مختارات

القلق المعتدل و التعامل مع كورونا

نقلا عن: صفحة الكاتب على فيسبوك

القلق في الوضع الحالي شعور طبيعي، و التأقلم معه و ترويضه يحتاج إلى فترة من الزمن تختلف من شخص لآخر، خاصة أن التجربة التي نتعرض لها حاليا ليس لها مرجعية سابقة في أدواتنا الدفاعية للتعامل معها.

لتنظيم إحساسنا بالقلق و حتي يؤدي و ظيفته الطبيعية و لا يتحول الي قلق مرضي علينا أولا أن نعرف بعض الحقائق البسيطة عن كيفية تعامل المخ مع الخطر.

أول خطوة هي تعرف المخ علي الخطر من خلال تحليل فوري لحظي إنفعالي، ثم تحليل متأني و بطئ للمعلومات المتاحة.
في حالتنا الحالية لا يستطيع المخ عمل النوع الثاني المعتمد علي التحليل المنطقي بسبب سرعة تواتر المعلومات و التكرار المستمر و التضارب.

لذلك نصيحة تقليل التعرض لوسائل الإعلام و الهلع الاجتماعي «التواصل الاجتماعي سابقا» أمر ضروري للصحة النفسية. تكرار الكلام في نفس الموضوع يضخمه و يزيد إحساس المخ بالعجز أمام الخطر و بالمناسبة هذا الإحساس له تأثير مباشر علي جهاز المناعة.

بعد التقييم الأولي للخطر يبدأ المخ في تكوين أفكار و معتقدات عنه. في حالة الخوف يذهب المخ تلقائيا إلى أسوأ الاحتمالات و ليس إلى الأكثر واقعية و تبدأ دائرة مفرغة من أفكار كارثية و مشاعر رعب و خوف ثم سلوكيات هدفها التعامل مع الكارثة المتخيلة، و ليس مع حجم الخطر الحقيقي.

اليكم بعض النصائح العامة للتأقلم. و هي غير مرتبة بحسب الأهمية و لا تصلح كلها للجميع فكل إنسان له وسائله الشخصية في التكيف مع الضغوط:

١. إيجاد البدائل: أحد تعريفات الصحة النفسية هي قدرة المخ علي إيجاد بدائل للتكيف. البدائل تبدأ بتعليم المخ أن يتجه للاوقع و ليس الأسوأ. فكل من السيناريو الكارثي و السيناريو الرائع هما الأندر في الحياة. عندما تهاجمك فكرة كارثية حاول ايجاد عدة بدائل أفضل و ستجد أن الواقع أقرب إلى المنتصف.

٢. عمل روتينات جديدة: حاول تثبيت مواعيد بعض الأنشطة لتتناسب مع الحظر، مثل مواعيد الأكل، النوم و المشي «نصف ساعة حول البيت قبل الحظر مثلا». إحساس المخ بتوقع بعض التفاصيل اليومية يعطيه إحساس بالأمان.

٣. الفعل، الفعل، الفعل: الشعور بالأمان قد يأتي بالتفاؤل و التفكير الإيجابي و لكن لا يستمر مع استمرار تدفق المعلومات المقلقة. القوة الأكثر قدرة علي طمأنة المخ هي قوة الفعل. اقرأ لو تحب القراءة، رتب أوراقك، نظم متعلقاتك، اطبخ، ارسم. المقصود هي الأفعال التي تؤدي إلى إحساس بالإنجاز. لا تحاول تجربة شئ جديد إلا لو كان لك ميل سابق له و لم يتاح لك الوقت سابقا. فلا جدوي أن نطلب من شخص ان يبدأ القراءة و هو لا يطيقها.

٤. الإيثار و العطاء: المراكز المسئولة عن القلق في المخ هي الأكثر بدائية و متصلة أيضا بالعنف و الأنانية لأن دورها الأساسي هو حفظ النوع. و هو ما يفسر الاتجاه الجماعي للشراء و تكديس السلع و السلوكيات التي رأيناها في منافذ بيع السلع حول العالم.

التبرع والزكاة في هذه الفترة هام، أولا لأن الأكثر تضررا هو من يعيش علي قوت يوم بيوم، و ثانيا، أن فعل العطاء يعطي شعورا بالراحة، فضلا عن الاحساس بوجود دور إيجابي يخرجنا من الشعور بالعجز و يقلل من دور المتلقي السلبي للكوارث. لا تنسي إنسانيتك حتي في خوفك.

٤. قراءة واقعية للأرقام: الأرقام دلالات تتيح لنا معرفة حجم ظاهرة ما. و لكي تكون دلالة اي رقم واقعية، يجب أن يقرأ الرقم في سياق لتحديد حجم الخطر الحقيقي. مثلا هناك رقم للوفيات حول العالم و هو يبدو مخيفا في حد ذاته، و لكن تعالي نضعه في سياقه. هذا الرقم هو ٣% من الحالات المشخصة. مازال مرعبا، و لكن كم تمثل الحالات المشخصة من الحالات الحقيقية المصابة و المقدرة تقديريا بعدة أضعاف الحالات المشخصة. عندما يوضع الرقم في هذا السياق نجد أن عدد الوفيات ينخفض تحت نسبة ١%. ثم لناخذ هذا الرقم و نقارنه بعدد سكان العالم، لتنخفض النسبة إلى كسور قليلة. هذه هي نسبة وفاة أي شخص من الفيروس. هذه ليست دعوة للتهاون في أخذ الاحتياطات الصحية و الالتزام بالتباعد، و لكنها تقدير واقعي لحجم الخطر. لا تنظر لرقم إلا في سياقه. فلعبة الخوف هي أن يري معلومة خارج سياقها.

٥. القرب من الله: الإنسان مدرك لتفاهته و عجزه أمام أبسط اختبارات الحياة. قوة العلاقة مع الله و الثقة في وجود قوة أكبر تحمي و تتحكم في المصير يعطي إحساس بالأمان. و لغير المؤمنين اللجوء إلى التأمل او تمرينات التنفس تساعد في الوصول لهدوء نفسي.

٦. الفكاهة و السخرية: وسيلة دفاعية بسيطة و ناضجة لو استخدمت بدون إسراف. و هدفها ليس الاستهانة بالخطر بل الشعور بالسيطرة عليه و تقليل التضخيم من حجمه.

٧. التخطيط للمستقبل: الخطر الحالي ليس صحي فقط في المقام الأول بل هو اقتصادي أيضا. الكل سيتأثر ماديا بصورة أو أخرى. بعض الناس سيفقد وظيفته و اخرين ستنخفض دخولهم. كل فرد سيري المصيبة بصورة شخصية و لكنها حالة عامة، سيليها انتعاش عكسي و لكن بطئ. كثير منا غير عاداته الشرائية و اعاد اكتشاف اوجه الانفاق الغير ضروري و هي ايجابية بسيطة وسط كل هذا التوتر. بعض القادرين علي تغيير نشاطهم عليهم التفكير في اكتساب مهارات جديدة لتناسب التغيير القادم. الأكيد ان الحظر لن يستمر الي ما لا نهاية و انه و ان طال هو جزء صغير من عمرنا. عمل خطط قصيرة المدي و اخري طويلة مع مرونة في تغييرها هام في ظل الضبابية المؤقتة للمستقبل.

٨. اعادة صياغة العلاقات العائلية: الظروف الحالية ادت الي تقارب غير مألوف لأفراد الاسرة الواحدة. و هذا قد يؤدي الي زيادة الاحتكاك و التوتر، او الي توثيق للعلاقة. هي فرصة لفعل الاشياء معا، و فرصة للاستماع بدلا من النقد و النصائح.

٩. كثير منا خوفه ليس علي نفسه و لكن علي أحباؤه بالذات من كبار السن. الخوف يؤدي أحيانا إلى البعد عنهم لحمايتهم. البعد المطلوب هو جسدي و لا يجب أن يكون معنوي، فالسؤال عنهم يجب أن يكون اكثر كثافة. و لا تغيروا مواعيد الزيارة لهم مع اخذ احتياطات اكثر شدة.

في النهاية، الإنسان موجود علي هذا الكوكب منذ آلاف السنين، تعامل مع أشكال و ألوان من الأخطار الطبيعية و الأمراض و نجا. الخطر الحقيقي علي الإنسان للأسف هو الإنسان.

تامر جويلي

أستاذ الطب النفسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock