منوعات

قصة آية (6) يوم ارتجت المدينة لخبر طلاق نساء النبي

خلا النبي يوماً بمارية في بيت حفصة، فلمّا انصرفت مارية دخلت حفصة حجرتها وقالت للنبي: لقد رأيت من كان عندك، يا نبي الله لقد جئت إليّ شيئاً ما جئت إلى أحدٍ من أزواجك في يومي، وفي دوري وفي فراشي، ثم استعبرت باكية، فأخذ الرسول باسترضائها فقال: ألا ترضين أن أحرّمها فلا أقربها؟، قالتبلى، فحرّمها، وقال لها: لا تذكري ذلك لأحدٍ، ورضيت حفصة بذلك، وسعدت ليلتها بقرب النبي حتى إذا أصبحت الغداةَ، لم تستطع على كتمان سرّها، فنبّأت به عائشة، فأنزل الله تعالى قوله الكريم مؤدِّباً لحفصة وعائشة خاصة ولنساء النبي عامة: (وإذْ أسَرَّ النَّبِيُّ إلى بَعْضِ أزْوَاجه حَديثاً، فلمّا نَبّأتْ بِهِ وأظهَرَهُ اللّهُ عليه عَرَّفَ بعضَه وأعْرَض عن بَعْضٍ فلمّا نَبّأهَا بِهِ قالت مَنْ أنْبَأكَ هَذا قال نَبّأنِي العَلِيمُ الخَبيرُ).

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لم يعاصر هذه الواقعة، ولكنه أراد أن يعرف المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله تعالى فيهما: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)، حتى حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول عبد الله: وحججت معه حتى إذا أراد الوضوء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي، قال: عجباً لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة.

 ثم روى له عمر قصة ما جرى فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار، إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك، وقلت لها قد خاب من فعل ذلك منهن، ثم جمعت عليًّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أتغاضب إحداكن النبي اليوم حتى الليل؟، قالت: نعم، فقلت قد خبتِ وخسرتِ، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكي؟، لا تستكثري النبي، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي.

قال عمر: كنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضرباً شديداً وقال: آثمَّ هو؟، ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم، قلت ما هو؟ أجاء غسان؟، قال: لا بل أعظم من ذلك وأهول، طلق النبي نساءه، فقلت: خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، فجمعت عليَّ ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي فدخل النبي مشربة له، واعتزل فيها، ودخلتُ على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: «ما يبكيك ألم أكن حذرتك هذا؟، أطلقكن النبي، قالت لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة، فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي فقلت لغلامٍ له أستأذن لعمر».

ولما دخل عمر أقام يستأنس مع النبي فقال: يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فتبسم النبي ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك، وأحب إلى النبي، (يريد عائشة) فتبسم النبي تبسمة أخرى، فجلست حين رأيتُه تبسم، فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت في بيته شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاث، فقلت يا رسول الله: ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله، فجلس النبي وكان متكئا فقال: «أو في هذا أنت يا ابن الخطاب؟، إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا»، فقلت يا رسول الله استغفر لي.

 اعتزل النبي نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة، عاشت فيها المدينة أياما صعبة حتى جاء الفرج من عند الله، فأنزل آية التخيير حيث خيّر النبي أزواجه بين البقاء أو المفارقة، تقول عائشة: «فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته»، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة.

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock