قبل شهر ونصف نشرت مقالا، كان عنوانه «العالم بعد الكورونا، إما ثورة اجتماعية أو الفاشية» وبعد شهر بدأ العالم يشهد فعلا ثورة اجتماعية متصاعدة، انطلقت شرارتها من مدينة منيابولس في الولايات المتحدة بعد جريمة قتل جورج فلويد العنصرية وامتد لهيبها إلى أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وأنا متأكد أنه سيصل إلى معظم أركان الكرة الأرضية.
هذه الثورة ضد العنصرية المتوحشة، تعبر في الواقع عن الغضب الإنساني العالمي على انعدام العدالة.
غياب العدالة الذي يتجلى في جشع الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، وفي إهمال صحة البشر، وعدم الإستثمار في التعليم والبحث العلمي مما أدى إلى تفشي أوبئة كالكورونا، وفي مظاهر العنصرية البشعة ضد السود في الولايات المتحدة، وعدد كبير من الدول، وفي العنصرية العدوانية ضد اللاجئين التي تلامس السلوك الفاشي، وكذلك في السكوت الفاضح على ما يمارسه حكام إسرائيل من احتلال واضطهاد عنصري، وما أنشأوه من منظومة أبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني.
ولعل أهم ما يحرك، ما قد يصبح ثورة عالمية شاملة أوسع مما جرى في عام 1968، هو البطالة المتفشية وانعدام الآفاق والفرص أمام معظم شباب وشابات العالم.
وكان طبيعيا، أن غالبية المشاركين في التظاهرات هم من جيل الشباب الباحث عن مستقبل، يعجز النظام العالمي القائم على الاستغلال، والاحتكار، والربح المادي عن توفيره لهم.
وكما كان متوقعا فإن السلوك المتشنج لحكومات بعض الدول يعبر عن نزعات فاشية بالغة الخطورة، تفضح الادعاءات الكاذبة بالديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير.
صادف يوم الخامس من حزيران الماضي الذكرى الثالثة والخمسين لاحتلال الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة وهضبة الجولان، بعد أن مرت الذكرى الثانية والسبعين لنكبة التطهير العرقي التي مارستها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
ولا يوجد ما هو أهم من ربط الكفاح والنضال الفلسطيني من أجل الحرية والعودة وضد الأبرتهايد الإسرائيلي، بالنضال العالمي الجاري اليوم ضد العنصرية.
فنضالنا كفلسطينيين هو في جوهره نضال ضد التمييز العنصري الإسرائيلي، الذي يمثل اليوم، ولا مبالغة في ذلك، أشد أنواع العنصرية في عالمنا.
ولعل جريمة القتل البشعة التي ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية ضد الشاب الفلسطيني الذي يعاني من التوحد إيادالحلاق، و الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المسعفة الفلسطينية البريئة الشهيدة رزان النجار لا تقل إن لم تزد بشاعة في عنصريتها عن جريمة قتل الأمريكي الأسود جورج فلويد.
ما يجري في العالم، بذكرنا بمن يمكن أن يكونوا الحلفاء الطبيعيين للنضال الفلسطيني، أولئك الرجال والنساء والشباب المتدفقين في الشوارع، وليس أصحاب المليارات، والمناصب، والعديد من الحكام الممعنين في إضطهاد شعوبهم نفسها.
بعد جائحة الكورونا، وبعد الأزمة الإقتصادية التي نجمت عنها، وبعد إنفجار الغضب الشعبي، الذي نأمل أن نرى مظاهره في فلسطين أيضا، ليس أمام العالم سوى واحد من خيارين، أما النضال من أجل العدالة السياسية والإجتماعية والإنسانية، أو مواجهة خطر الفاشية العنصرية.