نقلا عن: جريدة عُمان
في 28 أبريل نشرت منظمة العمل الدولى على موقعها النسخة الكاملة من إصدارها الثالث، لنشرة «راصد منظمة العمل الدولية: كوفيد 19 وعالم العمل». كان إصدار «الراصد» الأول قد نشر فى 18 مارس، ثم تلاه الإصدار الثانى فى 7 أبريل، ثم جاء الثالث ليضع بين أيدينا آخر تقديرات المنظمة وأكثرها شمولا، لتأثير جائحة كورونا على أوضاع العمل في العالم. فما الذى تخبرنا به الوثيقة الأخيرة؟
يخبرنا التقرير أنه حتى الأول من أبريل، كانت نسبة العاملين داخل البلدان التي بها مواقع عمل مغلقة، تصل إلى 81%من إجمالي العاملين فى العالم. ويميز التقرير بين نمطين من أماكن العمل، أماكن صدرت لها اوامر إغلاق وأخرى وُجهت لها توصيات بالإغلاق. ولانجد فيه تعريفاً إجرائياً للفارق بينهما، وبالتالى ليس لدينا سوي الدلالة المباشرة للكلمات، أى إغلاق إكراهى وإغلاق اختيارى. و فى تناولها للتقرير ترجمت بى بى سى المعنى باماكن مغلقة كلية أو جزئيا، وهو مايمنحنا أحد أبعاد الفارق بينهما. ورغم تضاعف الإصابات فى 22 أبريل لتصل إلى 2,6 مليون، وتزايد الوفيات ثلاثة اضعاف لتصل 180,000، أنخفضت نسبة العاملين منإجمالى العاملين فى العالم داخل بلدان الاغلاق الكلى أو الجزئى إلى 68% مع نجاح الصين فى الخروج من عاصفة الكورونا. وتعبر تلك النسبة عن 2259 مليون عامل، وإلي جوارهم تحتوى نفس البلدان 71 مليونا من أصحاب الاعمال يشكلون 82% من اقرانهم فى العالم، و740 مليونا من العاملين لحسابهم الشخصى يشكلون 66% من أقرانهم فى العالم. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن تلك الأرقام بنسبها المئوية، لاتعبر عن المندمجين فعليا فى عمليات الإغلاق بشكليها، بل عن حجم قوي مندمجه فى عملية الانتاج قابله للتأثر بعمليات الإغلاق وفقا لحدود تلك العمليات وضوابطها.
ويمنحنا التقرير مفتاحاً نسبياً لرصد حجم هذا التأثر عبر تقديره لحجم الفاقد فى ساعات العمل بفعل الإغلاق. يقدر التقرير انخفاض ساعات العمل فى الربع الأول من العام بنسبة 4,5%، بالمقارنه بساعات العمل فى الربع الأخير من 2019، وبافتراض أن عدد ساعات العمل كامل الساعات فى الأسبوع 48 ساعة. وينبه إلى أنه تقدير لا يتسم بالموثوقية لضعف بيانات بعض البلدان وغيابها كليا لبلدان أخرى. ويخبرنا انه بتحويل تلك النسبة إلى ساعات عمل وظائف كاملة الساعات سوف تعادل 130 مليون وظيفة. ويسجل التقرير تفاوت نسبة الانخفاض بين مناطق العالم، فهي ترتفع فى آسيا والباسفيكى إلى 6,5%، وتواصل الارتفاع في شرق آسيا إلي 11,6%، لكنها فى كل مناطق العالم الأخرى كانت أقل من 2%. ومن المتوقع ارتفاع نسبة الانخفاض إلى 10,5% فى الربع الثانى من العام، وهو مايساوى 350 مليون وظيفة مكتملة الساعات. وسوف يصل التراجع أعلى نسبه فى الأمريكتين 12,4%، وأدنى نسبة فى أفريقيا 9,6%، وسيصل فى المنطقة العربية 10,3%. كما سيتفاوت التراجع وفقا لمستوى الدخل، فيصل أعلى نسبة 12,5% فى بلدان الدخل المتوسط المنخفض، وأدنى نسبة 8,8% فى بلدان الدخل المنخفض.
ويصنف التقرير مشاريع الملاك المستخدمين لآخرين والعاملين لحسابهم الشخصى على أربع مستويات للمخاطر: عالية ومتوسطة ومنخفضة. تتواجد المشاريع عالية المخاطر فى اربع قطاعات يعمل بها 47 مليون مالك مستخدم و 389 مليون عامل لحسابه الخاص، وتتواجد المشاريع متوسطة المخاطر فى أربع قطاعات يعمل بها 19 مليون مالك مستخدم و139 مليون عامل لحسابه الخاص، وتتواجد المشاريع منخفضة المخاطر فى خمس قطاعات يعمل بها 24 مليون مالك مستخدم و491 مليون عامل لحسابه الخاص. ولكن التقرير يركز تحليله على الفئة الأولى عالية المخاطر. سنجد المشاريع عالية المخاطر فى القطاعات التى تلقت اقسى ضربات الجائحة، وهى تجارة الجملة والتجزئة والتصنيع وخدمات الضيافة والطعام وانشطة العقارات والمشاريع الاقتصادية، والتى تنتج 30 %من الدخل المحلى العالمى. ويصل اجمالى مشاريع الملاك والعاملون لحسابهم عالية المخاطر إلى436 مليون مشروعاً، يعمل نصفهم تقريبا فى تجارة الجملة والتجزئة أى أكثر القطاعات تضرراً، وإلى جوارهم هناك 111 مليون مشروع فى التصنيع و42 مليون مشروع فى مجالى العقارات والمشاريع الاقتصادية يواجهون ظروفا مفرطة الصعوبة. ويضاعف من المخاطر التى تواجهها تلك القطاعات الاربعة، سيطرة الملكية الصغيرة على بعضها بضعف قدرتها على مواجهة الضغوط. وتشكل المشاريع الصغيرة والعاملون لحسابهم الخاص 70% من تجارة التجزئة العالمية، وحوالى 60% من العمالة العالمية فى قطاع خدمات الضيافة والطعام.
ويعاود التقرير النظر إلى الموضوع السابق من منظور القطاع غير الرسمى. يقدر عدد العاملين فى القطاع غير الرسمى في العالم بحوالى 2 بليون، ويذكر أنه فى 22 ابريل كان عددهم فى ظل حالات الإ غلاق الكامل 1,08 بليون والإغلاق الجزئى 304 مليون، اى ما يساوى 67% من عمالة القطاع. وإذا أخذنا فى الاعتبار عوامل وضع العمالة وحجم المشروع إلى جوار مستويات واجراءات الإغلاق، سيرتفع عدد عمالة القطاع غير الرسمى المتأثرة بسياقات الجائحة إلى 1,6 بليون عامل، أى 76% من عمالة القطاع العالمية.ويقدر التقرير أن العاملين فى القطاع قد حلت بهم خسائر فادحة. وهكذا يخبرنا أنه خلال الشهر الأول من الازمة هبط دخلهم 60% على المستوى العالمى مع تفاوت فيما بينهم تبعا لمستوى دخل البلدان.
قفزت النسبة فى بلدان الدخل المتوسط المنخفض إلى 82%، وانخفضت قليلا فى بلدان الدخل المرتفع إلى 76%، وتراجعت بقوة فى بلدان الدخل المتوسط العالى إلى 28%. ثم يقدم تقديراً محتملاً لتأثر الجائحة علي تحولات نسب الفقر النسبى داخل العاملين فى القطاع خلال شهر الجائحة الأول. كانت نسبة الفقر العالمية داخلهم قبل الجائحة 26%، ويقدر وصولها خلال الشهر الأول إلى 59%. وتتفاوت نسب الارتفاع المحتملة وفقا لمستوى دخل البلدان. من المقدر انها فى بلدان الدخل العالى سترتفع من 28% إلى 80%، ومن 26% إلى 47% فى بلدان الدخل المتوسط العالى، ومن 18% إلى74% فى بلدان الدخل المتوسط المنخفض.
ويطرح التقرير فى الجزء الاخير منه توصياته لسبل التخفيف من وقع الازمة على القوى العاملة والخروج والتعافى منها عبر عدة مقترحات منفصله، لايتسم طرحها بتنظيم هيكلى محكم ويشوبها تكرار يعيق الامساك بعناصرها الاساسية، وبالتالى سنطرحها هنا عبر نوع من إعادة التركيب الذاتى بين عناصرها.
تشدد المقترحات على ضرورة منح الأولوية للحركة فى إتجاة الأفراد والشركات والمشاريع الأكثر هشاشة. وتنطبق تلك الصفة على العاملين الذين فقدوا وظائفهم و المهددين بفقدانها أو الذين تراجعت دخولهم تراجعا كبيراً، والشركات والمشاريع التى تأثرت بالإغلاقات وتراكمت عليها الديون وأوقفت عمل عمالها أوفى طريقها للاستغناء تماما عنهم واضحت مهددة بالإفلاس. تتواجد هذة الفئة بأعداد ضخمة أوردناها اعلاه بالتحديد داخل القطاع غير الرسمى، وتكتسب ثقلا كبيراً فى قطاعات تجارة التجزئة وخدمات الضيافة والطعام، ويطالب التقرير بنجدتها عبر قنوات الإعانات والدعم المالى والرعاية الصحية للأفراد، والقروض والإعفاء الضريبى وإعادة ترتيب الديون والدعم المباشر للسيولة المالية وتحمل جزء من أجور العمال النسبة للشركات. ويشدد هنا على ضرورة سرعة ومرونة وبساطة وتكيفية الاجراءات، والعمل على توظيف القنوات القديمة مثل الإعانات وبرامج الأمن الاجتماعى والقنوات المصرفية.
ثم تطالب المقترحات باطلاق برامج للدعم الهيكلى للاقتصاد على المدى المتوسط والطويل، من خلال تعبئة التمويل عبر قنوات التعاون الدولى وعلى الاخص بالنسبة للدول الفقيرة، وسياسات تحفيز العرض عبر الاعفاء الضريبى وجدولة الديون وتوفير السيولة، وتحفيز الطلب عبر الاعانات والدعم المباشر لاستمرارية الوظائف، واعادة هيكلة الانفاق العام فى اتجاة تكثيف الإنفاق الاجتماعى والصحى، والاستثمار فى الصناعات كثيفة العمالة، و تنمية المشاريع المتوسطة والصغيرة.
ثم تنتقل المقترحات إلى ماتدعوه «حماية العمال فى أماكن العمل»، فتوصى بتقوية اجراءات امن وسلامة العمل، وتبنى ترتيبات العمل الجديدة مثل العمل عن بعد، ودعم مشاريع الرعاية الصحية، ومناهضة التمييز والإقصاء، وتوسيع نطاق الحصول على الأجازات مدفوعة الاجر.
وفى النهاية تشدد المقترحات على ضرورة «الاعتماد على الحوار الجماعى للوصول إلى حل»، من خلال العمل على توفير اوسع مادة إعلامية حول إجراءات الإحتواء واستراتيجيات الخروج، واعتماد الحوار الاجتماعى كأسلوب اساسى من أساليب تشكيل وتنفيذ سياسات الاحتواء والتخطى ضمانا لتمثيل كل الاراء وتعاون الجميع، وفى النهاية تنمية قدرة ومرونة تنظيمات العمال والملاك.