وسط تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، بسبب تباين المصالح في طيف واسع من القضايا والملفات، كان من المهم الاستماع لوجهة النظر الصينية، فيما يشهده العالم من انتشار سريع لفيروس كورونا المستجد (كوفيد -19)، خاصة أن أصواتا على أعلى مستوى بدأت تخرج من الإدارة الأميركية تُحمل الصين مسؤولية انتشار الوباء، فكان من المفيد لكي تكتمل الصورة، إعطاء مساحة لوجهة النظر الصينية. و«أصوات أونلاين» إذ ينشر سلسلة من المقالات المترجمة التي تحمل وجهة نظر صينية، يرحب في الوقت ذاته بعرض وجهات نظر غربية، في إطار توفير ساحة تغرد فيها مختلف الأصوات أمام القارئ العربي، ومعالجة الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة من مختلف الزوايا ووجهات النظر.
«أصوات أونلاين»
جيا زنغ – باحثة دكتوراه في العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة وارويك ببريطانيا، وتتركز اهتماماتها البحثية حول التقاطعات بين الثقافة السياسية والسياسة العامة الصينية وحوكمة الإنترنت.
عرض وترجمة: أحمد بركات
حاربت الصين أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد بشجاعة وضراوة، وهكذا فعلت دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة، وتعلمت هذه الدول سريعًا من أخطائها، وشرعت فورا في اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية المناسبة، ولم تهدر وقتها في إلقاء اللائمة على الآخرين، والبحث عن كباش فداء، وإنما تلمست الوسائل لمنع انتشار الفيروس ومساعدة من هم بحاجة إلى مساعداتها.
ففي الصين، كان شعار العمل في مواجهة الجائحة هو «الكشف المبكر، والعزل المبكر، والعلاج المبكر»، ونجحت هذه الاستراتيجية في وقاية المرضى الذين كانوا يعانون أعراضًا خفيفة من التدهور والوصول إلى مراحل أكثر خطورة، وفي مستشفيات العزل، كان العاملون الطبيون يشاركون مرضاهم في بعض الأحيان الغناء والرقص، مما أدى إلى تحريرهم من الضغوط بدرجة كبيرة. علاوة على ذلك، كان لاستخدام الطب الصيني التقليدي بعض الدور في تخفيف الأعراض بصورة لافتة.
الصين تحاصر فيروس كورونا، فهل يمكن القضاء عليه؟
على الجانب الآخر، عمد بعض السياسيين الغربيين إلى تجاهل الحقائق الواضحة، واللجوء إلى استراتيجية توجيه اللوم وإلقاء الاتهامات من أجل إثارة مشاعر الكراهية ضد الصينين بدلًا من الالتفات إلى أخطائهم والاستفادة منها، ونشط هؤلاء في البحث عن كباش فداء للتنصل من المسؤولية، والتحرر من الخطيئة، وصرف الانتباه عن إخفاقاتهم في التعامل مع فيروس كورونا المستجد، والتي بلغت حد عدم توفير الإمدادات الطبية لدعم الأطقم الطبية، ومن ورائها المرضى.
إن ما لا يريد أن يعرفه هؤلاء السياسيون، أو ربما يفشلون في معرفته، هو أن كبرياءهم وتحاملهم كانا السبب الحقيقي وراء خسارة العديد من الأرواح البريئة دون مبرر، وأن هذه الغطرسة هي أيضًا ما دفعت بهم إلى توجيه اتهامات غير عقلانية إلى الصين؛ وإلا فكيف يمكن لزعماء منتخبين في أنظمة ديمقراطية راسخة أن يفشلوا في إدراك هذا الخلل البين في منطقهم، والذي يتمثل في إلقاء اللوم على دولة لا تمتلك الخبرة في مواجهة هذا النوع من الأزمات، لأنها لم تكن مقنعة لهم بما يكفي عندما أخبرتهم عن تجربتها في مواجهة هذه الأزمة، في الوقت الذي كانوا يشاهدون فيه هذه التجربة من أبراجهم العاجية، ويزدرون محاولاتها لتلمس طريقها في الظلام وتعثرها كمن ذهبت الخمر بعقله؟
سجال الصين وأمريكا حول «كورونا»
لكن الأخطر من ذلك هو إمكانية استعادة روح القرصنة، التي ستعود – عاجلا أم آجلا – بعجلة التاريخ إلى الوراء، وترتد بالعالم إلى العصور المظلمة المفعمة بالكراهية والحروب المستمرة، وما لم تنتبه المجتمعات البشرية إلى هذا الخطر المحدق، فستجد نفسها مجددًا ليس فقط تحت وطأة وباء يفتك بها، وإنما أيضا في أتون حروب تزهق مزيدًا من الأرواح البريئة. ولنأخذ المملكة المتحدة كمثال، فبرغم تجنب معظم القادة ووسائل الإعلام في بريطانيا التورط في حملات اتهام الحكومة الصينية بالمسؤولية عن تفشي هذا الوباء[1]، في الوقت الذي كانت تتجه فيه الأزمة من سيئ إلى أسوأ – كما هو موضح في استطلاع للرأي العام البريطاني – تم تحديد الحكومة الصينية من قبل البريطانيين كثاني أكبر مسؤول عن تفشي الوباء، بينما وضعوا الحكومة البريطانية في المرتبة الخامسة (انظر الشكل التوضيحي أسفل)، برغم أن هذه الحكومة تعاملت مع الأزمة في بدايتها بسياسة مناعة القطيع.
في تصوري، تنبئ نسبة القبول المرتفعة «لنظرية خطأ الصين» بجلاء عن تحامل كامن ومتجذر وطويل الأمد ضد الصينيين، وإلا فلماذا لا يحاول هؤلاء العقلانيون التفكر في كيفية تمكن نظام صحي رجعي يقوده حكم استبدادي أن يهبط بمعدلات الوفاة في بلاده إلى 4%، في الوقت الذي بلغت فيه هذه المعدلات في الديمقراطيات الغربية 8% أو أكثر؟
في ظل هذه الظروف، يتم تجاهل الجهود المضنية والتضحيات الهائلة التي قدمتها الصين – ولا تزال – لاحتواء الفيروس. ويكفي في هذا السياق أن نشير إلى أن الممارسة التعليمية في بعض المناطق لا تزال مقصورة على الإنترنت، وأن الصينيين لا يزالون يستخدمون الكمامات خارج المنازل، وأن قلة قليلة فقط هم من يأكلون خارج البيوت، أو يذهبون لزيارة الأصدقاء. إن نمط الحياة في الصين يمر بتغيرات جذرية، ويحدث كل هذا في وقت تتراجع فيه معدلات الحالات المؤكدة في الصين إلى 20 حالة فقط.
بالمقارنة بما يحدث على الأرض في الدول الديمقراطية، فإن الصين تفرض حقيقة ربما تتمنع عقول القادة السياسيين في الغرب عن الاعتراف بها، وهي أن نظامًا يطلق عليه «سلطوي» يستجيب بسرعة أكبر وفعالية أوقع لمرض كوفيد-19. تتعافى الصين في معركتها الأولى ضد الشكوك. ومع ذلك، فإن وسائل أخرى فعالة، أو أكثر فعالية، يمكن التوصل إليها في كل من هذه الدول المتقدمة التي تقودها أنظمة ديمقراطية.
وسيحدث هذا آجلا أو عاجلا بحسب قدرة هذه الأنظمة على إدراك الأخطاء الحقيقية والقاتلة التي نتجت عن تحاملها ضد الصين عن وعي أو عن غير وعي. ففي استجاباتهم الأولية لهذا المرض، تعامل قادة هذه الدول كسياسيين، وبدلا من التركيز على إنقاذ الأرواح، منحوا الأولوية للاقتصاد حتى يضمنوا الفوز بأصوات الناخبين. ويبدو أن هؤلاء السياسيين نسوا التعهدات التي قطعوها على أنفسهم لشعوبهم عند انتخابهم. ولسوء الحظ، لا يزال البعض يتمادى في ذلك حتى يومنا هذا، ويحمل الصين وزر تباطئه في التعامل مع الأزمة. ونرجو ألا يتسبب إنهاء سياسات الإغلاق في مزيد من تفاقم الأوضاع، وإلا فلا أحد يعلم من سيكون كبش الفداء التالي.
وفي النهاية، فإن المجتمعات البشرية تحتاج إلى التأمل والتعقل والتدبر خاصة عندما تتعرض بضراوة لهجوم مرضي؛ وإلا فستتفلت من بين أيدينا حقيقتين بسيطتين، وهما أن الصين ليست العدو، وأن كوفيد-19 لا يفرق بين الناس بحسب الجنسية أو النوع أو العرق أو الأيديولوجيا. وبالتالي، فإن التشبث بنظريات المؤامرة لن يوقف هذا المرض الخفي عن مهاجمة البشر، كما سيمد الفيروس بمزيد من الذخيرة عن طريق تأجيج خطاب الكراهية وإشاعة الفوضى داخل المجتمعات الإنسانية. وهكذا فإن تسييس الوباء من شأنه أن يحول طبيعة المأساة من فيروس يهاجم الإنسان ويدمر صحته إلى حرب شعواء بين المجتمعات الإنسانية لا تبقي ولا تذر.
ما حقيقة نشأة فيروس كورونا؟
ولتجنب هذه المأساة، يتعين على العقلاء محاولة اجتثاث جذور التحامل طويلة الأمد التي أودت بهؤلاء السياسيين إلى الاستهانة بالوباء، ومن ثم عدم الاستعداد لمواجهته بما يناسب خطورته والتهديدات التي يفرضها. وسيكتشف العلماء من أين يأتي كوفيد-19، كما سيكشفون عن المجرمين الحقيقيين الذين وقفوا وراءه، بمن فيهم هؤلاء الذين كرسوا جهودهم لبث الكراهية في أوصال المجتمعات الإنسانية. ولا بد من تلقين الكاذبين درسا في وقت قريب بأنهم يستطيعون أن يخدعوا بعض الأشخاص طوال الوقت، وبعض الأشخاص لبعض الوقت، لكنهم لا يستطيعون خداع جميع الناس طوال الوقت.
إن رجال الدولة الحقيقيين لا يبخلون بواجباتهم. وفي مواجهة هذا الفيروس، يجب أن تكون المجتمعات الإنسانية على وعي كامل بأعدائها وبأصدقائها سواء بسواء؛ وإلا فسيعاني الجميع من تفشي الوباء ومن تفشي الكراهية التي يبثها سياسيون يسعون بكل ما لديهم من قوة إلى صرف انتباه شعوبهم عن أدائهم الفقير والمتعمد ضد المرض. ويبقى السؤال: أيهما أفضل للجميع: «الكبرياء والتحامل»، أم «الإحساس والتعقل»؟ نكون أو لا نكون.. تلك هي المسألة.
[1] British people blame Chinese government more than their own for the spread of coronavirus