منوعات

قصة آية (20) أُبي بن كعب.. أول الكتاب وسيد القراء

الصحابي الجليل أبيّ بن كعب الأنصاري الخزرجي، وله كنيتان: (أبو المنذر) كناه بها النبي ﷺ، و(أبو الطفيل) كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل، وأمه صهيلة بنت النجار وهي عمة أبي طلحة الأنصاري، وكان أُبيّ أبيض الرأس واللحية لا يخضب، وقد بلغ من المسلمين الأوائل منزلة رفيعة، ومكاناً عالياً، حتى لقد قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما: «أبيّ سيّد المسلمين».

نشأ أبي بن كعب في يثرب متفكراً في الكون من حوله، ولم تجب الكتب القديمة التي اطلع عليها على تساؤلاته ولم تهدأ حيرته، وفي إحدى الليالي خرج يطوف بديار المدينة، فسمع حواراً في دار سعد بن الربيع عن الإسلام ونبيه ﷺ وعلم أن مصعب بن عمير أتى سفيراً ليعلم الناس الإسلام، فما أن سمع الحوار حتى طرق الباب على سعد رضي الله عنه وأعلن إسلامه ليحظى بالسفر إلى مكة ليشهد بيعة العقبة، وعندما هاجر الرسول ﷺ إلى المدينة آخى النبي بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.

سأله رسول الله ﷺ يوماً فقال: يا أبا المنذر، أي آية من كتاب الله أعظم؟، فأجاب أبي بن كعب قائلاً: الله ورسوله أعلم، وأعاد النبي ﷺ سؤاله: يا أبا المنذر، أي آية من كتاب الله أعظم؟، وأجاب أبيّ: «اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، فضرب رسول الله ﷺ صدره بيده، وقال له والغبطة تتألق على محيّاه: ليهنك العلم أبا المنذر[1].

أبو المنذر الذي هنأه رسول الله ﷺ بما أنعم الله عليه من علم وفهم وقد أكد منزلته الرفيعة رسول الله ﷺ حين قال له: يا أبيّ بن كعب، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن، ولا شك كانت مفاجأة سارة لأبي المنذر، فسأل النبي ﷺ وهو لا يكاد يصدق فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، وهل ذُكرت لك باسمي؟، فأجاب الرسول ﷺ: نعم، باسمك، ونسبك، في الملأ الأعلى».

وروى الإمام أحمد بسنده عن أبي هريرة، عن أبي بن كعب قال: «قال رسول الله: «ألا أعلمك سورة ما أنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؟» قلت: بلى، قال: «فإني أرجو أن لا أخرج من ذلك الباب حتى تعلمها، ثم قام رسول الله فقمت معه، فأخذ بيدي فجعل يحدثني حتى بلغ قرب الباب»، قال: فذكّرته فقلت: يا رسول الله، السورة التي قلت لي، قال: «فكيف تقرأ إذا قمت تصلي؟، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: هي، هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه».

وكان أبيّ بن كعب في مقدمة الذين يكتبون الوحي، ويكتبون الرسائل، وكان متفوقاً في حفظه القرآن الكريم، وترتيله، وفهمه آياته، فكان سيد القراء، وأحد الذين أوصى الرسول ﷺ بأخذ القرآن عنهم، وهو أول من كتب الوحي بين يدي النبي ﷺ في المدينة، وجمع القرآن على عهد الرسول، وكان رأساً في العلم والعمل ومن فقهاء الصحابة وأكثرهم تفسيراً لكتاب الله تعالى، وهو عميد قرّاء الصحابة، روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «قَالَ النَّبِيُّ لأُبَيٍّ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، قَالَ: وَسَمَّانِي؟، قَالَ: نَعَمْ، فَبَكَى».

كان أبي ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله، ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: «سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد رضي الله عنهم جميعًا»، وقد شهد له الرسول بأنه أقرأ الأمة، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرأهم لكتاب الله أُبيّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.

وأسند إليه الرسول ﷺ مهمة تعليم الوفود القرآن وتفقيهها في الدين، وكان النبي إذا غاب عن المدينة يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة، كما كان واحداً من الستة أصحاب الفتيا الذين أذن لهم الرسول بالحكم في حوائج الناس، وفض المنازعات التي تحدث بينهم، ورد المظالم إلى أهلها.

وكان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجله ويستفتيه في النوازل والقضايا، وأمره أن يجمع الناس، فيصلي بهم في المسجد صلاة التراويح في رمضان، وقبلها كان يصلي كل مسلم وحده، وخطب عمر بالجابية فقال: «أيها الناس من كان يريد أن يسأل عن القرآن فليأت أبى بن كعب»، وقال عنه «أبيّ سيد المسلمين».

وكان أبي رضي الله عنه مستجاب الدعوة، فيحكى ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجمع من الصحابة: أخرجوا بنا إلى أرض قومنا. فكان ابن عباس مع أبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة، فدعا أبي قائلاً: اللهم اصرف عنا أذاها. فلحق ابن عباس وأبي الناس، فوجدوا أن رحالهم ابتلت: فقال عمر: ما أصابكما؟ «أي: كيف لم تبل رحالكما؟» فقال ابن عباس: إن أبيا قال: اللهم اصرف عنا أذاها. فقال عمر: فهلا دعوتم لنا معكم.

[1] أي هنيئاً لك العلم.

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock