هل بالفعل هناك تمييز سلبي ضد النساء العاملات في صناعة السينما ليس في مصر فحسب و لكن في العالم كله سواء من يقفن أمام الشاشة الذهبية أو خلفها؟
السؤال يفرض نفسه فور الإعلان عن مبادرة «50/50×2020» والتي بدأ في اعتمادها عدد من المهرجانات السينمائية الكبرى لعل أبرزها مهرجان «كان»، وأخرها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كما أعرب عن ذلك رئيسه المنتج محمد حفظي.
تلك المبادرة والتي بموجبها يتم تمكين مزيد من بنات حواء العاملات بصناعة السينما من الوصول بأفلامهم للمنصات الدولية إضافة للحفاظ على نسب موازية تضمن مشاركتهم ضمن فرق البرمجة و لجان الإختيار ومجمل الهيكل الإداري لأي مهرجان، ما يسهم في تحقيق المساواة بين الجنسين في عالم صناعة الأفلام و البرمجة.
يذكر أن فكرة هذه المبادرة أو «ميثاق المساواة» بدأت على هامش فعاليات مهرجان «كان» في دورته الـ 69 والتي اقيمت عام 2016، وقد شدد حينها المشاركون على ضرورة العمل من أجل تحقيق منافسة عادلة في قطاع صناعة الأفلام بحلول عام 2020، وتم بالفعل تشكيل تكتل ضم العديد من العاملين و العاملات بهذا المجال، ونجحوا في الترويج لفكرته وإقناع عدد من المهرجانات الدولية بالتوقيع عليها و العمل بها وفي مقدمتهم كما أشرنا مهرجان «كان».
لكن حالت «الجائحة» دون خروج الدورة الأخيرة من المهرجان و الإكتفاء بالإعلان عن الأفلام التي تم اختيارها للمشاركة بأقسامه المختلفة ومن دون تحديد، وبالتبعية لم يتم الكشف عن نسبة التمثيل النسائي لهذه الدورة سواء في عدد الأفلام المختارة أو أطقم العمل في الهيكل الإداري أو لجان التحكيم والمبرمجين ومختلف البنود التي أوصت بها المبادرة.
والسؤال الآن ألا تعد هذه المبادرة «تصنيف نوعي» للمصنف الفني حسب «الجنس»، بينما ومن المفترض أن يكون التقييم وفقا لجودته فقط، حتى لا تظلم أعمال أخرى أكثر جودة؟
وهل ستواصل هذه المبادرة كسب أرض جديدة أم ستقابل بهجوم و اعتراضات من أهل الصناعة لكونها تعتمد مبدأ التقييم بعيدا عن الجودة الفنية؟
و أخيرا و ليس أخرا هل سينما المرأة المخرجة بالفعل مظلومه و تحتاج للدعم، أم أنها تمتلك من الخصوصية ما يجعلها قادرة على المنافسة و بجدارة و بعيدا عن أي مساعدات تفسح لها المجال وتمنحها حق لا تستحقه.
الناقد السينمائي «كمال رمزي»
الجودة وفقط
من خلال خبرته العريضة في تغطية العديد من المهرجانات الدولية يرى ناقدنا المخضرم محمد رضا أن الحكم على أي فيلم يجب أن يكون تبعا لجودة الفيلم ذاته ، ولا أهميه لمن يخرجه من ناحية الجنس ذكر أم أنثي، وكم من أفلام أخرجها رجال وكانت فاشلة، و أخري أخرجتها نساء و كانت ناجحة، كذلك 80 بالمئة من الأفلام التي دخلت التاريخ أخرجها رجال ولم تشتكي المرأة حينها ولا يجب أن تشتكي اليوم.
أما ما يتعلق بالمساواة فيري رضا أنها ضرورية على الأصعدة المختلفة، لكن في التقييم الفني لأي عمل إبداعي هناك فقط «الموهبة»، الشغف و الرؤية، هذا فقط ما يجب أن يتوفر لكل مخرج رجل كان أم إمرأة والذي على أساسه يتم التقييم، ما يفسر أن مهرجانات كبرى لم توافق على هذه الوثيقة مثل مهرجان فينيسيا الذي رد مديره على المنتقدين له قائلا: «سأقبل بأي فيلم تبعا لجودته فقط».
الناقد محمد رضا
الكلام نفسه يؤكد المخرج سعد هنداوي من واقع تجربته في مجال البرمجه سواء في مهرجان دبي السينمائي الدولي أو إشرافه لثلاث سنوات على برنامج سينما الغد (أحد البرامج الموازية ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي)، حيث يري أن تقييم أي مصنف فني حسب الجنس هو تصنيف نوعي بإمتياز في مهنة من المفترض أنها تعتمد علي الإبداع الفني فقط، بل أن هذا التصنيف يكرس أن المرأة مختلفه عن الرجل و من ثم يجب أن ندافع عن حقوقها.
المخرج سعد هنداوي
نفس الرأي أكدت المخرجة هبة يسري إذ تري أن هذا التصنيف يحمل فكرا ذكوريا لأنه يتعامل مع المرأة بوصفها كائن من درجة أقل و عليه يجب مساندتها و نصرتها، بينما المرأة المخرجة هي مبدع مثلها مثل الرجل والفيصل بينهما فقط للجودة الفنية، مشيرة لأن الإبداع لا يعرف الجنس، بل أن مثل هذه المبادرات تظلم المرأة المبدعه كثيرا و تشكك في أحقيته بالمشاركة في تلك المهرجانات أو ما تناله من تكريم أو جوائز، حيث يرجعها البعض لنسب المشاركة و الحرص على المساواة.
المخرجة هبة يسري
علي الجانب الأخر وكما تؤكد يسري فإن هناك عدد كبير من المبدعات نجحت بالفعل في احتلال مكانة متقدمة على الخريطة الفنية بأعمالهم المتميزة لعل آخرها المخرجة أيتن أمين التي اختير فيلمها «سعاد» للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي في دورته الأخيره، ما يؤكد أن جودة المصنف الفني هي الفيصل في الحكم على الإبداع، وأن مثل هذه المبادرات و الوثائق تضر المرأة المبدعة ولا تنقصها كما يدعي من يطلقونها أو يتحمسون لها.
كوتة للمرأة
مرة أخري لماذا هذا القرار، وماذا عن المهرجانات التي قامت بالتوقيع علي هذه الوثيقة ألا تخشي من أن تضطر لقبول أعمال دون المستوى حتى تحقق النسبة المطلوبة؟ الأمر الذي سيضعف حتما مستواها؟
الناقد الشاب رامي عبد الرازق يرى هذه المبادرات وغيرها نوع من المواءمات ترضية للحركات «النسوية» أو غيرها من الحركات المدنية الداعمة للمساواة، والتي ربما تكون مقبولة على مستوى العاملين و العاملات بالهيكل الإداري، لكنها بالقطع غير مقبولة عند التقييم الفني لأي عمل.
الناقد رامي عبد الرازق
عبد الرازق و الذي يؤكد علي أن الإبداع لا يعرف الجنس يرى أن المرأة المخرجة ربما تكون أكثر حظا في المهرجانات السينمائية ومن دون الحاجة لتلك القاعدة المخترعة، إذ أن هناك مهرجانات للمرأة و أخري تخصص لها أقسام خاصة، غير برامج التكريم والتي تحتفي ببنات حواء عن استحقاق وليس بغرض تفعيل تلك النسبة.
نفس الكلام تؤكده أيضا المخرج سعد هنداوي مشيرا لأن مجرد طرح تلك الفكرة (أن المرأة مظلومة) تثير الضحك، و أنصح المدافعين و المروجين لتلك الفكرة أن يفرغوا من وقتهم ساعة للبحث في مواقع المهرجانات السينمائية الكبرى والمتاح أرشيفها ولسنوات ماضية، ليكتشف حجم تواجد المرأة سواء بالمشاركة بأفلامها في الأقسام المختلفة، أو بالتواجد في لجان التحكيم, أو برامج التكريمات، حينها سيكتشف ما إذا كان حق المخرجة المرأة مغبون أم ماذا.
خصوصية
لو افترضنا أن المرأة المخرجة بالفعل مظلومه و تحتاج للدعم، فهل تمتلك من الخصوصية ما يجعلها قادره على المنافسه و بجدارة؟
الناقد محمد رضا من جانبه لا يعتقد أن المرأة لديها خصوصية ليست للرجل ولا الرجل لديه خصوصية ليست للمرأة، بل أن هناك مخرجات حققن- مثلاً- أفلام أكشن جيدة (كاثرين بيغلو) وهناك مخرجون رجال تعاملوا مع المرأة بحس رائع (جورج كوكر). المهم الموهبة والموضوع المُعالج.
جورج كوكر، كاثرين بيغلو
هنداوي هو الأخر يري الإدعاء بأن المرأة هي أفضل من يعبر عن مشاعر ومشكلات وقضايا المرأة محض كذب، بالمخرج الرجل يستطيع الولوج لتلك المشاعر وتبني تلك القضايا والتعبير عنها بصدق وعمق شريطة أن يكون مخرج جيد، لديه فكر وليس مجرد تقني، أن يكون مثقف لديه توجه اجتماعي واضح، يبحث ويذاكر» شخصياته وعوالمها ويفهم قضيتهم.
تماماً كما أن المخرجة السيدة تستطيع التعبير عن مشاعر الرجل في أفلامها أيضاً (إذا) توفر لديها كل الصفات السالف ذكرها، وقد تخفق المرأة في إخراج فيلم يعرض لمشاعر وقضية امرأة وقد يخفق الرجل أيضا.