فن

فن الكف الصعيدي يقاوم كورونا بالغناء

من الفنون الأدائية الجميلة التي يتعامل ويتفاعل مبدعوها مع الجمهور مباشرة فن «الكف» الصعيدي أو الأسواني، الذي ينتشر في محافظات جنوب مصر خاصة «أسوان» و«الأقصر» ويمتد إلى قنا والوادي الجديد والبحر الأحمر، ويقوم هذا الفن بالأساس على الارتجال، ويشارك فيه الجمهور، فنانيه، وسر تسميته بالكف يعود إلى أن المشاركين في الحفلات يستخدمون كفوف أيديهم أثناء تمايلهم وهم يقدمون «الخانة»، وقديمًا قبل دخول الآلات الموسيقية كان الاعتماد على الطبلة مع صوت ضرب الكفوف.

ومن أغاني الكف التي اشتهرت «بتناديني تاني ليه» التي ارتجل لها أغلب فناني الكف ومنهم الفنان «سيد أبو ركابي»، الفنان «ربيع البركة» والفنان «جابر العزب».

«بتناديني تاني ليه.. إنتي عاوزه مني إيه…» سيد أبو ركابي.

«بتناديني تاني ليه.. إنتي عاوزه مني إيه…» جابر العزب. يسمع صوت الكفوف في الأغنية

«بتناديني تاني ليه» بصوت ربيع البركة

«كل ما أقول التوبة…» جابر العزب الإسناوي

«تجرحني يا أبو عين سودة واللي يدوايني مين؟!..» جابر العزب

وتقام حفلات فن «الكف» في الشوارع احتفالًا بالأعراس، وقد بلغ شغف البعض بهذا الفن أنه يذهب إلى الفنان الذي يحبه كي يحدد له يوم الليلة التي سيحييها قبل أن يحدد أى شىء آخر يخص زفافه بل وباقي تفاصيل ارتباطه بعروسه، لأنه يرى فرصة إحياء الفنان الذي يحبه لليلة زفافه أكثر صعوبة من أى شىء آخر يرتبط بالفرح والزفاف.. ويُصنع لفنان الكف مسرح مرتفع عن الأرض ويكون من خلفه فرقته الموسيقية المكونة من عواد وطبال ودف بشكل أساسي وقد يضاف إليه بعض الأدوات الغنائية الأخرى، وهذا الفنان يستقبل ما يطلق عليه «الخانة» من «الكَفَاف»، والخانة عبارة عن موال من أربعة أبيات شعرية مرتجلة، وقد تكون ثلاثية أو خماسية أو سباعية أو ثمانية، تلتزم بالقوافي والأوزان بمصاحبة ضارب الدف، بمشاركة «الكفافة»، الذين يصفقون ويتراقصون في إيقاع مناسب، ويسلمون الفنان اللحن الذي يسير عليه، والخانة التي تشبه مطلع القصيدة التي يجب أن يرتجل عليها بنفس الوزن والقافية والموضوع، ويعد «رشاد عبدالعال» «ملك الفن» الذي توفي عام 2008، أهم وأبرز فناني الكف على الإطلاق.

رشاد عبدالعال

وكذلك يقف في طليعة رواد الكف الفنان «أب دوريش» الملقب بـ«ويز الفن» ولهذا الفن لونان أساسيان، الأول هو الذي يكون فيه فنان واحد منفرد، يتلقى «الخانة» ويرتجل عليه، والثاني يطلق عليه فن «التحدي» وهو وثيق الصلة بفن النقائض والهجاء الذي عرف في العصر الأموي، ويشترك فيه فنانان عادة، يستقبلان «الخانة» ويبدأ كل منهما في هجاء الآخر.

أب دوريش

نعناع الجنينة

ومن أشهر أغاني «فن الكف» التي خرجت من المحلية الجنوبية، أغنية «نعناع الجنينة» التي غناها «محمد منير»، وقال إنها من التراث النوبي، مما أغضب الكثيرين من الجنوبيين، ورد عليه «رشاد عبدالعال» في إحدى حفلاته غناء قائلًا «نعناع الجنينة المزقي في حيضانه.. شجر الموز الطرح ضلل على عيدانهنعناع الجنينة منيتي ومطلوبي.. أحيانًا أشربه أحيانًا أزين توبي..» وأردف عبدالعال قائلا.. غناها منير: متألفه ومكتوبي.. وغلط لما قال دي من التراث النوبي»، فجميع الأبيات التي غناها منير هي من تأليف مغني الكف، وقد تجاوزت عدد أبيات هذه الأغنية مئات الأبيات يُوصلُها البعض إلى الآلاف. 

«أغنية نعناع الجنينة» بصوت سيد أبو ركابي

«أغنية نعناع الجنينة» بصوت رشاد عبدالعال

ابن الواقع

ويتميز فن الكف بأنه ابن الواقع، يشتبك مع قضاياه الدائرة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو رياضية، فأي أحداث جارية أو قضايا رأي عام، تكون حاضرة فيه فقد غنى ارتجالا فنانو هذا الكف عن الثورة في الأفراح، كما غنوا للمسلسلات التي حققت جماهيرية واسعة في الجنوب، وقديمًا تابع فن الكف انتفاضة الحجارة الفلسطينية، وهجوم أمريكا على أفغانستان وعلى العراق، وتناول مباراة مصر والجزائر الشهيرة في السودان، و حين خسر الأهلي في 2007 كأس الأمم الإفريقية، غنى أحد فناني الكف الذي يشجع نادي الزمالك «من قلب القاهرة أخدوا الكاس»، وكذلك تابع فن الكف أحداث ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث وكان يبدي آراءه فيها بمنتهى القوة والوضوح، وحين اتسعت ظاهرة زواج شباب الأقصر من الأجنبيات السائحات القادمات لزيارة المدينة التي تحوي ثلث آثار العالم، تصدى «الكف» لهذه الظاهرة بقوة وعمل على توعية الشباب من الوقوع في هذه الورطة والزواج من الأجنبيات خاصة الكبيرات في السن، ومنها ما شدا به ياسر رشاد في أغنية «فرحان شبع من بعد الجوع».

كما أن هذا الفن في وقت مبكر جدًا ناقش قضية الهجرة غير الشرعية حتى قبل التفات الدولة لهذه الظاهرة ومن تلك الأغاني التي ناقشت الظاهرة «كله عاوز يتغرب».

 خطر الكورونا

لا نكون مبالغين إذا قلنا إن فن الكف -الذي هو  فن البيئة التي يعيش فيها وفن اللحظة- تفاعل مبكرا مع أزمة كورونا.. فاشتهر هذا الطفل الأسواني عبدالله الكلحاوي ابن قرية كلح الجبل بمركز إدفو شمال أسوان، فقد حقق الفيديو الذي يغني فيه عن الكورونا أكثر من 5 ملايين مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي في أيام، ولفت انتباه الصحافة والإعلام، وأصبح مثار حديث الكثيرين في مصر، وعرف الكلحاوي بأدائه لأغاني مشاهيرالطرب، مثل «محمد منير»، وكذلك مغني فن «الكف» الذين أخذ منهم أغنيته «يا كورونا مالك بينا»، يقول فيها 

«يا كورونا مالك ومالنايا كورونا سبينا ف حالنا.. احنا الى فينا مكفيناايه اللي جايبك عندينابالالتزام والنظام تكون نهايتك عندينا، وبتخطيط الدولة لينا.. ملكيش مكان وسطيناإلى أسوان إلى سينا.. بتخطيط الدولة لينا.. يا كورونا مالك ومالنايا كورونا سبينا ف حالنابالالتزام والنظام نهايتك عندينا.. يا كورونا مالك ومالنا».

ويغني الفنان «ياسر رشاد» أحد أهم وأشهر فناني الكف المعاصرين وهو نجل الفنان «رشاد عبدالعال» في إحدى الحفلات، أغنية يحذر فيها الناس من السلام باليد، ويسخر من الزمن الذي أجبر الناس على لبس الكمامة، ويطالب الأهالي أن يتحاشوا عن «الداحشه» أي الناس الذين لا يفهمون ويستهينون بالفيروس الخطير «من ضمن الدول ناس في المرض ذكروناوبقينا قدوة للي في صبرنا شكروناوصمنا عن الزاد ونفسنا عافت المكروناواللي زاد وغطا فيروس الكورونافوق كل المصايب جاتنا الكمامةوبقيت حكوه للي بيغنوا والنمامهوعلى آخر الزمن هنمشي بالكمامهيسلم حبله لله الزول ولا دا حاشهولا بيسمع كلام للجهلة والدحاشهولو وحشك صديق ما شفت منه واحشهخاف العطسه سلم من بعيد وتحاشه».

كان ذلك في حفلة أثارت الكثير من الجدل وتقرر بعدها منع حفلات الكف بسبب الظروف الراهنة، وحرص الدولة على منع التجمعات، حيث إن مثل هذه الحفلات يحضرها الآلاف من أهالي الجنوب، ويشد لها العاشقون لهذا الفن الرحال من القرى المختلفة من محافظات الجنوب بحثًا عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock