فن

رحيل إيدير.. الأغنية الأمازيغية المقاومة للإرهاب تفقد سفيرها

استطاع الأمازيغ خاصة أمازيغ المغرب والجزائر الوصول بفنونهم من المحلية إلى العالمية، ويبرز في هذا الصدد الفنان الذي رحل منذ أيام في فرنسا «حميد شريت» المعروف بـ«إيدير» والملقب بسفير الغناء الأمازيغي، الذي نقل هذا الراث من المحلية إلى العالمية وترجمت أغانيه إلى أكثر من خمس وعشرين لغة أجنبية.

رحيل أيقونة الأغنية الأمازيغية «إيدير» بعد صراع مع المرض

من المحلية إلى العالمية

حميد شريت هو ابن الثقافة الشعبية الشفاهية الأمازيغية في الجزائر، وقد استلهم في أغانيه هذا الإرث الذي تشربه منذ نعومة أظافره على يد والدته، مثل أغنية أفافا ينوبا المستوحاة من أسطورة أمازيغية، ألّفها الشاعر القبائلي محمد بن حمادوش، وغنى كذلك أغاني الأمهات للرضع وهى ذائعة الانتشار في الجزائر، ورغم انتماء إيدير إلى منطقة القبائل الأمازيغية التي قامت بعدة هبات من أجل الاعتراف بهويتها الثقافية في الجزائر والمطالبة برد الاعتبار للثقافة واللغة الأمازيغية، ورغم أنه عرف بمواقفه السياسية القوي التي وصلت إلى حد رفض الغناء في بلاده احتجاجا على تهميش الثقافة الأمازيغية وعدم الاعتراف بها من قبل الحكومات المتعددة، إلا إنه كان يحرص دائما على عدم إدخال السياسة ومواقفها بشكل مباشر في فنه وكأنه يرتقي به ليلعب دوره الأهم في حفظ واستمرار التراث الأمازيغي وتجدده، وهو الدور الثقافي الأهم والأبقى على المدى الطويل، والذي يتكامل مع الدور السياسي النضالي المباشر الذي طبع موجة الغناء المازيغي على وجه العموم.

أغنية «أفافا ينوفا» المستوحاة من أسطورة أمازيغية

الجبهة الأخرى: مواجهة التشدد والإرهاب

‎فقد العديد من فناني الأمازيغ أرواحهم النبيلة على يد إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة التي طالما اعتبرت الفن خطرا على مشروعها الثقافي والسياسي المتشدد والرافض للتنوع الثقافي، فطوال 14 عامًا صعبة ظلوا يدافعون عن هويتهم، وقد كان الفن الأمازيغي سلاحهم في وجه الإرهاب، فيما يعرف بالعشرية السوداء.

‎ويعد الغناء القبائلي فن نضالي، فالنسبة الغالبة من غنائهم ذات طابع سياسي. ومن أشهر فنانيهم الذين ضحوا بحياتهم على يد الإرهاب الفنان «معطوب لوناس» الذي يعد واحدًا من أشهر المغنين والموسيقيين الأمازيغ والذي عرف بنضاله من أجل القضية الأمازيغية وكذلك من أجل العلمانية والمواطنة وحق التنوع الثقافي في الجزائر. وقد قاتل لوناس بفنه على  جبهتين: الجبهة  السياسية ضد الرافضين لإعطاء الحقوق الثقافية للأمازيغ والجبهة الثانية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي رفضت أفكاره العلمانية والتقدمية. وخلال هذه الفترة تعرض لوناس لعدة محاولات للاغتيال، وعرف بين أنصاره بـ«جيفارا»، إلى أن وقع اغتياله بطريقة بشعة عام 1998، حيث اختطف في البدء ثم تم الإفراج عنه، ليقتل أمام أهل بيته بـ 78 رصاصة استقرت في جسده. 

الأغنية التي قتلت «معطوب لوناس» على يد الإرهاب

‎وممن نالتهم أيضًا يد الغدر في العشرية السوداء الشاب «حسني» أسطورة فن الراي وعندليبه الذي اغتيل عام 1994 بعد أن حقق شعبية جارفة عالميا وهو بعمر الـ26.

طال غيابك يا غزالي. أشهر أغاني الحب للشاب حسني

«الكلمة» في الأغنية الأمازيغية

‎تختلف موضوعات الأغاني الأمازيغية وتتنوع من منطقة إلى أخرى من مناطق المغرب العربي، فبينما يغلب الطابع السياسي المطالب بحقوق الأمازيغ الجزائر وخاصة في منطقة القبائل الجزائرية بحيث يطغى على التباينات المحلية، يظهر التنوع أكثر جلاء في المغرب حيث تنقسم الأغاني الأمازيغية المغربية على حسب اللهجات الأمازيغية الموجودة هناك، فهناك اللهجة «التريفيت» نسبة للريف، في شمال المغرب، وهناك «تشحليت» بالأطلس، وسط المغرب، و«تسوسيت» في سوس جنوب المغرب، خاصة في مناطق «الريفية، والسوسية، والشلحية».

 أما أشهر المغنين الأمازيغ في المغرب فهو الفنان «محمد رويشه» الذي توفي 2012 ومن أشهر أغانيه «اناس اناس» والتي غناها المطرب المصري «حمزة نمرة». اشتهر الرويشه بالعزف على آلة الوتر، وهي آلة نشأت في بلاد المغرب العربي وتعود أصولها إلى الأمازيغ أيضا، وتتكون من خشب شجر الأرز وجلد الماعز المدبوغ والأوتار المصنوعة من الأمعاء الرقيقة للجدي وتسمى الراغور أي الأوتار.

«اناس اناس» أشهر أغاني «محمد رويشه» والتي غناها المطرب المصري «حمزة نمرة»

الهجرة والحب والظلم

‎التيمات الثلاث الرئيسة في الأغاني الأمازيغية هى «الهجرة، والحب، والظلم»، وفي عهد الاستعمار الفرنسي كانت تغلب المواضيع التي تتعلق بمقاومة الاحتلال. تنتشر أغاني «الهجرة» في منطقة «الريف» في المغرب، حيث كان سكان «الريف» من أوائل المغاربة الذين هاجروا إلى أوروبا، وتشير إحصائيات إلى وجود نحو 2 مليون أمازيغي مغاربي في فرنسا وأن نحو 67% من المغاربة في أوروبا تعود أصولهم إلى شمال المغرب الذي يضم منطقة الريف.

‎أما أغاني الأمازيغ في وسط المغرب وما يعرفون بـ«الشلح» فإن أغلب أغانيهم تتركز حول الحب والظلم الاجتماعي نظرا للفقر والتهميش، وطغيان أصحاب النفوذ عليهم.

‎وتزيد في أغاني الأمازيغ جنوب المغرب «السوس» مواضيع الإقصاء والشعور بالظلم، والحنين إلى الأحباب حيث أن أغلب رجال هذه المناطق يعملون في المدن الكبرى المغربية، ما يجعلهم يتركون أسرهم لعام كامل، كما أن الأغاني الأمازيغية تتناول جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية التي يعيشها الأمازيغ وتعبر عن كل احتياجاتهم في الحياة من عادات وتقاليد، فهي كأي فن شعبي وجد في العالم تجده ملتصقا بقضايا المهمشين وهمومهم، ويعبر عن طموحاتهم وتطلعاتهم إلى حياة أفضل.

أغنية من التراث الأمازيغي

آلات ورقصات تراثية

‎تختلف الآلات الموسيقية المستعملة في الأغاني الأمازيغية، وأشهرها الدندلة والعود والكمان، وتتغير هذه الأدوات من فنان إلى آخر حسب ما يجيد من عزف على الآلات الفنية المحلية التراثية المختلفة، والتي يتم تطويرها – مع الحفاظ على الأصل – كي تلائم أذواق الشباب، كما أنه تم إدخال أدوات عصرية جديدة على هذا الغناء مثل الجتيار.. ومن أشهر الطقوس الأمازيغية في الرقص، رقصة «أحواش»، وعادة ما تقام سهرات فنية في المناطق الأمازيغية، وفي غالبية القرى الأمازيغية على سبيل المثال في الأطلس يعرضون في أعراسهم وأعيادهم فرق لرقصة «الأحيدوس» التي لها طقوسها الخاصة في اللباس والتزين بالخناجر ولها قائد يضبط إيقاع حركات فرقته.

رقصة «أحواش» لفرقة سوس ماسة

‎حتى الآن ليست هناك دراسات كافية تكشف سبر وأنواع ومواضيع وأشكال الأغاني الأمازيغية مما يجعلها بابًا خصبًا للدراسات الأكاديمية البحثية حول الفنون الشعبية التي عرف فنانو الأمازيغ بها الطريق إلى العالمية وقدموا إرثًا حضاريًا كبيرا يتغنى بألحانه وكلماته العالم الآن، ويحتفي به وبكل فنانيه، مؤكدين على صدق مقولة «أن الإغراق في المحلية هو طريق العالمية».

حضور أمازيغي في مصر

هذا و يشارك المصريون في التراث الفني الأمازيغي – ولو بجزء ضئيل – حيث يتواجد الأمازيغ في واحة «سيوة» ولايزالون يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم، وهناك أيضا «تجمع قبائل هوارة» في محافظة قنا. كان الأمازيغ قد وصلوا إلى حكم مصر في العصور المصرية القديمة مما يعرف بالدولة الحديثة، فقد أسسوا الأسرة الثانية والعشرين والأسرة الثالثة والعشرين والرابعة العشرين وظل حكمهم لمصر لأكثر من 200 سنة، فقد كانت بداية مجيئهم على يد الملك رمسيس الثالث، وجاءوا إلى مصر مرة أخرى مع الدولة الفاطمية ودخول الجوهر الصقلي وتأسيسه لخلافته في القاهرة، ويبلغ عددهم في مصر الآن نحو 45 ألفا، أما عن النسبة الكبرى من الأمازيغ فتعيش في المغرب ويقدر عددها بنحو 14 مليون، وفي الجزائر من 9: 13 مليون، وفي ليبيا نصف مليون وفي تونس 90 ألفا.

الأمازيغ في مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock