفه و عدم السخرية منها، أما في حال تدهور الحالة فلابد من مراجعة الطبيب والأدوية التي يتناولها المريض.
أخيرا و ليس آخرا فإن هذا المرض يصيب للأسف كل الفئات العمرية ومن كلا الجنسين، لذا ينصح بالتنبه لمظاهره وأعراضه حتى لو بدأت بسيطة بهدف الكشف عن المرض مبكرا وإعطاء الأدوية المساعدة بمعرفة الطبيب حتى يمكن السيطرة عليه حيث أن المرض قابل للشفاء والكثيرين ممن عانوا منه في مرحلة من حياتهم قد نجحوا في التخلص منه.