إلى جانب شروعه في وضع أسس دولة حديثة، طمح محمد علي في التوسع خارج الحدود لتأسيس «الدولة المصرية الكبيرة» والتي تضم البلاد العربية في آسيا وأفريقيا، على أن تبدأ حدودها من جبال طوروس شمال الشام إلى منابع النيل جنوب السودان، ومن الجزيرة العربية شرقا إلى بلاد المغرب غربا.
مضى محمد علي في تحقيق حلمه، ووصلت قوات الجيش المصري إلى قلب السلطنة العثمانية، وهو ما أقلق الدول الأوربية التي خشت من دخول لاعب جديد إلى المعادلة الدولية، فعملت على إجهاض هذا المشروع.
في كتابه «عصر محمد علي» يتتبع المؤرخ عبد الرحمن الرافعي محطات المشروع التوسعي لمحمد علي، ومنها محطة الحرب المصرية العثمانية في الشام والتي استمرت نحو 9 سنوات تمكن فيها الجيش المصري من سحق الأتراك في أكثر من معركة.
عبد الرحمن الرافعي، وكتابه «عصر محمد علي»
يشير الرافعي إلى أنه بعد تخلص محمد علي من أمراء المماليك، تفرغ لخوض الحروب باسم السلطان العثماني، فحارب الدولة السعودية الأولى في الحجاز وتمكن من إسقاطها، وشجع نجاحه السلطان محمد الثاني على أن يطلب منه العون في قمع الثورة اليونانية التي طالبت بالاستقلال عن العثمانيين.
الأسطول المصري في المورة
استجاب محمد علي لطلب السلطان وأرسل حملة عسكرية إلى جزيرة كريت وأخمدت الثورة فيها، كما أرسل حملة أخرى بقيادة ابنه إبراهيم باشا، لإخماد ثورة المورة، وبعد انتصار الجيش المصري في عدد من المعارك وتمكنه من إخضاع معظم المدن قررت الدول الأوروبية وفي مقدمتها روسيا دعم الثوار، وأرسلت سفنها إلى مياه اليونان، وفرضت الحصار على الأسطولين المصري والعثماني، وضربتهما في ميناء نافارين ودمرتهما تماما في أكتوبر سنة 1827.
الأسطول المصري في المورة
عند هذه النقطة رأى محمد علي باشا أنه لا فائدة تُرجى من مواصلة القتال، بعد أن فقد أسطوله وانقطعت طرق مواصلاته البحرية مع جيوشه في بلاد اليونان، وأن الحكمة تقضي بفصل السياسة المصرية عن السياسة العثمانية، وأصدر قراره بسحب قواته من اليونان في 1828.
ويضيف الرافعي أن مصر خرجت من الحرب اليونانية دون أن تظفر بفتوحات جديدة، ففي حين أن الحرب الوهابية انتهت ببسط نفوذ مصر على جزيرة العرب، وضم إليها فتح السودان الشطر المكمل للدولة المصرية، فأن الحرب اليونانية لم تكسبها شيء، بل انتهت بجلاء الجيش المصري عن بلاد الموره وعودته إلى مصر.
أرادت تركيا أن تعوض محمد علي باشا بعض ما فقده في الحرب اليونانية، فأسندت إليه جزيرة كريت، لكن هذا العوض لم يكن ذا قيمة، إذ لم يكن من السهل أن تحكم مصر تلك الجزيرة التي عرف عن أهلها العصيان والثورة.
طمح محمد علي في ضم سوريا إلى مصر، وأخبر تركيا برغبته حتى يعوض ما أدركه من خسائر اليونان، ألا أن طلبه لم يُجب، فقرر أن يناله بحد السيف، ورأى ضرورة ضم سوريا إلى مصر كحاجز حصين بين مصر والدولة العثمانية وبها يتقي شر تركيا إذا حدثتها نفسها بغزو مصر.
محمد علي باشا
الزحف على الشام
ويقول الرافعي أن مشروع محمد علي كان يتناول إنشاء دولة عربية مستقلة في مصر تضم إليها البلاد العربية في أسيا وإفريقيا، لذا طمح في ضم سوريا بعد أن استقرت له الأمور في السودان والجزيرة العربية، حيث كان يسعى إلى تأسيس الدولة المصرية الكبيرة بضم الشام إلى حكمه.
مهّد محمد علي لتنفيذ خطته بضم سوريا، بأن أخذ يوطد علاقاته بأحد أقوى الشخصيات في الشام على الإطلاق، وهو الأمير بشير الشهابي الذي كان يحارب السلطنة العثمانية، ثم اضطر للفرار إلى مصر، فرحّب به محمد علي، واتفقا على التعاون معًا.
ولإيجاد سبب مباشر لغزو الشام، افتعل محمد علي خلافًا مع عبد الله باشا والي عكا إذ طالبه برد مال كان قد قدمه إليه، وإعادة المصريين الفارين من دفع الضرائب، ولما ماطل عبد الله باشا في تلبية طلب محمد علي، اتخذ الأخير هذه المماطلة ذريعة لغزو الشام، وكتب إليه يتوعده ويُنبئه بأنه قادم إليه ليعيد هؤلاء الفارين جميعا بالإضافة إلى واحد وهو عبد الله باشا ذاته.
قرر محمد علي تجريد حملة على سوريا، مؤلفة من 30 ألف جندي بقيادة ابنه إبراهيم باشا، تحركت الحملة في أكتوبر من عام 1831، ووصلت إلى غزة فاحتلتها ثم دخلت يافا ومنها إلى حيفا التي اتخذها إبراهيم باشا قاعدة عسكرية له.
الحملة العسكرية على الشام 1831
ضرب الجيش المصري الحصار على عكا في نوفمبر من ذات العام، وأطلقت المدافع قنابلها على أسوارها وحصونها، وخلال الحصار الذي دام أكثر من 3 شهور، احتل إبراهيم باشا مواقع هامة في ولاية صيدا وبيروت وطرابلس، كما تم إخضاع القدس بلا قتال.
قررت تركيا تحريك قواتها لوقف زحف القوات المصرية، وحشدت نحو 20 ألف مقاتل بقيادة عثمان باشا والي طرابلس وعهد إليه برفع الحصار عن عكا، وقبل تحرك الجيش التركي، استقر رأي إبراهيم باشا ومجلسه الحربي في أن يترك حول عكا قوة كافية لمتابعة حصارها، فيما تتحرك قواته لوقف زحف الأتراك.
حصار عكا
«سهل الزراعة» وسقوط عكا
تقدم الجيش التركي بقيادة عثمان باشا وهاجم طرابلس التي كانت تحتلها حامية مصرية فدخل المدينة، ألا أن جنود الحامية ردوا على الهجوم، وأمر إبراهيم باشا بتعزيز القوات هناك مما أجبر القوات التركية على التقهقر.
تعقب إبراهيم باشا الترك إلى حمص، والتقى الجيشان في سهل الزراعة، وأوقعت القوات المصرية التي كان يقودها سليمان باشا الفرنساوي خسائر فادحة بالقوات التركية التي انسحبت إلى نهر العاصي، حيث غرق منهم عدد كبير، وانتهت المعركة بهزيمة الجيش العثماني.
عاد إبراهيم باشا بقواته بعد موقعة «الزارعة» إلى بعلبك، وكان والي عكا قد بدأ في مناوشة القوات المحاصرة، فطوق الجيش المصري المدينة مرة أخرى وضرب أسوارها بالمدفعية الثقيلة وأحدثوا فيها ثغرتان كبيرتان، وتحت هجوم الجيش المصري العنيف عرض عبد الله باشا تسليم المدينة، وجرى تسليمها في 27 مايو سنة 1832.
إبراهيم باشا
بعد أن استببت الأمور في عكا، توجه إبراهيم باشا على رأس جزء كبير من جيشه قاصدا دمشق، وهناك وقعت معركة بين الجيش المصري والجيش العثماني، انهزم فيها الترك، وفروا إلى الشمال، ودخل إبراهيم باشا دمشق في 16 يونيو من عام 1932، وسط ترحيب أهلها لأنهم كانوا يرغبون في تغيير حكامهم بفعل مساوئ الولاة العثمانيين.
أقام إبراهيم باشا في دمشق نحو أسبوعين، وحضر صلاة الجمعة في الجامع الأموي وخاطب أهلها، وعين عليهم أحمد بك اليوسف وهو أحد أعيان المدينة حاكما باسم الدولة المصرية، وأنشأ فيها ديوانا لـ «المشورة» من أعيان المدينة يختص بنظر دعاوى الرعية والحكومة.
أفزع سقوط عكا ودمشق وسيطرة المصريين على جنوب الشام السلطان العثماني، فحشد جيشا كبيرا بقيادة السير عسكر حسين باشا لوقف زحف الجيش المصري وإجباره على الانسحاب من الشام، وأصدر في الوقت نفسه فرمانا بخيانة محمد علي وولده إبراهيم للسلطة الشرعية.
الجيش المصري في «قونية»
تغلب الجيش المصري على الأتراك في معركة حمص في 29 يونيو عام 1832، وسيطر على حماة ودخل بعدها إلى مدينة حلب، أما حسين باشا فانسحب بجيشه إلى الشمال وتمركز في ممر بيلان بين الشام والأناضول، فلحقه إبراهيم باشا وانتصر عليه، وطارد فلول جيشه حتى اضطرهم إلى الفرار، ثم احتل ميناء إياس شمال الإسكندرونة ودخل ولاية أضنة وطرسوس.
إثر الهزائم المتوالية للعثمانيين، قرر إبراهيم باشا التقدم حتى وصل إلى مدينة قونية، فاحتشدت القوات التركية للدفاع عن قلب السلطنة، واشتعلت معركة “قونية” في 20 ديسمبر سنة 1832، ونجح الجيش المصري في سحق الأترك، وأُسر قائدهم الصدر الأعظم محمد رشيد باشا.
وهكذا، باتت الطريق مفتوحة أمام الجيش المصري للوصول لإسطنبول، فاستنجد السلطان بالدول الأوربية لوقف تقدم إبراهيم باشا، فلم تنجده سوى روسيا خصمه اللدود، فيما كانت بريطانيا منهمكة في شؤونها الداخلية، أما فرنسا فكانت تؤيد محمد علي وتتعاون معه، ووقفت النمسا وبروسيا على الحياد.
أرسلت روسيا عام 1833 أسطولاً بحريًا إلى الآستانة للدفاع عنها، وهو ما دفع انجلترا وفرنسا إلى عرض مساعدتهما على السلطان العثماني حتى لا تقوي روسيا مراكزها في الممرات البحرية.
اتفاقية «كوتاهية»
نشط ممثلو بريطانيا وفرنسا في التوسط بين السلطان ومحمد علي، واستخدمت فرنسا علاقاتها الودية مع حاكم مصر لإقناعه بتسوية الخلافات مع السلطان، وعرضت عليه أن يكتفي بمدن صيدا وطرابلس والقدس ونابلس، إلا أنه رفض وأصر على ضم بلاد الشام حتى ولاية أضنة على أن تكون جبال طوروس هي الحد الفاصل بين الدولة العثمانية ومصر، وأمر ابنه وقائد جيشه إبراهيم باشا بالتقدم حتى يضغط على السلطان فيزعن لطلباته.
وتحت الضغوط الأوربية، توصل الجانبان «المصري والعثماني» إلى التوقيع على اتفاقية كوتاهية في 6 مايو سنة 1834، أعلنت فيه الدولة العثمانية تنازلها عن كامل بلاد الشام إلى محمد علي بالإضافة إلى مصر وجزيرة كريت وأضنة، وتجديد ولاية ابنه إبراهيم باشا على حكم الحجاز.
وبمقتضى اتفاقية كوتاهية صارت حدود مصر الشمالية تنتهي عند مضيق «كولك» بجبال طوروس، في المقابل تعهد محمد علي بأن يدفع للسلطان كل عام الأموال التي كان يدفعها الشام للعثمانين، وعلى إثر هذا الاتفاق انسحبت الجيوش المصرية من الأناضول.
ويشير عبد الرحمن الرافعي إلى أن السلطان لم يقبل باتفاق كوتاهية إلا مرغما، وكان يضمر السعي لنقضه إذا تهيأت الفرصة، ومما يدلل على ذلك أنه أبرم مع روسيا معاهدة «هنكار أسكله» الدفاعية الهجومية التي تلتزم كل دولة بمقتضاها بمساعدة الدولة الأخرى إذا تعرضت لعدوان خارجي، وتسمح للأسطول الروسي بالمرور من البحر الأسود إلى البحر الأبيض.
إعلان «عربستان»
اتخذ إبراهيم باشا من أنطاكية مقرا لحكمه، وعين محمد شريف باشا حاكما عاما على سوريا، ولقبه بحكمدار «عربستان»، وبدأ في توطيد مركزاه في الشام فأمن حدوده الشمالية ورمم حصون عكا وشيد المستشفيات والمدارس وأرسل البعثات العلمية إلى أوروبا ومهد الطرق وأنشىء الدوواين، ورفع عدد الجيش المصري المرابط في سوريا إلى نحو 70 ألف مقاتل رابط معظمه على الحدود التركية.
محمد شريف باشا
لم تمض الأمور كما خطط لها محمد علي وابنه في سوريا، فأهل الشام، خاصة أعيانهم، لم يقبلوا الطريقة التي أراد إبراهيم باشا أن يحكم بها بلادهم، وزاد من غضبهم الضرائب التي فرضت على الرجال، وإجبار الناس على الالتحاق بالجيش ونزع السلاح من أيدي الأهالي، فضلا عن احتكار الحكومة لتجارة الحرير.
وعلى الرغم من أن سوريا شهدت نشاطًا في التجارة، وازدهارًا في الصناعة واستتبابًا في الأمن بفضل المشروعات التي أدخلها إبراهيم باشا، فإن ذلك لم يكن كافيا لنَيل رضى الناس، فاندلعت الثورة على الحكم المصري في عام 1834.
ساعدت الدسائس التركية والإنجليزية في إشعال الثورات على حكم إبراهيم باشا، حيث هرب رجال الدولة العثمانية وبريطانيا السلاح إلى الأهالي وحرضوهم على قتال الجيش المصري، وبذل إبراهيم باشا جهودًا خارقة في إخماد الثورة.
سحق الأتراك في «نصيبين»
قررت تركيا انتهاز فرصة انشغال إبراهيم باشا بالثورة المشتعلة ضده، وبدأت في حشد الجيش للزحف على الشام، ولما علم محمد علي بالتحركات التركية قرر في عام 1938 إعلان الاستقلال كليا عن الدولة العثمانية كما فعلت اليونان، وهو ما لاقى عدم قبول من الدول الأوروبية التي كانت تخشى تمدد النفوذ المصري.
وتحسبا للزحف التركي، حصن المصريون مضايق جبال طوروس، تحصينا منيعا، وركبوا فيها المدافع الضخمة، وبلغ عدد المدافع التي ركبها الجيش المصري في قلاع المضيق 115 مدفعا.
قرر قائد الجيش التركي محمد باشا حافظ مهاجمة حلب، ولما بلغ محمد علي الأمر، قرر دعم الجيش المرابط في شمال الشام بقوات مصرية.
محمد باشا حافظ، قائد الجيش التركي
احتشدت طلائع الجيش التركي في قرية «نصيبين» أو «نسيب» على الحدود التركية السورية، وتمكنت من احتلال عدة قرى حول مدينة عينتاب، واجتازت سرية من قواته نهر الساجور، وهو الحد الفاصل بين سوريا وتركيا، فتخطت بذلك حدود اتفاق كوتاهية، وفي تلك الأثناء وصلت رسالة محمد علي باشا إلى ابنه بالا يكتفي بردع الأتراك وإرجاعهم إلى حدودهم، بل عليه حربهم وسحقهم لأنهم لم يراعوا العهود والمواثيق، فأصدر إبراهيم الأوامر بمهاجمة الجيش التركي في «نصيبين» «نسيب».
في 21 يونيو سار إبراهيم باشا بصحبة القائد سليمان باشا الفرنساوي ومعهما قوة مؤلفة من 1500 مقاتل لاستكشاف مواقع الأتراك، ووقعت مناوشات بين طلائع الجيشين، كشفت تلك المناوشات مواقع الاتراك وتحصيناتهم.
قرر إبراهيم باشا الالتفاف حول الجيش التركي، ووصل إلى قنطرة «هركون» القائمة على نهر «كرزين» وأمر الجيش بعبور النهر على هذه القنطرة ليحشتد خلف الجيش التركي، فاضطر حافظ باشا أن يدير وجه جيشه لمواجهة الجيش المصري في مواقعه الجديدة.
وفي ليلة 24 يونيو سنة 1839 هاجم حافظ باشا بقواته الجيش المصري في جنح الليل آملا أن يأخذهم على غرة ويوقع الفشل في صفوفهم ولكنه ارتد بعد أن فتكت نيران المدافع المصرية بعدد كبير من جنوده.
وفي صبيحة يوم 24 يوينو، بدأت المعركة طبقا لخطة الهجوم التي رسمها إبراهيم باشا، وأمر بتقدم الصفوف المصرية لمهاجمة الجناح الأيسر للجيش التركي، وأصدر أوامره لسليمان باشا بمهاجمة الجناح الأيمن بالمدفعية، وزحف الفرسان والمشاة على قلب الجيش التركي فشتتوا صفوفه وفر جنوده من الموقعة فكانت معركة «نصيبين» نصرا مبينا للجيش المصري.
بلغت خسائر الترك في «نصيبين» نحو أربعة آلاف قتيل وجريح، ووقع منهم نحو 15 ألف مقاتل في الأسر، واستولى المصريون على نحو عشرين ألف بندقية و70 مدفعا، كما استولوا على خزانة الجيش التركي وكان بها من النقد ما يقرب من 6 ملايين فرنك، أما خسائر الجيش المصري فبلغت نحو 4 آلاف قتيل وجريح.
سحق الأتراك في “نصيبين” 1839
شروط مؤتمر لندن
توفي السلطان محمود الثاني قبل أن يبلغه نبأ الهزيمة، وخلفه ابنه السلطان عبد المجيد الأول، وكان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد، وسرعان ما سارع في التفاوض مع محمد علي الذي اشترط أن يكون الحكم في الشام ومصر حقا وراثيا في أسرته، وكاد السلطان أن يقبل شروط محمد علي لو لم تصله مذكرة مشتركة من «بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا»، تطلب منه قطع المفاوضات، وكانت الدول الأربع قد اتفقت على منع محمد علي القوي من أن يحل محل السلطنة العثمانية الضعيفة في المشرق.
ولم تلبث الدول الأربع أن عقدت عام 1840 مع الحكومة العثمانية مؤتمرا في لندن بحثت فيه «المسألة الشرقية»، وأسفر المؤتمر عن توقيع معاهدة التحالف الرباعي، وفي هذه المعاهدة عرضت الدول الأوروبية على محمد علي ولاية مصر وراثيا وولاية عكا مدى حياته، واشترطت هذه الدول أن يعلن محمد علي قبوله بهذا العرض خلال عشرة أيام، فإن لم يفعل تسحب الدول الأربع عرضها الخاص بولاية عكا، أما إذا لم يجب في مدة عشرين يوما فإن الدول الأربع تسحب عرضها كله، تاركة للسلطان حرية حرمانه من ولاية مصر.
مؤتمر لندن 1840
كان محمد علي مصمما على التمسك ببنود اتفاقية «كوتاهية»، وراهن على مساعدة فرنسا، ولما أبلغته السلطنة العثمانية وقناصل الدول الأوروبية في مصر شروط المعاهدة، ترك الأيام العشرة الأولى تمر دون أن يرد فأبلغه قناصل الدول الأوروبية في اليوم الحادي عشر بالإنذار الثاني، وأمهلوه عشرة أيام أخرى كما أبلغوه أنه لم يعد له الحق في ولاية عكا.
إنحسار المشروع
مرت الأيام العشرة الثانية دون رد من محمد علي، فاعتبروا ذلك رفضا للاتفاقية، عندئذ أصدر السلطان فرمانا بخلعه من ولاية مصر، وشرعت الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات تمهيدية لتنفيذ تعهداتها، فأمرت بريطانيا أسطولها في البحر المتوسط أن يقطع المواصلات البرية والبحرية بين مصر والشام ويضرب موانئ هذه البلاد، وأوعزت إلى سفيرها في إسطنبول بإشعال نار الثورة ضد محمد علي في المدن والقرى الشاميّة، كما قطعت الدول الأوروبية الأربع علاقاتها بمصر.
استقبل محمد علي باشا نبأ عزله بهدوء، وأعرب عن أمله بالتغلب على هذه المحنة، ثم جنح للسلم عندما ظهر الأسطول البريطاني أمام شواطئ الإسكندرية، ورأى أن فرنسا غير قادرة على مقاومة أوروبا كلها، لذلك وقع اتفاقية مع خصومه وعد فيها بالإذعان لرغبات الدول الكبرى والجلاء عن بلاد الشام بشرط ضمان ولايته الوراثية لمصر، فأصدر السلطان فرمانا بجعل ولاية مصر وراثية لمحمد علي باشا، وانتهت بذلك الأزمة العثمانية – المصرية، وجلا المصريون عن الشام.