«ليه لأ ؟؟ » .. اسم مسلسل تليفزيوني لم أتابعه لكنني تابعت ردود أفعال العديد من النساء حوله على صفحات الفيسبوك .. قصة المسلسل كما فهمت من مجمل الحوارات تدور حول فتاة هربت ليلة عُرسها بدعوى أنها تريد أن تبدأ حياة جديدة مختلفة .. البعض رأى في المسلسل أنه عمل فني يمثل نقلة نوعية نحو طرح قضية حق النساء في العيش مستقلات، والبعض الأخر رأى فيه «عمل تافه» لا يعبر عن قضايا النساء الحقيقية، غير أن أبرز ما أدهشني من ردود أفعال النساء على ذلك العمل التليفزيوني تمثل في إقدام إحدى السيدات على تأسيس جروب نسائي على الفيسبوك يحمل عنوان: «ليه لأ؟؟».
خلال أيام محدودة للغاية انضم للجروب آلاف النساء من مصر وعدد من البلدان الأخرى، روت النساء عبر الجروب عشرات التجارب الملهمة التي كانت تبدأ بمقولة: «وليه لأ؟؟» .. لن أستفيض في الحكي عن تجارب هؤلاء النسوة لأن واحدة من أهم قواعد الجروب -الذي حرصت مؤسستة أن تؤكد عليها منذ اليوم الأول لتأسيسه -تتمثل في عدم الخوض في تفاصيل أي من تجارب عضوات الجروب خارجه .. لكنني هنا أخترت أن أروي عن تجربتي الخاصة والتي ربما تندرج تحت ذات الإطار «وليه لأ؟» وإن كانت لا تحمل ذات القدر من البطولة والإلهام الذي حملته روائع تجارب العديد من عضوات ذلك الجروب.
سيوة أرض السكينة
تبدأ قصتي مع وليه لأ؟ حين سافرت إلى واحة سيوة لمدة أسبوع مع بداية شهر ابريل من عام 2016 قبيل عيد ميلادي بحثا عن شيىء من السكينة وللإجابة عن تساؤل وماذا بعد؟
كنت قد تخرجت من جامعة القاهرة وحصلت على ماجستير علم الإجتماع وعملت كباحثة اجتماعية بعدد من المؤسسات البحثية ومؤسسات المجتمع المدني لمدة تزيد عن عشرين عاما قضيتها باحثة في قضايا: «التعليم والفقر والنساء».
عشرون عاما قضيتها وأنا أبذل مجهود شاق كي أتمكن من منع دموعي من أن تخونني يوما وتنهمر رغما عني خلال مقابلة مع أي من النساء الفقيرات التي كنت أقابلهن بحكم طبيعة عملي في مجال البحث الإجتماعي حول الفقر في مصر.
عشرون عاما من الحلم بغد جديد أفضل للنسوة الفقيرات بأحياء العشوائيات بالقاهرة والجيزة ونجوع وقري ريف صعيد مصر.
هل فشل ثورة يناير 2011 كان وراء تلك الحالة من السقوط النفسي المدوي الذي تعرضت له؟ أم أن فقدي القدرة على الحلم بغد أفضل لتلك النسوة الفقيرات هو السبب؟ .. أم كليهما معا؟ .. لا أدري! .. على أي حال لقد عدت من سيوة ومعي قراري الحاسم بترك العمل في مجال البحث الاجتماعي جملة وتفصيلا وبات التساؤل المطروح علي وماذا بعد؟
إعادة الإكتشاف
عقب عودتي من واحة سيوة شرعت في تعلم بعض مهارات العمل اليدوي مثل نسج السجاد اليدوي بمركز «ويصا واصف» في محاولة للهرب من أي عمل ذهني يقربني من الخوض مجددا في قضايا الثالوث المقدس بالنسبة لي: «التعليم والفقر والنساء» .. غير انني وعلى الرغم من تنفيذ قراري الحاسم بترك العمل البحثي ربما لم اتمكن من الإبتعاد كثيرا عن العمل الذهني فلجأت للعمل بموقع «أصوات اونلاين».
بدأت العمل بموقع أصوات أونلاين على وعد لنفسي بعدم الخوض في الكتابة عما يؤلمني نفسيا وعلى أن تكون الكتابة بالموقع مجرد تجربة مدتها عام واحد فقط لا غير. إلا أن الواقع العملي للتجربة تملكني ثم جذبني نحو الخوض في مساحات جديدة لم اكن اتخيل أن اخوض بالكتابة فيها.
مر العام الأول كتجربة مثيرة بها الكثير من المتعة والبهجة وإعادة الإكتشاف .. كتبت بمجالات جديدة لم أدر عنها شيئا من قبل وقرأت كتبا تنتمي لمجالات عدة لم أهتم يوما بالقراءة فيها .. وبين متعة وبهجة إعادة الإكتشاف مر العام الأول لأجدني أقول لنفسي «وليه لأ؟» .. لماذا لا أكمل بهذا المجال الذي يحمل لي كل تلك المتعة والبهجة واللذة الدائمة والمستمرة المصحوبة دائما وأبدا بإعادة الإكتشاف.
البحث عن النماذج المشرقة
قضايا: «التعليم والفقر والنساء» ثالوثي المقدس في مجال البحث الاجتماعي هل بعدت عنه حقا حين تركت المجال البحثي؟ .. الحقيقة أنني لم أبتعد كثيرا عن أي من القضايا الثلاث فقط أستطيع أن أدعي أنني غيرت من طريقة تعاملي مع كيفية تناول تلك القضايا وبات همي الأكبر يتمثل في البحث عن النماذج المشرقة الملهمة التي تمكنت من إجتياز العقبات مهما كان واقع الحال مؤلما.
لذا فقد وجدتني سعيدة سعادة بالغة بذلك الجروب «ليه لأ؟؟» الذي تضمن العديد من القصص الملهمة لنساء تمكن من خوض الحياة بجسارة الأبطال، بعضهن بدأن حياتهن من جديد وحيدات ومسئولات عن أطفال دون أي سند عائلي أو مجتمعي ونجحن نجاحا مبهرا، وبعضهن خضن تجربة السفر وحيدات فقط لإكتشاف العالم أو بمعنى أدق لإعادة إكتشاف العالم من حولهن، وغيرذلك من التجارب الناجحة المبهرة.
فتحية إجلال وتعظيم لهن جميعا، لمن تمكنت من رواية قصتها ومن لم تتمكن بعد أي لمن هي في طريقها إلى خوض تجربة ستكون هي راويتنا وتكون هى أيضا بطلة روايتها.