في قلب التظاهرات المناهضة للعنصرية التي تشهدها الولايات المتحدة حالياً وتحديداً في العاصمة الأمريكية واشنطن كان العلم الفلسطيني حاضراً، يرفرف إلى جانب اللافتات التي رفعها المتظاهرون من قبيل «حياة السود مهمه» و«أوقفوا العنف الأمني» وغيرها.
أعاد هذا المشهد التذكير بتراث منسي من التضامن الطويل بين المجتمع الأفرو- أمريكي أو مجتمع السود في الولايات المتحدة وبين الشعب الفلسطيني، وذلك نظراً لأن الإعلام الأمريكي والعربي على حد سواء لا يسلط الضوء على هذا التراث.
ففي ستينات القرن العشرين ومع توسع حركة الحقوق المدنية الأمريكية التي تزعمها القس الشاب مارتن لوثر كينج٫ ورغم تأكيد هذا الأخير على أن «الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في كل مكان» إلا أن ارتباط الحركة بمؤسسات ومنظمات يهودية أمريكية شكل عائقا أمام إبداء قادتها أي نوع من التعاطف أو التضامن مع شعب فلسطين وقضيته.
إلا أن حركة أخرى هي حركة «القوة السوداء» التي كان أبرز رموزها القيادي الأسود الراديكالي مالكولم إكس لم تواجه هذا العائق، بل على العكس بدا موقف إكس واضحاً لا لبس فيه من القضية الفلسطينية خاصة بعد رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج عام ١٩٦٤.
فبعد هذه الرحلة التي شكلت مرحلة مهمة من مسيرة إكس، زار الأخير عدداً من بلدان العالمين العربي والإسلامي وفي مقدمتها مصر، كما أمضى نحو يومين في قطاع غزة الذي كان لايزال تحت الإدارة المصرية في ذلك الحين وذلك في شهر سبتمبر من نفس العام.
مالكوم اكس .. القاهرة 1964
تضمنت زيارة إكس الصلاة في أحد مساجد غزة وعقد مؤتمر صحفي أمام مبنى البرلمان هناك، كما التقى الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد الذي اصطحبه في زيارة لعدد من مخيمات اللاجئين.
ولدى عودة إكس إلى القاهرة التقى أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما كتب مقالاً نشرته جريدة مصرية ناطقة بالإنجليزية هي «ذا ايجيبشيان جازيت» اعتبر فيه أن الصهيونية هي صنيعة «الاستعماريين الأوروبيين» الساعين لتقسيم العالم العربي وخلق الشقاق بين الأفارقه والأسيويين على حد تعبيره.
مالكولم إكس، وأحمد الشقيري
لم يمهل القدر إكس طويلاً ليمد أواصر التواصل والترابط بين حركته الناشئة وبين النضال الفلسطيني والعربي من أجل الحرية والاستقلال، حيث اغتيل بعد عام واحد من الزيارة المشار إليها، إلا أن تلاميذه ساروا على نهجه في التضامن مع هذا النضال.
حيث شهد عام ١٩٦٧ حدثان مهمان: الأول هو العدوان الصهيوني الذي أسفر عن احتلال الدولة الصهيونية لأجزاء واسعة من المشرق العربي والثاني هو تحول اللجنة الوطنية التنسيقية للطلبة من كيان يتخذ من اللاعنف الذي دعا إليه القس كينج سبيلاً لتحقيق المساواة ومعارضة حرب فيتنام إلى جزء لا يتجزأ من حركة القوة السوداء وبدأ تحول اللجنة إلى كيان أكثر راديكالية من خلال بيان صاغه أحد أبرز قادتها ستوكلي كارميكل أوضح فيه تضامن اللجنة مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي دفع عدداً من المنظمات اليهودية لسحب تأييدها السابق للجنة.
في الوقت ذاته كان حزب الفهود السود الذي أسسه عام ١٩٦٦ شابان متأثرين بفكر مالكولم إكس هما بوبي سيل وهيوي نيوتن يمد الصلات مع حركات تحرر عدة في مختلف أنحاء العالم من خلال مكتبه الخارجي الذي اتخذ من الجزاير مقراً له وكان يديره عضو الحزب الكاتب الدريدج كليفر الذي اضطر للجوء إلى الجزائر بعد ملاحقة الأمن له في الولايات المتحدة.
نيوتن في لبنان
أتاح الوجود في الجزائر لكليفر التواصل مع الفصائل الفلسطينيه المختلفه، وفي عام ١٩٧٠ أوضح «الفهود السود» موقفهم بشكل قاطع حين أكد بيان لهم أنهم «يساندون بشكل تام النضال العادل للشعب الفلسطيني» وأن الحزب على «اتصال يومي» مع منظمه التحرير الفلسطينيه وبطبيعة الحال لم يفت بيان الحزب أن ينفي عن أفراده تهمة «معاداة السامية» حين فرق بشكل واضح بين معاداة اليهودية كديانة وبين النضال ضد الصهيونية كنظام سياسي.
اجتماع الجزائر
وفي أعقاب النصر العربي على الكيان الصهيوني وتحديداً في عام ١٩٧٤ إصدر الحزب بياناً ثانياً بشأن القضية دعا فيها إلى انسحاب صهيوني كامل من كافة الأراضي العربية التي احتلت عام ١٩٦٧.
وفي مطلع الثمانينات قام هيوي نيوتن بزيارة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التقى خلالها ياسر عرفات، وفي وقت كان الإعلام الأمريكي يبرز عرفات باعتباره عدواً كان الحزب يعتبره حليفاً٬ كما أن جريدة الحزب عقدت مقارنه بين البرامج التي تقدمها منظمة التحرير للاجئين كالمدارس والرعاية الصحية ورعاية أبناء الشهداء وبين البرامج المماثله التي يقدمها حزب الفهود السود لأبناء الأحياء الفقيرة والمحرومة في الولايات المتحدة.
هيوي نيوتن، وياسر عرفات
أما ستوكلي كارميكل٫ فعقب عودته من إقامته في القارة الإفريقية التي امتدت لعدة سنوات عمل خلالها كمستشار لعدة حكومات أفريقية وغير بعدها اسمه إلى «كوامي توري» تيمناً بزعيمي غانا وغينيا كوامي نكروما وأحمد سيكو توري٫ فلخص موقفه في جملة ذات دلالة حين قال «لي امنيتين: أن أتناول القهوة في جنوب أفريقيا بعد زوال نظام التفرقة العنصرية وأن أتناول الشاي بالنعناع في فلسطين بعد زوال الاحتلال».
وعلى درب هؤلاء، سارت «الحركة من أجل حياة السود» وهي تجمع لأكثر من خمسين كيانا اجتماعياً في الولايات المتحدة يعمل لإنهاء العنف الأمني ضد الاقليات حين أصدرت عام ٢٠١٦ بيانا أكدت فيها على تضامنها مع الشعب الفلسطيني في وجه ما يتعرض له من قتل واعتقال وتشريد على يد الاحتلال.
وعلى وقع الاحتجاجات الحالية في الولايات المتحدة تبدو فرص الالتقاء بين الحركات المنادية بحقوق السود وتلك المؤيدة للشعب الفلسطيني أكبر من أي وقت، فكلا المجتمعين: الأفرو- أمريكي والفلسطيني يعانيان من تبعات عنصرية واحدة وإن تعددت صورها حيث قوامها الأساسي هي فكرة تفوق شعب واحد بسبب لونه أو ديانته على شعب آخر.
المصادر:
The Black Panther Party – For Palestine by Greg Thomas
The Black Panther Party and Palestine Solidarity
Why The Black Panther Party & Palestine Solidarity Is Still Relevant Today