منوعات

قصة آية (13) حين أسر المسلمون العباس بن عبد المطلب عم الرسول وصديقه

جمعت الصداقة مع القرابة بين الرسول  وعمه العباس بن عبد المطلب، فقد كانا متقاربيْن في العمر، فلم يكن يفصل بينهما سوى سنتين أو ثلاث سنوات تزيد في عمر العباس، إلى جانب خلق العباس وسجاياه التي أحبها الرسول الكريم، فقد كان وَصُولاً للرحم والأهل، لا يضن عليهم بجهد ولا مال، وكان فطناً، وذا مكانة مرموقة في قريش.

في بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار، المكون من ثلاثة وسبعين رجلاً وسيدتين، ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع الرسول على الهجرة إلى المدينة، أبلغ الرسول نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس، فلما اجتمعوا كان العباس أول المتحدثين فقال: (يا معشر الخزرج، إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزٍ ومنعة من قومه وبلده).

أسير «بدر»

في غزوة بدر رأت قريش الفرصة سانحة لاختبار العباس وصدق نواياه، فدفعته إلى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها، والتقى الجمعان ببدر وحمي القتال، ونادى النبي في أصحابه فقال: (إني قد عرفت أن أناساً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً منهم، أي من بني هاشم، فلا يقتله، ومن لقي البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرَهاً)، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس؟، والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف، فبلغت رسول الله فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص[1]،أيُضرب وجهُ عم رسول الله بالسيف؟)، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه (يقصد أبا حذيفة)، فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك: والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت، ولا أزال خائفاً منها إلا أن يكفَّرها الله تعالى عني بشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً، رضي الله عنه.

وأُسر العباس يوم بدر، وكان أكثر الأسرى فداء، وذلك أنه كان رجلاً موسراً، فافتدى نفسه بمئة أوقية ذهباً، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك: أن رجالاً من الأنصار قالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه، قال: (لا والله لا تذرون منه درهماً)، وبعثت قريش إلى رسول الله في فداء أسراها، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا، وقال العباس: يا رسول الله قد كنت مسلماً، فقال رسول الله: (الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك، وأما ظاهرك فقد كان علينا، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل، وحليفك عتبة بن عمرو) قال: ما ذاك عندي يا رسول الله. قال: (فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل؟ فقلتَ لها إن أُصِبْتُ في سفري هذا، فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم؟). قال: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مالٍ كان معي، فقال رسول الله: «لا، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك»، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه، فأنزل الله عز وجل فيه:«يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

كان للعباس رضي الله عنه منزلة عظيمة عند الرسول، وكان الصحابة يعترفون له بفضله ويشاورونه، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله يُجِّل أحداً ما يجل العباس أو يكرم العباس، وكان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان رضي الله عنهما وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما إجلالاً لعم رسول الله.

[1]   قال عمر: والله إنه لأول يوم كنًّاني فيه رسول الله ﷺ أبا حفص.

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock