تتجه جميع المؤشرات الحالية –بعد شهور من انتشار فيروس كورونا- نحو ما يعرف بـ«الحياة العادية الجديدة»، حيث يجب على الجميع الآن أن ينسوا نمط الحياة الذي كان عاديًا حتى العام الماضي، ليتأقلموا على ما سيصبح عاديًا بدءًا من هذا العام، وفي ظل هذه العملية من إعادة تعريف السوق ومتطلبات الناس والهياكل الاقتصادية التي تقوم عليها دول بأكملها، لن يتغير فقط مكان العمل، وإنما طبيعته، وآلياته، وحتى المهارات المطلوبة في الواقع الجديد، وهو ما يعني أن الملايين سيفقدون وظائفهم، وآلاف الشركات ستنهار، حتى يعاد ترتيب المشهد من جديد بعد ما لا يقل عن سنة من الآن بحسب التوقعات.
العمل الحر.. من المنزل
يتجه العديد من الناس نحو سوق العمل الحر لإيجاد بديل أو حتى عمل إضافي، ولا يتطلب الأمر شهادة عليا أو قدرات تكنولوجية خاصة، حيث بات بإمكان ربة المنزل الآن أن تبدأ مشروعها الخاص من خلال إعداد الوجبات المنزلية، وهي منتجات مازالت مطلوبة رغم انتشار فيروس كورونا، لرغبة الناس في الابتعاد عن الوجبات السريعة، أما عن الدعاية فتتم بشكل بسيط جدًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بنشر صور حية للأكل قبل توزيعه، أو مشاركة آراء العملاء في الطعام، وهي تقنيات ناجحة -حتى ولو على نطاق ضيق- لتوفير دعم مادي مناسب.
مشروع بيع أكل بيتي على الإنترنت
لكن مشكلة المشروعات الصغيرة أنها غير مستدامة، وذلك بسبب عدم القدرة على إدارة الجوانب الدعائية واللوجستية والتسويقية، ولكن هناك حلولا طرحتها التكنولوجيا، فمن يرغب في بدء مشروع بيع الطعام المعد بالمنزل –على سبيل المثال- دون خبرة في تلك الأمور، سوف يجد مشروعا مصريا قائما بالفعل منذ عام 2016 اسمه «مَمْ» يفتح الباب لكل من يجيد طهي الطعام بمختلف أنواعه، ويرغب في العمل بشكل حر من خلال موقع إلكتروني، حيث يحدد من يرغب في الانضمام أيام العمل المناسبة له، ويقوم فريق الموقع بالمتابعة والتأكد من نظافة الطعام وتغليفه وتوصيله للعملاء، سواء كان مطبوخا أو مجمدا، بشكل آمن وبأسعار مناسبة، وتكمن أهمية تلك المواقع والتطبيقات في الربط ما بين أصحاب المهارات والعملاء لتحقيق الربح لكل الأطراف.
الإنترنت.. حلقة وصل
النموذج السابق ذاته الذي أشرنا إليه متكرر في تطبيقات أخرى تضم مختلف الوظائف، حيث هناك أكثر من تطبيق يستقطب الفنيين وأصحاب الحرف بشكل أكثر تنظيمًا وإبداعًا، وقد وفر أحد تلك التطبيقات –تماشيًا مع انتشار فيروس كورونا- خدمة أن يتواصل العميل مع الفني بالفيديو، من خلال توضيح الفني للتعليمات المطلوبة لإصلاح العطل الموجود، دون أن يكون هناك زيارة منزلية أصلًا، وبالمثل صار مدربو الصالات الرياضية يواصلون عملهم من خلال مكالمات الفيديو، وحتى أصبحت بعض الخدمات الطبية تجرى أحيانا عبر الهاتف فقط.
يتوقع معظم أصحاب الأعمال الحرة في دول مختلفة أن الطلب على خدماتهم سيزداد مستقبلا
العامل الرئيسي في كل تلك الفرص -التي لم تكن متاحة سابقًا- هو الإنترنت، وفكرة العمل الحر سواء من المنزل أو خارجه ليست جديدة، ولكنها كانت ربما مقصورة على الفئات ذات التعليم العالي، أو الوظائف المتعلقة بالكتابة والترجمة وإدارة الصفحات والمواقع والتسويق وغيرها، أما الآن فأصبح هناك مساحات جديدة للجميع يمكنهم فيها العمل بشكل مستقل تمامًا أو في ظل تطبيق أو موقع إلكتروني، فكل ما يحتاجه الأمر وجود اتصال بالإنترنت، وهاتف ذكي، مع قليل من الوعي بوجود العديد من الفرص المتاحة على الإنترنت.
https://youtu.be/Z5Q115dVESU
لا ثوابت سوى التغيير
بشكل عام اعتاد الناس على الوظائف الثابتة، والطرق التقليدية في البحث عن الوظائف الحرة، ولكن الآن لم يعد هناك ثابت وإنما التغيير هو الثابت، فحتى كبرى الشركات استغنت عن العديد من موظفيها، أو خفضت أجورهم بسبب الأزمة، ما سيدفع العديد من الناس إلى البحث عن سبل أخرى للعيش، سواء من خلال مهارة حرفية أو قدرة ذهنية أو حتى هواية يمكن أن تدعم أسرهم، وعلى الجانب الآخر تغيرت العادات الشرائية للمستهلكين، سواء في نوعية المنتجات أوآليات الشراء نفسها، حيث ارتفعت التجارة الإلكترونية بشكل ملحوظ بعد انتشار فيروس كورونا، وهو ما يعني أنه بدلًا من طلب فني الصيانة أوالوجبة المعدة بالمنزل أو حتى التمارين الرياضية بشكل مباشر، سوف يتجه الناس إلى طلبهم أونلاين.
يتوقع الخبراء تزايد أعداد أصحاب الأعمال الحرة في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة كبيرة خلال السنوات القادمة وفقًا لبيانات موقع ستاتيستا
يتعلم الناس خلال الأزمة الحالية طرقًا جديدة في المعيشة، وأهم الدروس المستفادة والتي سيطبقها الجميع أثناء وحتى بعد انتهاء هذه الفترة الصعبة، هو أن التعاملات الإلكترونية لم تعد رفاهية وإنما ضرورة، ليس فقط بسبب المخاوف الصحية من الاختلاط، وإنما أيضًا لما توفره من حلول ذكية وسهلة وسريعة، وسوف يشمل هذا جميع الفئات الاجتماعية، حيث يمكن لربة المنزل والطبيب وفني الصيانة أن يجدوا لأنفسهم موطأ قدم في عالم يمكن أن يكون جديدا عليهم، ولكنه سيقدم لهم فرصًا وخيارات أفضل لإيجاد عملاء وتقديم خدماتهم وفق إطار يحفظ حقوق الطرفين، وبالتالي في الحياة العادية الجديدة سوف يكون التعامل الجيد مع التكنولوجيا من المقومات التي لا غنى عنها للتأقلم على واقع جديد مازلنا نتعرف عليه حتى الآن.
مراجع إضافية للقراءة على هذا الموضوع: