منوعات

هل ينجح كورونا في تطوير التعليم أونلاين؟

«في الجامعات والمدارس يجلس طلاب في الصفوف الأمامية، بينما يجلس آخرون في الصفوف الخلفية، أما التعليم أونلاين فالجميع في الصفوف الأمامية»

مر أكثر من عقدين من الزمان علي بداية ما يعرف بـ «التعليم عن بعد» الذي اختلطت المسميات حوله، ما بين التعليم الرقمي، والتعليم الإلكتروني، والتعليم أونلاين، والتعليم الشبكي، والتعليم الموزع، والتعليم عبر الإنترنت… وغيرها. وكلها مسميات تعني عدم الحضور الجسدي أثناء التعليم، واستخدام وسائل وآليات التواصل الإلكتروني في العملية التعليمية. 

وقد قطعت العديد من الدول شوطاً في سبيل هذا النمط من التعليم، وسجلت الدولة المصرية اهتماماً ناجزاً به في السنوات الثلاثة الأخيرة في مرحلة الثانوية العامة، وفي بعض برامج التعلم عن بُعد في الجامعات. وعلي الرغم من كونه واقعاً إلا أن الآراء تراوحت حوله ما بين التأييد والمعارضة؛ ولكل رأي ما يبرره. وفي ظل فيروس كورونا المستجد، لم يعد الأمر مجرد رفاهية أو تطوير أو تأييد ومعارضة، ولكن التعليم عن بعد بات واقعا تتعامل معه وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، فهل تنجح حالة الحجر الصحي العام في  العالم كله في المساهمة في نقلة تعليمية والتحول نحو التعليم الرقمي أونلاين؟ وهل ثمة فرق بين الصورة النموذجية للتعليم أونلاين والصورة التي عليها في مصر بعد أزمة كورونا؟ وما مقومات ومحددات نجاح هذا النمط من التعليم؟ وما إيجابياته وتحدياته؟ وما مستقبل التعليم بعد كورونا؟ تساؤلات مشروعة أصبحت مطروحة بقوة في ظل الواقع الجديد الذي فرضه الفيروس الخطير. 

مقوماتٌ للنجاح  

بدأت رحلة التعليم أونلاين منذ فترة ليست بعيدة، وتزامنت مع تطور الإنترنت وآلياته، ويدرك المتأمل لنشأته أن استخدامه بدأ في تدريس الدورات التدريبية والبرامج المتخصصة في المرحلة قبل الجامعية، ثم زحف مع التطور في آليات التواصل وحركة الويب الثانية إلي الدراسات العليا والدبلومات، ونجحت العديد من الجامعات العالمية أن تطور برامج تعليمية أونلاين ودورات تدريبية، ومعظم دارسي هذه البرامج لاينتمون إلي هوية أو دولة واحدة، فهو تعليم يتعدى الجنسيات. والموجة الثالثة من التطور التكنولوجي في التعليم عن بُعد، بدأت مع التحول نحو إنترنت الأشياء، وظهور البرامج التفاعلية الحديثة في الاتصال، وهنا بدأت بعض الدول تسعي إلي تطبيقه في مرحلة التعليم قبل الجامعي.  

ينقسم التعليم أونلاين إلي قسمين الأول يسمي بالتعليم اللاتزامني، وهو التعليم الذي لا يتم في الزمن الحقيقي، حيث يمكن للمتعلم أن يرجع إلي المادة المتعلمة في أي وقت، بينما يتمثل النمط الثاني في التعليم التزامني، وهو التعليم الذي يتم في الزمن الحقيقي، وبلغة الإنترنت يتم عبر اللايف. 

ويعد التعليم أونلاين شكلا من أشكال التعليم المختلفة، ولكن الاختلاف يكمن في آلياته ووسائطه، ويحتاج هذا النمط لنجاحه لعدة مقومات، أولها: بنية تحتية اتصالية قوية، إذ أنه بحاجة إلي نفاذ شبكي وسرعة إنترنت قوية، بحيث تسمح للأفراد بالتواصل والتفاعل بشكل متزامن ولامتزامن، وثانيها ثقافة مجتمعية داعمة: فلايمكن أن ينتشر هذا النمط من التعليم دون اقتناع شعبي بجدواه، ولعل ما شهدته مصر والعالم في ظل أزمة كورونا قد غير من قناعات العديد وتوجهاتهم نحو التعليم أونلاين، وثالثها: مناهج واستراتيجيات مرنة: حيث يحتاج هذا النمط من التعليم إلي محتوي دراسي متطور ومرن يسمح بتدريسه أونلاين، وثمة مجموعة من الاشتراطات قد رصدتها الدراسات التربوية للتأكيد علي هذا المحتوي، كما أن هذا النمط من التعليم بحاجة إلي استراتيجيات في التدريس مختلفة مواكبة للتحول الرقمي، وبعيدة عن الطرق التقليدية القائمة علي الحفظ والاستظهار، وهذه الاستراتيجيات ترتبط بطبيعة المناهج الدراسية المرنة التي تهتم بالمعني والفهم أكثر من التلقين والحفظ. ورابعها: معلم مدرَّب؛ حيث يحتاج هذا النمط من التعليم إلي معلم لديه القدرة علي التعامل مع التقنية والتكنولوجيات الحديثة والمضامين الدراسية المواكبة للتعلم أونلاين، وخامسها طالب جاد: حيث؛ يحتاج هذا النمط إلي طالب يدرك معني المسئولية ويتحلي بالالتزام، ويجب أولا تدريبه علي استخدام التقنية وطرق التعاطي مع المحتوي الدراسي والمعلم. ولعل العديد من الدول تبدأ هذا النمط من التعليم مع مراحل التعليم المتقدم، بعد تعليم الطلاب وجها لوجه أسس وقواعد الكتابة، وطريقة التعامل مع الكمبيوتر والتقنيات في التعليم. وسادسها: أولياء أمور، يكونون علي قناعة بهذا النمط من التعليم، يؤدون مهمتهم في مراقبة ومتابعة أبنائهم ومسيرتهم في تحصيل الدروس أونلاين. 

التعليم أونلاين في مصر خلال أزمة كورونا

قامت الدولة المصرية بمجموعة من الاجراءات الاحترازية في ظل انتشار فيروس كورونا، ومنها تأجيل الدراسة في المدارس لمدة أسبوعين، ثم قامت بتأجيلها مرة إضافية؛ وقد استعدت وزارتا التربية والتعليم، والتعليم العالي بتفعيل المنصات الإلكترونية، ووضعت الوزارتان خططا للتعليم عن بُعد، وحدث تحول كبير في الاتجاه للتعلم أونلاين، ولعل الخطوات المتسارعة التي تمت من خلال هذه المنصات، قطعت مسافات طويلة في أيام قليلة. وفي مرحلة تالية قامت وزارة التربية والتعليم بإلغاء الامتحانات لصفوف النقل، فيما بقيت  امتحانات الشهادات، والجامعات، ودفعات التابلت قائمة حتى الآن، وهنا لاحظنا جهودا غير رسمية من المعلمين، حيث سعى العديد من المعلمين إلى تأسيس قنوات اليوتيوب للتواصل مع طلابهم، بعضها بدوافع إنسانية ومساندة في الأزمة، وبعضها مدفوعة بغرض التربح. 

تبقي طريقة تفعيل التعليم أونلاين، فالطريقة المصرية لبعض الأساتذة تقدم مجموعة من الاجتهادات الشخصية لمساندة الطلاب، وقد تكون إلزامية؛ حيث فرضت بعض المدارس والجامعات علي الأساتذة استكمال المناهج أونلاين، فنجد أن معظم الأساتذة استخدموا صفحاتهم الشخصية لفتح اللايف للشرح، أو تسجيل فيديوهات من منازلهم ونشرها عبر صفحاتهم أو جروبات الدفعات، ولأن الأمر يعتمد على الإجتهادات الشخصية للأساتذة، ظهر البعض بمظهر لائق، بينما لم يحسن البعض الآخر الإخراج في نوع الكاميرا المستخدمة، والمكان الذي يبث من خلاله الشرح لطلاب.  

الفصول الرقمية وتكنولوجيا الواقع السيبراني

بعد كل ما سبق.. نطرح هنا سؤالا عن الشكل المثالي للتعليم أونلاين؟ ونقول إن بعض الدول سعت إلي تطبيق الفصول الأونلاين التزامنية، وتوسعت فيها بعد أزمة كورونا. وأثبتت تجاربها أن الصورة المثالية لهذا النمط من التعليم بالاضافة إلي المقومات التي ذكرناها سابقا الخاصة بسرعة وقوة الإنترنت ومدى حرفية الطالب والمعلم وثقافة المجتمع تحتاج أيضا إلى اشتراطات أخري، فمثلا حين يقوم المعلم من الجامعة أو المدرسة بالشرح في نفس زمن المحاضرة أو الحصة، ويسجل حضور الطلاب، فلابد أن يكون هناك تفعيل لتكنولوجيا التعليم من خلال شكل الفصول الرقمية، فكل طالب في مقعدة جالس بتكنولوجيا الواقع السيبراني، ويتحدث إلي معلمه ويناقشه، ويتم أخذ غياب وحضور الطلاب، وكأنه فصل حقيقي، وهناك فصول أكثر تطوراً تستخدم نظارات الواقع التخيلي، تعيش الجو الحقيقي للفصل الدراسي، وهذا هو النمط المثالي النموذجي للتعليم الأونلاين. 

كشفت هذه التجربة المفروضة علي المجتمع من التعلم أونلاين عن مجموعة من الإيجابيات والسلبيات، أما الإيجابيات فهي خطوة مهمة في التحول الرقمي الذي تسعي الدولة إلي تفعيله في جميع القطاعات، ومنها بطبيعة الحال قطاع التعليم. كما أنه تعليم عصري ويتسم بالجاذبية إذا تم تطبيقه بشكل تزامني عبر الفصول الرقمية. أما السلبيات فنجد أن هذه الأنظمة في التعليم تفتقد إلي التفاعلية والمشاركة ًخاصة في أنماط تطبيق التعليم اللاتزامني، حيث أن معظم المنصات والقنوات التي يتم التعامل من خلالها تبث محتواها من قبل المعلم دون التفاعلية مع الطلاب، نضيف إلي ذلك ضعف الثقة في جدوي التعليم أونلاين لدي البعض، وهو ما يمثل أكبر التحديات نحو التحول الرقمي في التعليم، كما أن بعض الطلاب المستهترين يسخرون من المعلمين أثناء إلقاء الدروس أو المحاضرات، والدخول بهويات مزيفة من أجل التسلية أو السخرية، بالشكل الذي حولوا فيه بعض الجهود الجادة من المعلمين والمنصات الإلكترونية إلي مجال للسخرية، وهو ما أثر بشكل كبير علي جدوي بعض قنوات التعليم عن بعُد، وخصوصاً التي تبث عبر الصفحات الشخصية للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس. 

تساؤلات أولياء الأمور

سعت بعض الدول إلي التحول نحو الفصول الرقمية وتكوين فصول أونلاين للمراحل الأولي في التعليم، ولعل هذا النمط من التعليم مختبر في الدراسات العليا والدورات التدريبية، وزحف نحو التعليم العالي، ولكن جدواه في تعليم الأطفال عبر الفصول أونلاين مرتبطة بعدد من التساؤلات المشروعة التي طرحها المتخصصون في أصول التربية – تدور في أذهان أولياء الأمور، ونلفت النظر إلي هذه التساؤلات مثل: هل هذا النمط من الفصول بحاجة إلي الدعم القوي لنجاحه؟ هل لدي طفلي المهارات الكافية للتعلم أونلاين؟ هلي يمتلك طفلي الصبر والمرونة والقدرة علي التكيف مع التعليم أونلاين؟ هل لدي طفلي القدرة علي فهم التكليفات والتعليمات أونلاين؟ هل لدي طفلي القدرة علي التواصل بشكل متكرر وفعال مع المعلم وزملاء الفصل أونلاين؟ هل لدي طفلي القدرة علي تنظيم الجدول ومعرفة المواعيد النهائية لواجباته؟ ما مدي تشتت طفلي أثناء الدرس؟ هل يمتلك طفلي القدرة علي العمل بالاعتماد علي نفسه أونلاين؟ هل لدي طفلي القدرة علي الاندماج مع الآخرين بشكل ناضج في البيئة التعليمية عبر الإنترنت؟ هل طفلي مهتم بأن يتعلم عن بعُد؟  

التعليم أونلاين بعد أزمة كورونا

خلقت أزمة كورونا قدرا من التباعد الاجتماعي المفروض بحكم الظروف، ودفع هذا التباعد الاجتماعي إلي البقاء في المنزل، والتعلم من المنزل، واعتقد أن الخطوات التي تم قطعها في التحول نحو التعلم الرقمي في ظل الأزمة، وفرت شهورا طويلة في رقمنة التعليم. فهل سيستمر التعليم أونلاين بعد أزمة كورونا أم لا؟ أعتقد أنه سيسير جنباً إلي جنب مع طرق التعليم التقليدية بعد أن كان يسير خلفها، والمستقبل مرهون بمدي الثقة في هذا النمط من التعليم, والثقافة المجتمعية والبنية التحتية التي تدعمه، وكل ذلك مرهون أولا وأخيراً بالقدرة علي تطبيق التعليم أونلاين بالشكل النموذجي عبر الفصول الرقمية بشكل مؤسسي تنظيمي وباعتماد أكثر كثافة علي استخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء وتطبيق برامج التعليم أونلاين التزامني، وليس مجرد اجتهادات شخصية من المعلمين لفتح صفحاتهم للشرح أو الرد علي تساؤلات الطلاب. 

إن المستقبل في ظل التطور التكنولوجي والتحول نحو إنترنت الأشياء لم يعد بعيداً.

وليد رشاد زكي

أستاذ مساعد علم الاجتماع - المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock