بغض النظر عن الإتفاق أو الاختلاف مع أهداف بعض الدراسات الغربية عن التطرف الإسلامي، فإن متابعة نتائجها تعد مسألة مهمة من المنظور الوطني والقومي، لمتابعة تطور حالة الإرهاب في المنطقة. يحلل هذا المقال كما كبيرا التعليقات التي كتبها مسلمون من دول مختلفة على مقاطع الفيديو المضادة للإرهاب والتي كان قد أذاعها المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف [ICSVE] على Facebook، والتي كشفت عن ضرورة معالجة أسباب التحيز ضد الغرب في العالم الإسلامي كشرط لنزع الشرعية عن داعش والقاعدة.
«أصوات أونلاين»
كتب: مولي إلينبرغ
ترجمة وعرض: تامر الهلالي
بعد أن ساعدتها الدعاية على جذب 40.000 مقاتل إرهابي أجنبي للجهاد والعيش تحت علم الخلافة في سوريا – وهو رقم غير مسبوق – حدث انخفاض كبير في إنتاج الدعاية الخاصة بداعش عبر الإنترنت، حيث أصبحت المنظمة سيئة السمعة بعد هزائمها على الصعيد الإقليمي. ولكن على الرغم من ذلك، فإن المجندين في داعش ما زالوا قادرين على إعادة استخدام خبرة سنوات من المنتج الدعائي الذي صنعوه في سنوات ذروة مجدهم السابقة، وبالتالي بستمرون في إنتاج مقاطع الفيديو وتوظيفها عبر الإنترنت من خلال الملاذات الآمنة المخفية في العراق وسوريا.
حرب رقمية
وبالتالي، فإن المرحلة التالية من محاربة تنظيم داعش لا تستلزم – منطقيا – مهاجمته عسكريا، ولكن رقميا. بعض طرق القيام بذلك يتم تحقيقها بالفعل من خلال شركات Facebook و Twitter ومنصات رئيسية أخرى تستخدم خوارزميات يتم تشغيلها آليًا لفرض سياسات إزالة الدعاية الإرهابية، بالإضافة لدور الجيوش التي تهاجم الملاذات الآمنة ووسائل الاستمرار في بث رسائل الكراهية بطبيعة الحال.
رغم ذلك، هناك أيضًا حاجة لنزع الشرعية عن الجماعات الإرهابية وأيديولوجياتها الخبيثة، بحيث تجد صعوبة أكبر في جذب الجمهور المستهدف من المجندين المحتملين. يقدم تحليلنا لتعليقات Facebook على الحملات المناهضة لداعش دليلاً على أنه قد يكون من الضروري ليس فقط العمل على نزع الشرعية عن الجماعات الإرهابية، ولكن أيضًا العمل على إصلاح وجهات النظر واستعادة الثقة في القوى الغربية في الوقت ذاته، حيث يبدو أن الاثنين متشابكان – وهو أمر تتوق مجموعات مثل داعش لاستغلاله.
تم طرح «السرديات المضادة» باعتبارها تقنية محتملة مفيدة لمحاربة داعش عبر الإنترنت، لكن العديد من الجهود المبذولة لإنتاج سرديات عبر الإنترنت ضد داعش، غالبًا ما كانت تنتجها الجهات الحكومية، وهذه أثبتت أنها غير فعالة بسبب عدم قدرتها على إحداث الصدى لدى المشاهدين، كما أنها لم تتمكن من تحقيق نفس الإثارة العاطفية والعميقة التي تنتجها الدعاية الإرهابية.
في هذا السياق، أنتج المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف [ICSVE] أكثر من 175 مقطع فيديو معارض، مأخوذة من مجموعة من المقابلات مع 239 سجينًا وعائدًا ومنشقًا من داعش، و تمت ترجمتها إلى 27 لغة، إما على لسان المتحدث الذي لايزال يعيش بالفعل في أوساط داعش، أو عاد إلى بلده الأصلي بعد انشق عن داعش، أو سجن.
تعكس قصص هؤلاء المتحدثين الطبيعة المؤلمة لدعاية داعش، حيث يسردون حكاياتهم وتعليقاتهم أحيانًا والدموع في أعينهم وهم يعبرون عن اعتقادهم بأن داعش استخدمت الأكاذيب بهدف تجنيدهم، ولكن انتهي بهم الأمر في نهاية المطاف بمشاهدة أفراد أسرهم يموتون، أو برؤية الأبرياء يُعدمون، أو يتم تعذيبهم بسبب عدم التزامهم بأبسط القواعد والقيود التعسفية التي تفرضها داعش. كما يركز المتحدثون على الطرق التي كذب بها داعش عليهم، وكيف تم التلاعب بأعمق رغباتهم لخدمة الإسلام بشكل كاذب، وإساءة استخدام القرآن والأحاديث النبوية، وفي نهاية المطاف دمرت داعش حياتهم.
يسمى مشروع ICSVE «كسر العلامة التجارية لداعش» – ويركز المشروع على إجراء مقابلات مع المنشقين عن التنظيم وتسجيل أصوات وعواطف المنشقين الموثوقين والكوادر اتي لا تزال تقضي فترة العقوبة في السجون. يتم إنتاج اللقطات المستخدمة في مقاطع الفيديو، بخلاف فيديوهات المتحدثين أنفسهم، من دعاية داعش الفعلية لإبراز قصص المتحدثين، بما يتعارض بشكل مباشر مع السرد الإرهابي، وهو ما يعيد توجيه دعاية داعش لتفنيد سرديتها بشكل عكسي.
في نهاية مقاطع الفيديو، يقدم المتحدثون النصيحة للآخرين الذين قد يفكرون في الإنضمام إليها، ويتم استخدام مقاطع الفيديو التي أنتجها ICSVE من قبل المتخصصين في تطبيق القانون والقادة الدينيين والمنظمات غير الحكومية في التفاعلات المباشرة في قيرغيزستان وهولندا وبلجيكا والأردن والعراق وأماكن أخرى كجزء من برامج مكافحة التطرف العنيفة.
نفس الجمهور
قام المركز أيضًا بنشر أكثر من 100 حملة على Facebook بلغات متعددة عبر قارات متعددة للوصول إلى نفس الجماهير التي يحاول داعش تجنيدها، و في حين أن المقاييس الكمية توفر رؤية مهمة لنجاح السرديات المضادة للإرهاب، فإن التحليل النوعي للتعليقات على مقاطع الفيديو سمح أيضًا لـ ICSVE بتحديد الأثر العاطفي لتلك السرديات المضادة.
يفحص هذا المقال التعليقات على مقاطع الفيديو المضادة للإرهاب من ICSVE في الحملات الإعلانية على Facebook التي استمرت من 3 ديسمبر إلى 31 ديسمبر 2019، باللغات المحلية في العراق والأردن وتونس وكوسوفو والبوسنة وألبانيا والجبل الأسود والمملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من أن هذا التحليل لا يتناول تعليق كل مشاهد، إلا أنه يمكن افتراض أن أولئك الذين يتفاعلون مع محتوى الفيديو يمثلون علامة إيجابية تصب في صالح استخدام السردية المضادة.
https://www.facebook.com/icsve.org/videos/439614826701006/?t=147
تعليقات ضد الغرب
أعرب عدد قليل جدًا من التعليقات على مقاطع الفيديو المضادة للإرهاب، المستخدمة في هذه الحملات، عن وجهة نظر إيجابية تجاه داعش. أولئك الذين وصفوا المتحدث عادة بأنه كاذب أو ببساطة اتهموا ICSVE بالكذب، مثل أحد المعلقين من تونس الذي كتب، «لا يوجد من لديه الوقت لهراءك». على الجانب الآخر من الطيف، أبدى أحد المعلقين العراقيين نظرة إيجابية لداعش، كتب بالعربية: «المجد داعش». وعلق مشاهد من الجبل الأسود باللغة الكرواتية: «الاستهزاء والسخرية.. هذا ما يفعله الغرب»، مما يشير إما إلى أنه لم يصدق محتوى الفيديو، ويدل على أنه جزء من جهد غربي أكبر لتشويه سمعة داعش، أو أن تنظيم «داعش» ذاته أنشأه الغرب ليهزأ بالإسلام ويسئ إليه.
صبت أغلب التعليقات في النوع المعادي للغرب والإسرائيليين، وحدث نفس الشيء أيضًا في حملات إعلانية سابقة على Facebook تضم مقاطع فيديو أخرى لرواية ICSVE تم عرضها في وقت سابق في عام 2019 و 2018. على سبيل المثال، كتب أحد المعلقين العراقيين: «هذا ما فعلته امريكا في المدينة وفي شعبنا… حتى يسهلوا شيئًا تم الإعداد له، وهو خطة وضعتها إسرائيل وأمريكا وأوروبا وهي إحدى خيوط الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا… هل تعتقد أننا لسنا على علم بأعمالكم… سنكشف عن جميع خططك…».
و كتب معلق آخر في العراق: «هؤلاء هم اليهود الذين يتظاهرون بأنهم مسلمون لتشويه الإسلام والتآمر والانفصال بين المسلمين من أجل تمزيق أمة محمد»، بينما زعم آخر «مصدر الإرهاب هو تركيا». وعلق أردني قائلاً: «إن داعش صناعة أمريكية تشوه عقول الجيل العربي الإسلامي للقضاء على الإسلام تدريجياً، ولا إله إلا الله محمد رسول الله»، وكتب آخر: «أمريكا عرّاب الإرهاب».
https://www.facebook.com/icsve.org/videos/879237892577508/?t=7
نظريات المؤامرة
بالإضافة إلى تطور التواصل الاجتماعي إلى الأفضل بشكل ملحوظ ، مثلت إيديولوجيا داعش انحرافًا رئيسيًا عن هذا المسار وساهمت على الأرجح في الأعداد المتزايدة من المقاتلين الأجانب الذين ينتقلون إلى داعش من القاعدة. ومع ذلك، يمكن استخدام خسارة داعش للأراضي كدليل على أن الخلافة المستقرة لا تزال هدفا بعيدا. علاوة على ذلك، فإن انتشار نظرية المؤامرة، سواء عن قصد أو عن غير قصد من خلال التعليقات على سرديات الدعاية المضادة، قد توفر أيضًا دعماً لمجموعات مثل القاعدة، والتي تركز على استهداف «العدو البعيد» أثناء التبشير للمسلمين الذين لا يلتزمون بشكلهم الأصولي الراديكالي.
وقدمت الدراسات السابقة التي بحثت في أسباب التعليقات المعادية لأميركا عدة تفسيرات حول أسباب اكتساب نظريات المؤامرة قوة جذب في العالم العربي. اقترح مؤلفو إحدى الدراسات أن الولايات المتحدة تميل إلى أن تكون نموذجًا أصليًا لقوة عالمية تتدخل في الشرق الأوسط، مما يجعل المشاعر المعادية لأميركا أقل حول الأمريكيين والمجتمع الأمريكي وأكثر حول التدخل العالمي في شؤون العراقيين والسوريين. ويدعم هذه الفرضية وجود تصريحات صدرت أيضًا ضد المملكة العربية السعودية وإيران في التعليقات على مقاطع الفيديو المعروضة في الأردن والعراق وتونس. شنت كل من السعودية وإيران حروبًا بالوكالة في المنطقة، غالبًا من خلال تمويل الميليشيات الطائفية.
والجدير بالذكر أن المعلقين في البلقان عبروا عن مشاعر معادية لروسيا، حيث عملوا على ما يبدو على استبدال السعودية وإيران بروسيا باعتبارها القوة العالمية الأقرب التي يجب الحذر منها، خاصة في ضوء الدعم الروسي للعدوان الصربي في الحروب الأخيرة التي خاضتها هناك. وقد تم إضفاء الشرعية على هذا الخوف أيضًا من خلال تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية خلص إلى أن روسيا قد تنوي استخدام البلقان كورقة مساومة سياسية مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
ويمكن القول أن تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية قد استخدمت العراق وسوريا ودول الشرق الأوسط الأصغر الأخرى لأغراض مماثلة.
إهانة للوطن
على سبيل المثال، رأى بعض المعلقين الدعاية المضادة كإهانة لبلدهم و لفخرهم الوطني، وبالتالي اقترحوا أنهم لم يجدوا المتحدث موثوقًا. ثم تحدث هؤلاء المعلقون بدلاً من ذلك دفاعًا عن بلادهم بدلاً من الدفاع عن داعش. كتب أحدهم باللغة الكرواتية، «الجحيم، لا يوجد إرهابي لداعش في البوسنة! تباً لك يا أمريكا!»، بينما قال أحد المشاهدين التونسيين: «هذا تلفيق. تونس بعيدة عن كونها أرض التطرف فنحن إلى حد بعيد أكثر الدول العربية تسامحاً منفتحين ولا نناقش «الجهاد» في الشوارع التي لا تعرفونها.. وأولئك الذين ذهبوا إلى سوريا لقتل إخوانهم لم يعودوا موضع ترحيب لأنهم يشكلون تهديدًا لأمننا القومي»… وهكذا.
إسرائيل والصهيونية
ومع ذلك، فإن التعليقات المعادية لإسرائيل، على الرغم من أنها مرتبطة أحيانًا بالتعليقات المعادية للغرب والمعادية لأميركا، فإنها لا يمكن وضعها في نفس الفئة، وربما تعكس وجهات نظر متغلغلة على مستوى المجتمع، وغضبًا واسع النطاق في دول الشرق الأوسط بشأن إسرائيل. على الرغم من وجود أدلة على أن إسرائيل تشارك في عمليات سرية في المنطقة، فإنه يُنظر إلى البلاد وشعبها في العديد من التعليقات على أنها رموز للتدخل في القوى العالمية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى السعودية وإيران.
ثمة عامل آخر من المحتمل أن ينعكس على تأييد البعض للإرهاب في المنطقة، ويتمثل في حالة الغضب طويل الأمد في الشرق الأوسط ضد إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، وبسبب الدعم والانحياز الأمريكي القوي لإسرائيل، بالإضافة إلى وجهات نظر بشأن القوة المتضخمة لإسرائيل في المنطقة، لا سيما بعد الهزيمة العسكرية لإسرائيل من قبل البعض في المنطقة.
ويبدو أن المشاعر المعادية لإسرائيل والنظرية القائلة بأن إسرائيل أنشأت داعش لزرع الانقسام بين المسلمين وجدت في العديد من التعليقات انعكاسًا لمجتمع الشرق الأوسط السائد، فوجهة النظر هذه التي تساوي داعش مع الصهيونية، تدعي ببلاغة أن داعش تم إنشاؤها من قبل إسرائيل، وهى وجهة نظر تكتسب مصداقية كبيرة أيضًا.
في عشرات المنشورات والمدونات على الإنترنت، ردد بعض المعلقين تصريحات على شاكلة: «لقد تآمرت إسرائيل ضد الدول العربية في المنطقة، ولعبت على التوترات الطائفية والعشائرية لتوليد عدم الاستقرار»، ويتابع احد هؤلاء: «حقيقة أن داعش لم يتحرك ضد إسرائيل وبدلاً من ذلك ركز على قتل المسلمين، هى حقيقة تقول الكثير عن المهمة الحقيقية لهذه المنظمة». وقد تردد نفس السؤال أيضًا في مقابلات ICSVE مع أعضاء داعش، حيث سأل بعضهم قادتهم لماذا لم تهاجم الجماعة إسرائيل أولاً قبل قتال قوى الشرق الأوسط ومهاجمة أهداف غربية؟
وتعبر مقالات أخرى على الإنترنت تم تداولها على نطاق واسع في الشرق الأوسط أيضًا عن وجهة نظر مفادها أن داعش والصهيونية هما في الأساس ينبعان من نفس الأيديولوجية، ومن المحتمل أن الانتشار الواسع لهذه المعتقدات قد يكمن وراء وجود وجهات نظر مناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية ممزوجة مع وجهات نظر معادية لإسرائيل في هذه التعليقات على Facebook. علاوة على ذلك، من المثير للاهتمام أن نفس عملية التفكير في تشبيه أيديولوجية داعش بالصهيونية قد تم استخدامها أيضًا من قبل أعضاء داعش وأنصارهم لتبرير أفعالهم وتوصيف الأشخاص الذين يدعمون إسرائيل ويعارضون داعش على أنهم معادون للإسلام.
أخيراً، من المهم جدًا مواصلة العمل على نزع الشرعية عن مجموعات مثل داعش والقاعدة من خلال الحملات المضادة وإفشال أيديولوجيتهم التي تروج للجهاد المسلح أو «الشهادة» و «الهجرة» أى الهجرة إلى الأراضي التي تحكمها الشريعة، وبناء الخلافة حتى بالوسائل العنيفة.
ومع ذلك، فإن هذا التحليل لتعليقات عينة من المسلمين على هذه الفيديوهات المناهضة لداعش على فيسبوك، يكشف عن الحاجة إلى قيام الغرب بإعادة التفكير من أجل فهم أفضل للتعامل مع المشاعر المعادية له لدى أولئك الذين هم على استعداد لمعارضة داعش، حيث أن هذه الآراء المعادية للغرب غالبًا ما تكون ذريعة لحشد الدعم للجماعات الجهادية المسلحة.
تعريف بالكاتب:
*مولي إلينبرغ، ماجستير زميل بحث في ICSVE . تحمل مولي إلينبرغ درجة الماجستير في علم النفس الشرعي من جامعة جورج واشنطن وشهادة بكالوريوس. في علم النفس مع تخصص في علم النفس السريري من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو. في ICSVE، تعمل على ترميز وتحليل البيانات من المقابلات البحثية النوعية التي أجراها ICSVE مع إرهابيي داعش والشباب، وتنظيم حملات على الفيسبوك لتعطيل تجنيد داعش والشباب عبر الإنترنت وجهاً لوجه، وتطوير دورات تدريبية واستخدامها مع مقاطع فيديو مشروع كسر قصة العلامة التجارية ISIS.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا