الرجاء مراعاة مشاعرنا
قرأت خبرا عاجلا حول دراسة تؤكد تراجع وضع المرأة بسبب فيروس كورونا، وتأثير هذا الوباء على المكتسبات التي حققتها حواء. استرعى الخبر اهتمامي، وبحثت في الأمر، كي أحاول تكوين صورة عن المكتسبات التي حققتها المرأة بالأساس، ثم كيف للكورونا أن يعيد المرأة «قرونا للوراء» كما قالت الدراسة التي أبرزها الخبر.
بدا لي العنوان كما لوأن هناك تهديدا خطيرا يحيط بالإنسانية ومن ثم بالمرأة، مما سيعود بالحضارة إلى الوراء، وقفز إلى ذهني الفيلم الأمريكي «ساعي البريد» الذي يصور عودة الإنسانية إلى الوراء لقرون بسبب انفجار نووي أتى على الحضارة والتقدم، أو مسلسل «حكاية الخادمة» الذي يروي تراجعا لوضع المرأة بسبب اضمحلال طرأ على الحضارة الإنسانية.
طالعت عدة تقارير متأهبة لتوقعات حول عودة الرقيق، أو حظر تعليم المرأة أو عملها، أو استعباد النساء واستخدامهن في المقايضة، محاولة تخيل الدور الذي سيؤديه الوباء في هذا السيناريو. ما هم قالوا «قرونا إلى الوراء»، فأنا – في الحقيقة – اتخضيت.
وإليكم بعض المخاوف التي بثتها بعض التقارير:
- على الرغم من أن المرأة تقف كتفا بكتف مع الرجل في القطاع الصحي، معرضة حياتها للخطر، إلا أنها تتقاضى أجرا زهيدا مقارنة به في العديد من دول العالم.
- أعلنت بعض الولايات والمدن في أوروبا وأمريكا أن بعض الخدمات الأسرية قد يعاد النظر فيها، وعلى رأسها عمليات الإجهاض لإنها خدمة غير ضرورية، وأن المستشفيات لا تتحمل أي خدمات كمالية، مما قد يهدد «حق الإجهاض» للمرأة، وهو حق مقر بالقانون في بعض المجتمعات.
- في العديد من الدول، خاصة في الولايات المتحدة، يتم تجاهل اختيار النساء ضمن قيادات أغلب فرق مكافحة كورونا.
- غالبية النساء أحلن إلى العمل من المنازل، وأصبحن مسؤولات وحدهن عن رعاية أفراد الأسرة الأكثر عرضة للخطر مثل المسنين والأطفال وحدها.
- أدى الحظر المنزلي وبقاء الزوجين في المنزل لساعات أطول، إلى تعرض العديد من النساء للعنف المنزلي، فالضغط العصبي على الأسر يدفع ببعض الرجال إلى سوء معاملة النساء.
وتوصي هذه التقارير بضرورة الحفاظ على مكتسبات المرأة التي حصلت عليها بعد سنوات من النضال والكفاح، خاصة مشاركتها في صنع القرار.
بس يا سيدي، واتضح أن هذه التقارير التي تحمل عناوين ساخنة ومفزعة حول عودة البشرية قرونا إلى الوراء لا تخشى شيئا إلا أن تتحول إلى مجتمعات تشبه مجتمعاتنا دون أية مراعاة لمشاعرنا في هذه الضائقة التي نمر بها !
وفي جانب آخر من الأزمة يبدو أن منظمة الصحة العالمية قد اطلعت على مرتبات الأطباء في بعض الدول وراعها الواقع، مما أدى ببعض منظمات حقوق المرأة الغربية أن تتنبه إلى أن النساء – والرجال في الواقع – من العاملين في قطاع الصحة في بعض البلدان يتقاضون رواتب زهيدة قياسا على المخاطر التي يتعرضون لها.
خارج التاريخ
يبدو أن هذه المنظمات لم تسمع من قبل عن المشكلات التي يرسلها بعض الرجال في بلادنا على صفحات التواصل الاجتماعي: «مراتي مش عايزة تخدم أمي، أطلقها ولا إيه؟» وتأتي الإجابات من النساء قبل الرجال: «طلقها طبعا». والمؤكد ان هذه المنظمات لم تصلها النكات التي يطلقها الناس على كل امرأة عاملة «عاملة نفسها بتفهم وهي ست يعني» أو السخرية التي تنهال على امرأة حال توليها أي منصب قيادي: «واحنا حنمشي ورا كلام الحريم كمان؟».
أما ما تسميه منظمات المرأة الغربية بالعنف المنزلي اللفظي والبدني، فهو مجال مفتوح للضحك والنكات واللطافة والاستظراف لدى السواد الأعظم في مجتمعاتنا: «الحظر بقاله أسبوع وأبويا طلق أمي خمس مرات مع إننا مسيحيين». هذه النكتة السخيفة التي راجت على صفحات التواصل الاجتماعي المصرية والعربية، والتي لا تصنف إلا باعتبارها عنفا منزليا، على الأقل من وجهة النظر الغربية، فكانت مادة للضحك والاستخفاف بمشاعر النساء اللاتي عليهن تحمل «التوتر العصبي» للرجال، حيث أنهم لم يعتادوا على المكوث في المنزل مددا طويلة.
العديد من الرجال في مجتمعاتنا صرحوا بأن الحظر المنزلي كان فرصة ليروا بأم أعينهم الجهد المضاعف الذي تبذله نساؤهم في البيت، ولكن لم يخبرنا أغلبهم عن محاولات للمساعدة أو تقليل هذه الأعباء، إلا أنهم، وإحقاقا للحق، علقوا بجمل من قبيل: «لا والله شغل البيت طلع متعب أكتر من إن الواحد يروح الشغل ويرجع». كثر الله خيرهم.
هذا بخلاف تحدث هذه المنظمات عن التهديد الذي قد يلحق «بحق الإجهاض!» ولا أدري هل تعلم هذه المنظمات عن العيادات «تحت السلم» أو الوسائل البدائية التي تلجأ لها النساء لإجهاض الأجنة لأي سبب من الأسباب، أو عن الأطفال الذين يتم إلقاؤهم في المزابل، ولا يطال الأم سوى السباب واللعن من كل أطياف مجتمع أجبرها على الاحتفاظ بالحمل، وحاسبها على الحمل من الأساس دون أن يحاسب الرجل.
بل إن أحد هذه التقارير تحدث عن غلق المدارس وتلقي الأطفال دروسهم في المنزل، واعتبر التقرير أن هذا قد يؤثر سلبا على حق المرأة في التعليم، ولا يعلم التقرير أن هناك مناطق من العالم تحرم بناتهن التعليم، أو ربما تفرض عليهن ارتداء الحجاب وهن في سن الثامنة كشرط للسماح لهن بتلقي العلم في المدارس، في انتهاك صارخ لطفولتهن.
يبدو أن فيروس الكورونا كما أزال الفروق بين الطبقات، وبين المناصب، ولم يفرق بين رئيس وزراء دولة من العالم الاول وبائع خضروات في قرية نائية في العالم الثالث، يساعد كذلك على لفت أنظار المجتمع الأول للوضع المزري الذي تعاني منه النساء في العالم الثالث، حيث يصف، دون قصد، الفارق بين وضع المرأة في العالمين.
نعم، نحن نقبع خارج التاريخ، وبالرغم من المرض والموت والألم والرعب والفزع والخوف الذي يسببه هذا الوباء الذي نسأل الله أن يرفعه عنا، فربما هناك عنصر إيجابي، هو أنه سيحيي جانب التضامن الإنساني الحقيقي. لعقود طويلة، ظل العالم الأول ينظر إلينا نظرة العطف والإحسان، فهم اليد العليا ونحن اليد السفلى، نحن من نتسول منهم المعونة، ونتعلم منهم العلم، وهم يقومون بتلقيننا أسباب التحضر.
أما وقد وقعت البشرية في أحلك ظروفها، ويقف التقدم العلمي، والتحضر الاجتماعي، والتطور التكنولوجي عاجزين أمام مخلوق لا يرى بالعين المجردة، وتشعر الإنسانية بالألم والخزي والخوف، فربما يؤدي ذلك إلى تضامن إنساني حقيقي، تتكاتف فيه كل الأعراق والحضارات والأمم ليصنعوا عالما جديدا، لا مكان فيه لعبيد وأسياد.