منوعات

عنف الأزواج في تزايد.. هل كورونا هي السبب؟

يوجه زوج السباب والشتائم لزوجته أمام الأطفال.. يتكرر هذا المشهد وفي بعض الأحيان يصل إلى التعدي بالضرب.. ما هو حال هذه الزوجة التي أهدرت كرامتها وأهينت أمام أطفالها وما هي الأثار النفسية اعلى الزوجة والأطفال.. كيف يشعروا بالطمأنينة.. كثير من المنازل المغلقة لا يعلم أحد ما بداخلها من ألام، بل يعتبر المجتمع  هذا العنف شانا أسريا لا يجب أن يتدخل فيه أحد. عندما حاولت المنظمات الأهلية منذ عدة سنوات أن تكسر حاجز الصمت عن هذا العنف تعرضت لهجوم واتهامات بأنها تنشر أكاذيب ومبالغات، ورغم ذلك استمرت  في العمل على كشف هذا العنف والمطالبة بالتشريعات والسياسات اللازمة من أجل توفير الحماية للنساء، وعلى مدى السنوات الماضية اتخذت الدولة عدد من الإجراءات للتصدي للعنف القائم على النوع.

 كانت أهم خطوة صدور مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي عام 2015، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، والمجلس القومي للمرأة، الذي كشف عن أرقام وبيانات رسمية تعترف بجميع اشكال العنف واضراره واثاره الاقتصادية والاجتماعية. أثار هذا التقرير نقاشا واسعا وأعاد مجددا قضية العنف على أجندة الحوار المجتمعي، لكن هذه المرة بإحصائيات وأرقام رسمية، كما أصدر المجلس القومي للمرأة الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة 2015 – 2020، لكن ما تحقق من هذه الاستراتيجية حتى الآن لم يسهم بشكل كاف في القضاء على العنف القائم على النوع.

       

تأثير كورونا

لايزال ثمة قصور على مستوى التشريعات والسياسات الخاصة بمناهضة العنف القائم على النوع، وعادت الأرقام مجددا تدق ناقوس الخطر بشأن العنف الأسري وهذا ما حدث مع تداعيات فيروس كورونا وصدرت نتائج «استطلاع رأي» اجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة» بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تم إجراء هذا  الاستطلاع في مناخ مجتمعي من التوتر الذي صاحب فيروس كورونا والموجة الأولى من آثاره الاقتصادية، وتحديدا خلال الفترة من 4 الى 14 ابريل 2020 و تم جمع بيانات هذا الاستطلاع من خلال مقابلات باستخدام الهاتف وشمل الاستطلاع 1518 من النساء وتضمن أسئلة عن العنف الأسري، ويكتسب هذا الاستطلاع أهمية كبيرة حيث إنه يعد أحدث بيانات كمية عن العنف الأسري تصدر عن جهات متخصصة بتعاون مع هيئة رسمية هي المجلس القومي للمرأة، تمثل هذه النتائج سند وركيزة موثوق فيها تلقي الضوء مجددا على أكثر أنواع العنف تعقيدا لأنه يصدر عن الزوج أو الأب، أي من له سلطة داخل الأسرة، ومثل هذا النوع من العنف يصعب الكلام عنه لان الاتجاه العام في المجتمع يتعامل مع هذا النوع من العنف باعتباره شأن خاص، غير مرحب بأي دور لأي مؤسسات سواء حكومية أو غير حكومية.

ومن النتائج التي أكد عليها استطلاع الرأي تعرض النساء للعنف الأسري في مختلف الأعمار فالاستطلاع شمل النساء من أعمارهم 18 سنة فأكثر، فنسبة 21% لأقل من 30 سنة و نسبة 45% لما هو بين 30 وأقل من 49 سنة أما نسبة 34% لما هو أكثر من 50 سنة، كما تتعرض النساء للعنف في الريف والحضر فوفقا لنسب محل الإقامة للنساء المستهدفات في الاستطلاع في الحضر بنسبة 41% والريف 59%، وتعرض النساء للعنف ليس مرتبط بالحالة التعليمية لأن النساء اللائي أجري معهن الاستطلاع في مستويات تعليمية مختلفة فبلغت 54% نسبة الأقل من متوسط و بلغت 33% نسبة متوسط / فوق متوسط ، وبلغت 13% نسبة جامعي فأعلى.

وجاءت الإجابات حول الأسئلة الخاصة بالعنف الأسري على النحو التالي:

  • سؤال حول تأثير كورونا على تعرض الزوجات للعنف من الزوج: ذكرت11 %من الزوجات تعرضهن للعنف من قبل الزوج خلال الأسبوع الذي سبق اجراء استطلاع الرأي و ذكرت 7% منهن أنهن لن يتعرضن للعنف من قبل بينما 4% تعرضن للعنف من قبل  وكانت أشكال العنف ضرب بنسبة 15.3% ورقلها الزوج بقوة نسبتها 8.1% وتعرض الزوجة لأهانه لفظية من الزوج نسبتها 83.4%، بينما ذكرت 89% أنهن لم يتعرضن للعنف خلال الأسبوع الذي سبق اجراء  استطلاع الرأي.
  • سؤال: بعد التغيرات التي حدثت بسبب كورونا هل زاد عنف الأزواج أم زي ما هو أم قلت المشاكل العائلية والخلافات الزوجية والخلافات بين الأبوين والأولاد؟
  •  جاءت الإجابات على النحو التالي: ٣٣ ٪ هي نسبة الزيادة  و64% ذي ما هى و 3% قلت
  • سؤال آخر حول العنف بين أفرا د الأسرة (المقصود العنف الجسدي سواء بين الزوجين أو من الأبوين للأولاد) وجاءت الإجاباتكالتالي: وصلت نسبة الزيادة ١٩ ٪ و 77% ذي ما هو و 4% قلت.

يظهر استطلاع الرأي أن العنف البدني والنفسي داخل الاسرة شائع الحدوث، وربما تتباين معدلاته من أسرة إلى أخري، لكن تتعرض النساء للعنف الزوجي في الحضر والريف و في جميع الأعمار و في المستويات التعليمية المختلفة، ورغم أهمية هذا الاستطلاع لكن يؤخذ عليه أنه كان يحتاج إلى مزيد من التفاصيل أكثر لإظهار أنواع العنف وأسبابه وردود الفعل من الناجيات، وثمة احتياج إلى بيانات جديدة تفصيلية خاصة بعد مرور خمس سنوات على المسح الذي صدر عام 2015 و بالتأكيد جرت مياه كثير وحدثت تغيرات كان يمكن أن يسهم هذا الاستطلاع في توضيحها

«تحريض الجيران»

تجربة «ر.ن» ليست هي النموذج السائد وكثير من الفتيات يصل بهن الأمر إلى حد ترك الأسرة هربا من العنف الذي تتعرض له، أو تعيش داخل الأسرة في عزلة، أو تستمر معاناتها  النفسية. هذا ما حدث مع «س . ع» التي رفضت أيضا ذكر إسمها وتبلغ من العمر 25 سنة واستطاعت الحصول على شهادتها الجامعية وإيجاد وظيفة متميزة و تساهم في دخل الأسرة. رغم اجتهادها وتحملها المسئولية ونجاحها في عملها، فهذا كله لم يشفع لها ولم يجعلها في نظر أخيها الصغير البالغ من العمر 16 سنة مواطنة كاملة الاهلية لها الحرية في التصرف في حياتها الشخصية ومنها طريقة ارتداء ملابسها، وتحكي «ر.ن» كيف أعطى الأخ الأصغر لنفسه سلطة التدخل وفرض عليها زي معين، ويغذي موقف هذا الطفل الصغير تحريض أصحابه من الجيران الذين اعطوا الحق لأنفسهم أن يتحدثوا معه عن شأن شخصي لأخته وهو لم يرفض هذه الوصاية بل اعتبرهم على حق في تدخلهم وعليه أن يستخدم أساليب عنف ضد أخته لكى يظهر موقفه «الرجولي» أمام أصحابه وأنه قادر على أن يصحح ما يعتقد أنه خطأ. هذا التحريض من الجيران أمر شائع ويتكرر في الأحياء الشعبية بشكل خاص، فالنساء مستباحة ومشكوك دائما في سلوكها إلى أن يثبت العكس. للأسف فإن الكثير من الأسر ترضخ وتخشي ضغوط المجتمع (كلام الناس)، وهذا مرتبط بشكل أساسي بالمحافظة على سمعه البنت وعدم تأثير ذلك على فرصها في الزواج.

«عدم الإنصاف»

في الأغلب النساء اللائي يتعرضن للعنف على يد أزواجهن لم يطلبن خدمات ولم يستعن بالسلطات الرسمية للحماية من عنف الزوج، وهذا ما خلص له مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي عام 2015، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، والمجلس القومي للمرأة، فتشير نتائجه إلى أن 18.3% من النساء اللائي تعرضن لعنف الزوج خلال الإثني عشر شهرا السابقة على إجراء المسح توجهوا إلى بيت العائلة و 0.9% توجهن لقسم الشرطة أمام من لجأ إلى المحاكم 0.6%. فقط.

تتعرض النساء إلى ضغط شديد يؤثر على قدرتها على مقاومة هذا العنف، فهي تخشى وتتوقع عدم الإنصاف إذا لجأت لهذه الجهات المشارة لها أعلاه – بما في ذلك العائلة – وأنها سوف تلام ويوجه لها عتاب باعتبارها المسؤولة عن ما تتعرض له من عنف.

هذا ما حدث مع رانيا 32 سنة، أم لطفلة رضيعة وتعمل موظفة في إحدي الشركات وليس لزوجها وظيفه ثابته فيتنقل من عمل إلى آخر وتتحمل رانيا عبء الأسرة و كانت تحدث خلافات مع زوجها بسبب مصروف البيت… لكن مع  تكرار اعتدائه عليها بالضرب لأسباب مادية، خاصة بعد أن توقف عن البحث عن عمل، طلبت الطلاق فلم يساندها أحد من عائلتها، وكانوا كالعادة يطلبوا منها الصبر ولم يقفوا معها الا بعد تكرار الاعتداء على بالضرب.

«معاناة مضاعفة»

بدون وجود تدخلات واضحة ومحددة من مؤسسات الدولية المعنية من أجل القضاء على العنف الأسري سوف تبقي حماية النساء من العنف هي مسئولية الناجيات أنفسهن، منهن من تتكيف مع ما يجري لها وتتحمل و تتمسك بالصبر، أو تحاول أن تنعزل و تظل دائم تحت ضغط نفسي بسبب الخوف من أن تخسر فرصة عملها فتصبح في احتياج مادي للأسرة وهنا تزيد فرصة مساحة التدخل في شئونها، أو تكون لديها ملكات وسمات شخصية تمكنها من أن تنجو وتوقف ما تتعرض لها من عنف.

 

«ما العمل»

تعددت التدخلات التي يقدمها المجلس القومي للمرأة و تقوم بها المنظمات النسوية منها تقديم الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للنساء المعنفات، إلا انها غير كافية على المدى البعيد و لم تسهم في تحقيق ما نصت عليه الاستراتيجية الوطنية  «تمكين المرأة المصرية» 2030 الصادرة في مارس 2017 بشأن القضاء نهائيا بحلول عام 2030على التحرش والعنف الجسدي والنفسي والجنسي الذي تتعرض له المرأة من قبل الزوج، وهذا يتطلب خططا  تنفيذية بموازنات محددة تعمل على عدد من المحاور منها التعديلات التشريعية بإصدار قانون موحد للعنف، قانون جديد للأحوال الشخصية، تغيير الأنماط الثقافية والاجتماعية التقليدية السائدة في المجتمع التي تخلق علاقات غير عادلة بين الرجال والنساء، وتجعل موازين القوى لصالح الرجال، وتبرر فرضه لسلطة مطلقة تبيح له فعل أي شيء بما في ذلك مختلف أشكال العنف، فما نحتاج له هو علاقة عادلة وشراكة حقيقية بين الرجال والنساء، وإعادة تقسيم للأدوار بين الرجال والنساء في المجالين العام والخاص، لأن القضاء على العنف الأسري ليس منفصلا عن العنف الذي تتعرض له النساء في المجتمع بشكل عام، علينا أن نستفيد من الزخم الناتج عن استطلاع الرأي حول العنف الأسري، وندفع في اتخاذ مزيد من الإجراءات، وننتقل من مرحلة الرصد والتحليل إلى العلاج والقضاء على العنف على أساس النوع.  

https://www.facebook.com/ncwegyptpage/videos/178107560181077/?t=134

منى عزت

باحثة مهتمة بقضايا العمل والمرأة

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker