ياسمين لورش – زميل باحث في «المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA)
حاتم شقرون – باحث في «المرصد التونسي للتحول الديمقراطي» (OTTD)
عرض وترجمة: أحمد بركات
أجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس في عام 2019 وسط مشاعر من خيبة الأمل السياسية المتفاقمة والإحباط الاقتصادي المرير. فقد فشل إسقاط نظام بن علي -من خلال ثورة شعبية- في تحسين الأوضاع السوسيو اقتصادية للطبقات المهمشة، وظل الفساد متفشيا في أوصال الدولة التونسية، بينما حالت التسوية التي توصل إليها حزبا «النهضة» الإسلامي و «نداء تونس» العلماني المعارض في عام 2013 دون دخول التحول الديمقراطي في منعطف الفشل إلا أنها سمحت للحزبين الكبيرين – إلى جانب الأحزاب العلمانية المختلفة التي انفصلت عن «نداء تونس» في الفترة بين عامي 2014 و2019 – بترف ترك القضايا الكبرى بالغة التعقيد، من شاكلة العدالة الانتقالية واللامساواة الاجتماعية والفساد، بلا حلول..
تقاطع السلفية والشعبوية.. صعود «ائتلاف الكرامة»
بناء على ذلك الفشل ازدادت حدة المشاعر المعادية للنخب والمؤسسات في الفترة السابقة على انتخابات عام 2019، حيث شعر كثير من التونسيين بأن النهضويين الاسلاميين والنخب السياسية العلمانية كليهما قد خانوا المبادئ التي قامت عليها ثورتهم.
أدى هذا المناخ السياسي والاجتماعي إلى تصاعد أنماط مختلفة من الشعبوية، بما في ذلك الشعبوية الدينية اليمينية التي مثلها «ائتلاف الكرامة»، الذي حصل في الانتخابات البرلمانية 2019 على 21 مقعدا، أي 5.94% من أصوات الناخبين، بما وضعه في الترتيب الرابع في قائمة القوى السياسية الأكثر تمثيلا في مجلس النواب التونسي. كما حصل مرشح الائتلاف، «سيف الدين مخلوف»، المحامي الضالع في الدفاع عن العديد من المقاتلين الإرهابيين المشتبه بهم، أيضا على 4.4% من أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي سبقت الانتخابات البرلمانية..
عودة قيس سعيد ونبيل القروي تثير مخاوف من انتشار «الشعبوية» في تونس
يضم «ائتلاف الكرامة» طيفا واسعا من القوى السياسية شديدة التنوع، بما في ذلك فصيل من حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» العلماني والمحافظ نسبيا في نفس الوقت، وأعضاء سابقون من «حزب النهضة» نفسه، وبقايا «اتحادات حماية الثورة» المنحلة، التي وقعت بقوة تحت نفوذ القوى السلفية قبيل اختفائها من المشهد السياسي، وضمت صحفيين ومدونين مستقلين، إلى جانب قوى سلفية متنوعة مثل فصائل من «حزب جبهة الإصلاح»، وأعضاء من «حزب العدالة والتنمية» السلفي، وبعض شيوخ السلفية، وهو ما جعل «ائتلاف الكرامة» في نهاية المطاف أقرب إلى [التحالف الفضفاض] منه إلى حزب سياسي منظم. وبينما يُعرِّف «الكرامة» نفسه رسميا بأنه حزب «غير مؤدلج»، إلا أن البيانات الصادرة عن ممثليه القياديين تكشف عن خطاب «متشظي لكنه متماسك» يدمج الشعبوية بالأيديولوجيا الدينية المحافظة التي تتقاطع مع السلفية في نواح عديدة.
عركة بين عبير موسي و نواب إئتلاف الكرامة بسبب «التكفير»
سعى «ائتلاف الكرامة» في المقام الأول إلى تقديم نفسه كقوة ثورية تعمل من أجل إنجاز أهداف ثورة 2011 التي لم تنجز. وجدير بالذكر في هذا الخصوص أن كثيرين من الشباب التونسيين الذين انضموا إلى حركة «أنصار الشريعة تونس» قد عرًفوا الثورة بتعبيرات دينية بالأساس. علاوة على ذلك، تبنى ممثلو «الكرامة» القياديون خطابا مناهضا للإمبريالية وللكولونيالية للتأطير لاكتمال الثورة باعتبار هذا الاكتمال وثيق الصلة بإنهاء الهيمنة الفرنسية على السياسة والاقتصاد التونسيين. ففي خضم الحملة الانتخابية للسباق الرئاسي التونسي في عام 2019، هدد المرشح «سيف الدين مخلوف» بإنهاء جميع المعاهدات مع فرنسا حال فوزه، معلنا: «سأزيل كل آثار الاستعمار، وسأطالب فرنسا بتقديم أعتذارها […]. يجب أن يقروا بأنهم بعد سبعين عاما من نهاية الاحتلال لا يزالون يسرقون بلادنا». كما أكد مخلوف: «إننا لسنا مستقلين، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي. هذا ما تسمونه انتم ’نصف استقلال‘، وأسميه انا ’احتلالا.
«سيف الدين مخلوف» يهدد بإنهاء جميع المعاهدات مع فرنسا حال فوزه
عول «الكرامة» أيضا – فيما يتعلق بخط الهجوم المناهض للإمبريالية – على نظرية المؤامرة. على سبيل المثال، في أثناء الحملة الانتخابية في عام 2019، أعلن «مخلوف» أنه سيكشف «الحقيقة» كاملة بشأن اغتيال كل من «شكري بلعيد» و«محمد الإبراهيمي» في عام 2013، وأعمال إرهابية أخرى، مُعْزيا ظاهرة الإرهاب في تونس إلى «الدور الذي لعبته أجهزة سرية أجنبية لتدمير العمل الثوري». وبالمثل، زعم عضو سابق في «ائتلاف الكرامة» في مقابلة أجريت معه في بداية عام 2020 أن «الدولة العميقة» قد سعت في عام 2013 إلى توفير مساحة أكبر لحركة «أنصار الشريعة تونس» لتشويه وجه الثورة. كما نسب ممثلون قياديون في «الكرامة» الهجوم الإرهابي الانتحاري الذي وقع في مارس 2020 في تونس إلى هيئة أجنبية و«الحزب الدستوري الحر» العلماني
اغتيال كل من «شكري بلعيد» و«محمد الإبراهيمي»
إضافة إلى ذلك، استخدم «ائتلاف الكرامة» خطابا دينيا لجذب الناخبين المسلمين المحافظين، بمن فيهم ذوو التوجهات السلفية. على سبيل المثال، اعلن «مخلوف» أن «الكرامة» تعارض «ليبرالية كل شيء يدب على الأرض»، وترفض زواج المثليين «ليس فقط لأنه مناف للإنسانية، وإنما أيضا للطبيعة». كما دافع عن عقوبة الإعدام باعتبارها «عقوبة فرضها الله». وفي إحدى الجلسات البرلمانية في نهاية فبراير 2020، اتهم نائب «الكرامة»، د. محمد العفاس، رئيس الوزراء التونسي الجديد، إلياس الفخفاخ، من «حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» بأنه «علماني متطرف»، وبأنه يمثل «امتدادا للمافيا الفرانكفونية التي هيمنت على تونس لمدة تزيد على خمسة عقود». وبشكل أكثر تحديدا، هاجم نائب الكرامة رئيس الوزراء الفخفاخ (الذي يحمل الجنسية التونسية والفرنسية) بقوله: «إنكم تعارضون القوانين التي تجرم الجنسية المثلية وتعاطي المخدرات، وتعلنون على الملأ دون وازع من خجل أنكم تشربون الخمر وتتحدون شريعة الله»، مضيفا «إنكم تفعلون كل هذا إرضاء للفرنسيين».
https://youtu.be/zP2VmsU5doc
اتهام نائب «الكرامة»، د. محمد العفاس، رئيس الوزراء التونسي الجديد
وفي خضم أحداث أزمة كورونا، سعى «ائتلاف الكرامة» كعادته إلى أن يضع نفسه في إطار واحد مع «الشعب النقي» المهمش، الذي تحكمه «نخبة فاسدة» وغير عابئة به. ففي جلسة 4 أبريل 2020، هاجم نائب «الكرامة»، عبد اللطيف علوي، رئيس الحكومة، مقدما نفسه «كمواطن قادم من المناطق التي يصطف فيها الشعب أمام المكاتب في «بلدك» ليحصل على دعم لا يفي بمعشار احتياجاتهم. وانتقد علوي رئيس الحكومة لرفض الأخير منح كل أسرة دعما ماليا قوامه 200 دينار تونسي، ووصفه بأنه مبلغ «تنفقونه عندما تخرجون مرة واحدة»، وينفقه بعض (الأغنياء) «لإطعام قطته أو كلبه الذي يقتنيه في منزله».
https://www.facebook.com/323675788266292/videos/272595610416297/?t=53
مداخلة النائب عبد اللطيف العلوي بجلسة 4 أبريل 2020
زواج المصلحة طريق للبرلمان
إجمالا، تبين حالة «ائتلاف الكرامة» التونسي أن السلفية السياسية يمكن أن تكون طيعة ومرنة بما يكفي لتلتقي بالشعبوية. وإذا كان الائتلاف لا يشكل جماعة سياسية سلفية في ذاته، إلا أنه يضم العديد من القوى السياسية السلفية الفاعلة، ويتبنى خطابا يمينيا شعبويا يتلاقي مع السلفية من وجوه عدة. إضافة إلى ذلك تُبرز انتخابات عام 2019، التي حصل فيها «الكرامة» على 21 مقعدا- بمزيد من الجلاء- أن ’زواج المصلحة‘ الذي يجمع بين السلفية والشعبوية يمكن أن يكون ناجحا بالفعل في إدخال الفرقاء السياسيين إلى أروقة البرلمان. رغم ذلك، لا يجب -علي الأقل الآن – المبالغة في شأن تقدير هذا النجاح. والأهم من ذلك هو أن نجاح «الكرامة» في أن يكون رابع أكبر قوة برلمانية في مجلس النواب التونسي إنما يعود إلى حد كبير إلى حالة التشظي والانقسام التي تعانيها المنظومة الحزبية التونسية. ومن ثم يجب ألا تقود هذه النجاحات – علي دلالتها – المراقبين إلى التغاضي عن حقيقة أن حصول «الكرامة» على نسبة أصوات دون 6% يمثل إشارة لا تخطئ إلى أن الدعم الشعبي العام لهذا الائتلاف لا يزال منخفضا نسبيا.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي، ومراجع الدراسة من هنا