فن

فرقه الصامدون: «الذل إزاي نرضاه»؟

الإسماعيليه…تلك المدينة الوديعة الهادئة التي كان قدرها منذ نشأتها أن تحمل عبء الدفاع عن الوطن.

ففي مطلع الخمسينات نشطت في تلك المدينة التي كان المحتل الإنجليزي يتخذ من معسكره فيها قاعدة عسكرية رئيسية حركة مقاومة نشطة ضد الاحتلال توجت في عام ١٩٥٦ بجلاء المحتل عن أرض مصر.

ومع عدوان عام ١٩٦٧ تجدد الدور النضالي خاصة مع بداية ما عرف بحرب الاستنزاف التي استعاد الجيش المصري خلالها بعضاً من عافيته.

فمع تمكن القوات المصريه من تنفيذ عمليات ضد العدو شرق القناة، كان رد العدو المفضل بداية من شهر يوليو ١٩٦٧ هو قصف الأهداف المدنية في مدن القناه الثلاثه: بورسعيد والسويس والاسماعيلية.

وفي يوم السبت الموافق ١٥ يوليو ١٩٦٧ قصفت مدفعية العدو قطاراً للركاب في محطة الإسماعيلية فاحترق القطار بمن فيه من الركاب في مجزره مروعه.

دفعت المجزرة الرئيس عبد الناصر لرفع شعار «التهجير جزء من المعركة» وبدأت السلطات بالفعل بداية من سبتمبر من نفس العام في عمليات تهجير أهالي مدن القناة من ديارهم إلى الداخل المصري لكي لا يكونوا رهينة بيد العدو.

تهجير أهالي مدن القناة

إلا أن بعضا من أبناء هذه المدن رفض التهجير وأصر على البقاء واستكمال دوره الوطني وهم من عرفوا بـ«المستبقين» مثل العاملين في مجال الكهرباء والمياه وهيئة قناة السويس بالإضافة إلى العاملين في المجال الطبي.

ومن هؤلاء المستبقين نشأت فرقة تتغنى بأنغام آلة السمسمية التراثية وتسخرها لصالح المعركة وتنشد اغنيات تدعو للصمود والقتال وحمل أفرادها اسماً ذو دلاله هو «فرقه الصامدون».

فرقة الصامدون في فترة حرب الاستنزاف

كان من بين افراد الفرقه الفنان فوزي الجمل الذي كان بمثابة قائد لأفرادها وفنان السمسميه عبده العثمانلي ذو الأنامل الذهبيه والشاعر حافظ الصادق الذي كتب كلمات أغلب أغاني الفرقه.

ومن الطريف حقا أن أفراد هذه الفرقة وفي مقدمتهم  «فوزي الجمل» قدموا إليها من مجال الرياضة وتحديدا كرة القدم مثل فالجمل بدأ حياته لاعبا لكرة القدم في نادى السكة الحديد في الإسماعيلية وكان حارس مرمى وكان يغني مع رفاقه أغنيات رياضية دعما لفريق الإسماعيلي ولاعبيه الملقبين بـ«الدراويش» ثم تحول إلى الغناء مع فرقة الصامدين بداية من عام 1967.

الفنان فوزي الجمل

تحولت الفرقة تدريجياً إلى معلم من معالم الإسماعيلية ونجحت في شحذ همم من بقوا فيها من أولادها رغم كافة الظروف القاسية التي عاشوها.

حيث استخدم أفراد الفرقه الذي وصل عددهم إلى نحو عشرين شخصاً كل ما توافر من أدوات بسيطة ليحولوها إلى آلات موسيقية فحولوا الملاعق إلى أدوات إيقاعيه واستعانوا بالطبله وعلى إيقاعها كانوا يؤدون رقصة «الضمة» التراثية وكانت الآلة الرئيسية بطبيعة الحال هي السمسمية التي تحولت -بكل معنى الكلمه- إلى سلاح في المعركة.

وبشكل أسبوعي وفي قلب مدينه الإسماعيليه وتحديداً في شارع مصر أقامت الفرقة الحفلات للمستبقين و الجنود المتمركزين في المدينة وهو ما حاز إعجاب مسؤولي الشؤون المعنوية في القوات المسلحة الذين طلبوا من أفراد الفرقه تقديم حفلات للجنود على الجبهة والمهجرين في معسكراتهم وهو ما حدث بالفعل وكانت هذه الحفلات فرصة للقاء بين فرقة الصامدين وفرقه أولاد الأرض في السويس وفرقة شباب النصر البورسعيديه.

وعلى طريقه فرقة أولاد الأرض التي أسسها الكابتن غزالي، ارتدى أفراد فرقه الصامدون الزي العسكري وكانوا يبداون كافه حفلاتهم باغنيه صاغ كلماتها حافظ الصادق وباتت بمثابة نشيدهم الرسمي:

«صامدين وكتاب الله

ولا هنطاطي الجباه

دي بلدنا اتخلفت حره

والذل ازاي نرضاه».

وعلى أنغام السمسمية أيضا قام عبده العثمانلي بتغيير أغنيه عاطفيه تراثيه هي «يا بنت سامعاني» ألى أغنية وطنية نضالية بعنوان «يا دنيا سامعاني» تؤكد كلماتها على روح الصمود الذي اتخذته الفرقه اسماً لها وعلى رفض العدوان والإيمان بالنصر:

«يا دنيا سامعاني

أبويا وصاني

ما اخلي جنس دخيل

يخش اوطاني»

ويمضي العثمانلي قاىلاً:

«أحلف يمين بالله

الذل ما نرضاه

واللي يعادينا

يكتب بايده شقاه».

https://youtu.be/UfZfo1vg0_8

ويأتي السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ليكون النصر الذي طالما تغنت به الفرقه وليكون مصداقاً لأغنيتها «على هدير المدافع»:

«على هدير المدافع

علي الأذان علي

كبر واملا المسامع

عبي الدانات غلي»

وفي أعقاب النصر٫ تم تكريم أفراد الفرقة من قبل الرئيس الراحل أنور السادات.

ورغم تفرق السبل بأفراد الفرقه منذ الثمانينات إلا أن أغنياتها بقيت حاضرة في ذاكرة الإإسماعيليه وظلت حتى يومنا هذا جزءا لا يتجزأ من تراث السمسمية الوطني والنضالي.

 

المصادر: عبد الله كوماندوز – «شزام»- المصري للنشر والتوزيع -٢٠١٩.

عبده جلال هاشم – «الإسماعيلية : أحداث وذكريات»- ٢٠١٥

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock