فن

ملح الفن.. السنِّيدة العظام في تاريخ السينما المصرية (2)

على استثنائية سعاد حسنى و تفرد شكرى سرحان وإبداع سناء جميل وتألق صلاح منصور فى فيلم الزوجة الثانية  فإن مشهد الشيخ مبروك رجل الدين المنافق الذى أداه حسن البارودي باقتدار بالغ وهو ينطق بالآية القرآنية الكريمة «وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم» مخاطبا «أبو العلا» كي يطلق زوجته فاطمة لتتزوج العمدة يظل هو المشهد الأكثر بقاء وخلودا في ذاكرة الجمهور، وهو ذات البقاء والخلود الذي تحقق لإيفيه الباز أفندي أو توفيق الدقن «أحلى من الشرف مفيش» في فيلم  أحبك يا حسن،وهو ما ينطبق بذات الدرجة على الإيفيهات الخالدة في تاريخ السينما المصرية «نشنت يا فالح» لستيفان روستي في فيلم حبيبي الأسمر و«أبو حنيفة قال ما ينقضش» لشفيق نور الدين في فيلم مراتي مدير عام و «قطيعة ..ما حدش بياكلها بالساهل» لنجمة ابراهيم في فيلم ريا وسكينة.. إيفيهات وعبارات خلدت وبقيت ليس فقط لجدتها وطرافتها وحضورها ولكن أيضا  للتجلي الفني الكبير وللبراعة والعبقرية وللقدرات الفنية الخاصة لقائليها من الفنانين الكبار، ولارتباط الجمهور بهؤلاء الفنانين وحبه لهم، وهم الذين أبدعوا  في تلك المشاهد والمواقف التمثيلية .. فنانون كبار .. لآلئ وجواهرفنية ثمينة لا تتكرر .. لم يحوزوا البطولة المطلقة .. ولم يفوزوا بنجومية الصف الأول .. لكن تأثيرهم الفني كان وسيبقى عميقا وواضحا وساطعا .. وبدونهم لم يكن للسينما أن تحقق توهجها ورسوخها وبهاءها وبقاءها .. إنهم ملح الفن الجميل .. الذي بدونه يفقد طعمه ورائحته وجماله  ومعهم نواصل الإبحار والغوص.

 العالمي

يمثل الشيخ مبروك نموذجا حقيقيا من لحم ودم  لبعض رجال الدين .. نموذج وجد وسيظل موجودا لكن أداء حسن البارودي لشخصية الشيخ مبروك «العطار» الباحث عن رضا العمدة وعن عطاياه.. وعن قليل من قراريطه الزراعية .. حفل بكل الملامح وتضمن كل المعاني التي كتبت الخلود لهذا الدور .. فالواقع أن هناك فنانين كثرا أدوا دور رجل الدين المنافق الباحث عن رضا السلطة الطامع في عطاياها لكن التجلي والخلود هو الذي كان من نصيب حسن البارودي وهو يؤدي الدور الذي لم يكن  بطولة مطلقة لكنه حقق بين الناس ما هو أكثر بكثير .. يتحدث الكثيرون من النقاد عن شخصية الشيخ مبروك وقدرة البارودي على أدائها بعبقرية طاغية .. وهذا حقيقي .. غير أن الكثيرين لم ينتبهوا إلى مقدرة البارودي الاستثنائية على الغوص في الشخصية واكتناه دواخلها وتفاصيلها الجوانية .. الشيخ مبروك يقول لـ«أبو العلا»: «ما تعصلجش يا ابو العلا .. انطاع يا ابني.. داحنا غلابة.. والله لما ندن في مدنه.. ما حدش هايسمعنا ..الأكابر بس اللي بيسمع كلامهم ..يؤمروا واحنا ننفذ .. هنا يتماهى الشيخ مبروك بـ«أبو العلا».. يبدو وكانه يتحدث عن نفسه .. نفس الهم والفقر والحاجة .. كأنه يتوحد به .. تبدو حروفه وكلماته حزينة .. أدرك حسن البارودي طبيعة الموقف فغلف صوته بالحزن والشجن والرقة البادية في طريقة الكلام .. غير أنه سرعان ما يعود إلى طبيعته وإلى نفاقه .. وكأنه يخشى أن يثور على نفاقه وجبنه فيردد الآية الكريمة بطريقة أخرى فيها من اللوم لـ«أبو العلا» الكثير .. وفي غير موضعها.

«ما تعصلجش يا ابو العلا .. انطاع يا ابني»

حسن البارودي يرتبط باسمه موقف آخر شهير وجملة يرددها المصريون وتشيع في وقتنا الراهن على مواقع التواصل الاجتماعي.. كلما أراد روادها أن يتحدثوا عمن يقدمون على تصرفات وأفعال غير طبيعية .. هي كلماته وهو يقوم بدور عم مدبولي الرجل الطيب الذي يعطف على قناوي المجنون أو يوسف شاهين في فيلم باب الحديد حين يراه يهم بذبح هنومة «هند رستم» «تعالى يا قناوي يا ابني.. البس بدلة الفرح.. هاجوزك هنومة»

«تعالى يا قناوي يا ابني.. البس بدلة الفرح.. هاجوزك هنومة»

 تنوعت أدوار البارودي بين الطيب والشرير  وشارك في أفلام كثيرة منها أمير الدهاء في نسخته الثانية مع فريد شوقي والذي قام فيه بدور متولي أحد المتآمرين على حسن الهلالى وجعلوني مجرما الذي قام فيه بدور شنطوري زعيم العصابة وأنا حرة الذي قام فيه بدور خليل صاحب اللوكاندة الذي تخونه زوجته الشابة كريمة أو شادية.

شارك البارودي في ثلاثة أفلام أجنبية عالمية هي «الخرطوم» و«روميل يغزو القاهرة» و«ثلاث قصص مصرية» فقد كان يجيد الانجليزية اجادة تامة وعمل في بداية حياته مترجما بشركة توماس كوك وهي ذات الوظيفة التي امتهنها والده محمود حسانين البارودي لكنه سرعان ما ترك الترجمة ليعمل في فرق حافظ نجيب وفاطمة رشدي وجورج ابيض ويوسف وهبي الذي كان مسرحه بداية انطلاقة البارودي الفنية حين أسند له وهبي دورا في مسرحية غادة الكاميليا كان يؤديه استيفان روستي الذي اعتذر عن الدور فأداه البارودي باقتدار.

حسن البارودي في فيلم الماني عام 1933

 الفنان الشامل

«نشنت يا فالح» واحد من أكثر الإيفيهات حضورا في تاريخ السينما المصرية .. ارتبط بقائله الفنان الشامل استيفان روستي الذي قام بتأليف وإخراج عدد من الأفلام بجانب تاريخه التمثيلي الحافل.. الإيفيه كان في نهاية فيلم حبيبي الأسمر حيث قام  روستي بدور سمسم عبد المقصود مساعد رستم بيه المهرب وزعيم العصابة، يطلق عليه زميله بالعصابة محمد توفيق الرصاص بطريق الخطأ ليقول هذا الإيفيه الخالد .. اشتهر ستيفان روستي بأدوار الندل والانتهازي والمنافق والثري .. أسندت إليه عزيزة أمير مهمة إخراج فيلم ليلى بعد خلافها مع التركي وداد عرفي مخرجه الأول وشارك روستي في كتابة قصة الفيلم مع الصحفي أحمد جلال.. كما أخرج عددا آخر من الأفلام هي عنتر افندي و الورشة وجمال ودلال وابن البلد وأحلاهم كما شارك في كتابة قصة فيلم قاطع طرق .. وشارك في بداياته في أفلام نشيد الأمل لأم كلثوم والمجد الخالد مع يوسف وهبي و سلامة في خير  و أنا طبعي كدة وليلة ممطرة..

«نشنت يا فالح»

أدى استيفان روستي دور اليهودي في فيلم ابن ذوات الذي قام فيه بدور  الخواجة شمعون ليشع الذي يرسل تلغرافا لكبير الرحيمية يخبره أنه أقرض ابن شقيقه وأنه وقع له على شيك وأنه سيبلغ النيابة وفي فيلم آخر شقاوة الذي قام فيه بدور الخواجة ليشع والد استر وراشيل والذي يبتز جيرانه طلبة الطب انور ومجدى ومجسن 

   شارك ستيفان روستي في أفلام حسن وماريكا وليلة ممطرة وأنا طبعي كدة وحكاية نص الليل والجريمة الضاحكة والمجانين في نعيم وصراع الجبابرة وسيدة القصر الذي جمعه فيه مشهد مع الفنانة فردوس محمد حيث يقول لها: تسمحيلي بالرقصة دى فترد طيب ما ترقص مين حايشك فيقول طيب اروح اتحزم واجيلك وهو الإيفيه الذي يتداوله الكثيرون حتى الآن وفي فيلم حب ودموع مع فاتن حمامة يقوم بدور صاحب البار الذي يحاول أن يغري الفتاة الفقيرة فاتن حمامة بشرب الخمر فيقول لها إيفيها ارتبط به وهو «الكونياك مشروب البنت المهذبة» أما في فيلم غزل البنات فاشتهر استيفان بإيفيه «اشتغل يا حبيبي اشتغل» وهو الإيفيه الذي استعاره بعدها بسنوات طويلة نظيم شعراوى المحامي الكبير أمام عادل إمام في فيلم طيور الظلام.

«الكونياك مشروب البنت المهذبة»

 وفي كل الأحوال كان ستيفان روستي هو ذلك الظريف الشرير الذي يغلف شره بخفة دم محببة .. ستيفان روستي هو ابن لدبلوماسي نمساوي عمل سفيرا لبلاده بالقاهرة ولأم ايطالية بعد أن انتهت خدمة والده عاد إلى بلاده لكن زوجته الإيطالية  والدة ستيفان رفضت أن تترك مصر و سافرت بابنها إلى الاسكندرية لتربيه هناك ثم عمل أياما في مصلحة البريد قبل أن يعاني في القاهرة من أجل البداية الفنية ثم يسافر إلى ايطاليا ليكتشف أن مستقبله هو في مصر ليعود ويصنع لنفسه تاريخا فنيا مجيدا.

النجمة التي كانت تخاف من أدوارها..!

قد يندهش البعض حين يعرف أن نجمة إبراهيم أشهر شريرة في السينما المصرية، كانت في بداياتها تعمل مطربة تغني المونولوجات وأنها كانت تحظى بإعجاب الجمهور وتوقع لها البعض مستقبلا مشرقا في الغناء وأنها غنت في فيلم تيتا وونج عام 1937 .. وقد يندهش متفرجو السينما ومتابعوها كثيرا حين يعرفون أن هذه الشريرة صاحبة الملامح المخيفة والنظرات المرعبة والصوت القاسي والقلب الميت كانت عكس ذلك تماما في الواقع .. سيدة وديعة طيبة تخاف كثيرا من الشر ومن الأشرار ومن تلك الملامح المخيفة التي كانت تجسدها وتتقمصها على الشاشة فتبدو وكأنها عنوان للشر ورمز للأشرار .. هي قالت ذلك عن نفسها وشرحته في حوار نادر لها بمجلة الكواكب.

«أنا أرتعد من ريا الحقيقية.. فأحول جرمها إلى الضحايا ..هذا هو السر.. وهكذا أحس حين أتقمص شخصياتي» .. وفي هذا الإطار تحدث عنها صلاح أبو سيف مخرج أهم أفلامها ريا وسكينة حين قال”إن الشر الذي كانت تقدمه نبع من كرهها له ”  وهكذا فإن السبب الوحيد الذي يجعلها بهذه البراعة في الأدوار الشريرة هو تخيلها أن هذا الشر واقع عليها  فتكون العملية عملية دفاع عن النفس .. أبدعت  نجمة ابراهيم في تقمص شخصية ريا التي أكدت  أنها ترتعد من مجرد تخيلها حقيقة واقعة .. وفي الفيلم رددت نجمة ابراهيم جملتها الإيفيه الشهيرة «قطيعة.. ما حدش بياكلها بالساهل» وقد شاركها البطولة زوزو حمدي الحكيم في دور سكينة ورياض القصبجي في دور حسب الله وسعيد خليل في دور عبد العال .. وطبيعي جدا ان تتجه عين العبقري صلاح ابو سيف لنجمة ابراهيم بلا منازع لتجسد شخصية ريا وهو الفيلم الوحيد الذي حظيت فيه نجمة بالبطولة المطلقة وقد جاء مع  فيلمين آخرين لنجمة هما صراع الأبطال وجعلونى مجرما الذي جسدت فيه دور دواهي الشريرة التى تلتقط الأطفال المشردين وتحبسهم وتستغلهم في التسول ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.. عادت  نجمة بعد ذلك لتجسيد شخصية ريا في فيلم اسماعيل يس يقابل ريا وسكينة ثم في مسرحية السفاحة ريا .. شاركت نجمة ابراهيم في أكثر من أربعين فيلما منها أربع بنات وضابط الذي قامت فيه بدور مديرة السجن القاسية المتسلطة ..  وأنا الماضي الذي قامت فيه بدور شقيقة حامد «زكي رستم» التي تساعده في الانتقام من رجل وزوجته أوقعا به ظلما .. كما شاركت في أفلام الورشة وأسير الظلام وحب في الظلام  والشك القاتل والمرأة المجهولة.. ولم تتمرد على أدوار الشر إلا في القليل جدا من أعمالها مثل دورها في فيلم الفرسان الثلاثة الذي قامت فيه بدور توحيدة غندور شقيقة  طاهر عبد الظاهر «إسماعيل يس» التي تستغيث به لإنقاذها من إزعاج الكباريه الذي يجاور منزلها.

محدش بياكلها بالساهل

 نجمة إبراهيم من أصول يهودية اسمها الحقيقي بوليني أوديون أعلنت إسلامها عام 1932 وتزوجت من زميل لها اسمه عبد الحميد حمدي كان يعمل ملقنا مسرحيا ثم تزوجت الممثل عباس يونس وأيدت بقوة ثورة يوليو 1952 وقدمت مسرحية بعد الثورة تبرعت بإيرادها للمجهود الحربي.. وكادت تفقد بصرها فأمر الزعيم جمال عبد الناصر بعلاجها في أسبانيا على نفقة الدولة لتسترد بصرها لكنها مرضت بعد ذلك وأصيبت بالشلل وكرمها السادات ومنحها وسام الاستحقاق ومعاشا استثنائيا.. وليس صحيحا أنها شقيقة الممثلة الخائنة الجاسوسة اليهودية راقية ابراهيم وإنما هي شقيقة الفنانة سيرينا ابراهيم التي تركت مصر وهاجرت لإسرائيل وحاولت أن تقنع نجمة بالسفر معها لكنها رفضت رفضا باتا وظلت على ولائها لمصر.

نجمة إبراهيم من فيلم «جعلوني مجرما»

الباز افندي

أدرك توفيق الدقن أن عليه أن يختط لنفسه خطا كوميديا مختلفا.. يميزه عن غيره ويجعله متفردا في وقت كانت الساحة الفنية تغص فيه بالعمالقة في الكوميديا وغيرها من مجالات التمثيل الأخرى.. وصنع هذا الخط المختلف بطريقة تلفت الأنظار في الأداء بصوت عال جهوري وضحكة متميزة  وتعبيرات وإيفيهات جديدة وطازجة ومعبرة .. من منا لم يعلق بأذنه ذلك الإيفيه الذي ما زال حيا يردده الجمهور حتى الآن «أحلى من الشريف مفيش» يقوله الدقن بطريقة ساخرة مميزة تعبر عن الموقف الفني وتجسده بعبقرية .. تنوعت أدوار الدقن بين الشرير خفيف الظل والبلطجي غليظ الطبع قاسي القلب كما أدى شخصية الموظف البسيط أبو الخير خفيف الدم النمام الذي ينافق رؤساءه بشكل مبالغ فيه في فيلم مراتى مدير عام مع شادية وصلاح ذو الفقار وشفيق نور الدين كما أدى شخصية الموظف المطحون المكدود الذي يعاني وطأة الحياة وقسوتها في فيلم على باب الوزير الذي قام فيه بدور عبد الصمد والد صلاح «عادل إمام» طالب الطب الذي يفشل في إكمال دراسته.

توفيق الدقن من فيلم «على باب الوزير»

في فيلم أحبك يا حسن جسد توفيق الدقن شخصية البلطجي السكير عبده دانس الذي يضع قطعة حشيش لحسن «شكري سرحان» ليلفق له قضية وفيه قال الإفيه الشهير «أحلى من الشرف مفيش»

وفي فيلم ابن حميدو يجسد توفيق الدقن شخصية الباز افندي العارف بدهاليز القانون الذي يستغل ثغراته لصالحه ويتعاون مع عصابة لتهريب المخدرات ويتطلع للزواج من عزيزة «هند رستم» ابنة شيخ الصيادين الريس حنفي وحيث يقدم الباز نفسه أنه  «الباز افندي .. ساقط توجيهية وسمسار مراكب وقباني».. وقد حقق الفيلم ايرادات بلغت 300 ألف جنيه بينما تكلف انتاجه 18الف جنيه.

الباز أفندي

أما في فيلم سر طاقية الإخفاء فيقوم الدقن بدور أمين الصايغ الذي يستهتر بعصفور «عبد المنعم ابراهيم» ويسأله «العلبة دى فيها إيه» فيجيبه فيها خاتم فيرد أمين: لا.. فيها فيل.. وقد حقق الفيلم نجاحا هائلا.. وقد جسد توفيق الدقن شخصية شعبان الدجال فى واحد من أهم أفلام السينما المصرية «الأرض» وهو دور محوري في الأحداث حيث استعان به العمدة لمعرفة أخبار الثائرين في القرية ومنهم علواني «صلاح السعدني» فيعرف عن طريق البت خضرة «فاطمة عمارة» أن علواني كان يحرضها على سرقة أجولة الذرة من فوق سطح منزل العمدة ثم تقتل خضرة ويتهم علواني بقتلها أما في فيلم القاهرة 30 فقد قام الدقن بدور شحاتة والد احسان الضائع عديم الأخلاق الذي يرحب بزواجها من محجوب وعلاقتها بالوزير في نفس الوقت.

توفيق الدقن من فيلم «القاهرة 30»

 وفي فيلم الشيطان يعظ يقوم توفيق الدقن بدور طباع الديك الذي يرتجل في نهاية الفيلم كلمات معبرة «هو الدنيا جرى فيها ايه .. الناس كلها بقت فتوات .. أمال مين اللى هاينضرب»

و كانت أغلب الإيفيهات التي عرف بها الدقن مثل ألو ألو يا أمم و وصلاة النبي أحسن و آه وآه وآه من تأليفه وارتجاله

ليصنع لنفسه تاريخا من الكوميديا التي مزج فيها بين خفة الدم و أدوار الشر بإبداع لا يغيب.

أستاذ.. الماستر سين

فى واحد من مشاهد النهاية بفيلم «مراتي مدير عام» وبعد أن يصافح الأستاذ عبد القوى «شفيق نور الدين» وكيل الشركة الاستاذة عصمت المديرة «شادية» بعد أن صدر قرار بنقلها بناء على طلبها وبعد أن أشاعت جوا من المحبة والعمل والإتقان  بالشركة يهم الساعى حنفي بأن يمسك القبقاب الذي يلبسه الاستاذ عبد القوي ليؤدي الوضوء الذي دأب عليه بعد السلام على أي أنثى امتثالا لرأى ابن حنبل الذي أفتى بضرورة ان يتوضأ المسلم إذا صافح أنثى غريبة .. لكن عبد القوي هذه المرة   يغير مذهبه  وقناعاته بعد التغيير الهائل الذي أحدثته عصمت فى الشركة وموظفيها فلن يتوضأ إلا للصلاة.. ولما يقول له حنفي الإمام بن حنبل قال تنقض الوضوء يرد الأستاذ عبد القوي «

منتفضا ومعبرا عن تغيره في نظرته للمرأة «وابو حنيفة قال ما تنقضش» .. كان من الممكن أن يمر هذا المشهد كغيره من مشاهد الفيلم الذي كان عبارة عن تحفة سينمائية كوميدية اجتماعية خفيفة .. لكن ممثلا بحجم وبراعة وموهبة شفيق نور الدين أعطاه بريقا خاصا ونكهة خاصة وحضورا مختلفا جعله واحدا من المشاهد الخالدة في ذاكرة السينما المصرية.

أبوحنيفه قال متنقضش

 شفيق نور الدين هذا الفلاح المصري الصميم الذي ينتمي لقرية بيجرم بالمنوفية والمولود عام 1911 لأب كان تاجر قطن  عشق الفن منذ طفولته.. وكان يمثل مع أقرانه .. حفظ كثيرا من أجزاء القرآن الكريم في كتاب القرية ولذلك كان يجيد اللغة العربية إجادة تامة وحصل على دبلوم الصنايع وتخصص في الميكانيكا غير أنه اتجه إلى الفن بكليته وبدأ حياته ملقنا مسرحيا ثم عمل بأدوار صغيرة في عدد من المسرحيات قبل أن يسند له فتوح نشاطي دور الكاهن في مسرحية توت عنخ آمون ليواصل طريقه المسرحي باقتدار في مسرحيات كثيرة مثل شقة للإيجار وملك القطن وسكة السلامة وكوبري الناموس.. كان عملاقا على المسرح وقال عنه فريد شوقي الذي كان يقدره كثيرا «لما تشوف شفيق نور الدين تحس انه هايموت من التعب وأول ما يقف على خشبة المسرح تشوف واحد تاني خالص»

شفيق نور الدين على خشبة المسرح

على الشاشة الفضية كان شفيق نور الدين بطلا لواحد من أعظم مشاهد الماسترسين في تاريخ السينما المصرية في فيلم القاهرة 30 وهو مشهد عبد الدايم الفلاح الفقير البسيط الذي أكل الفقر جسده وهو ينفق على تعليم ابنه والأب المكلوم في ابنه محجوب الذي يتمنى لو أن ابنه كان قد مات قبل أن يبيع شرفه ويقبل أن يكون زوجا لعشيقة رجل آخر، أن يكون ستارا لعلاقة آثمة، و تجلى هذا الفنان العملاق وهو يصرخ مصدوما لو سألوني في البلد عنك هاقولهم محجوب مات من زمان وشبع موت.

شفيق نور الدين من فيلم «القاهرة 30»

 عمل شفيق نور الدين في عشرات الأفلام .. لم يحز البطولة المطلقة لكن وجوده في أى عمل سينمائي كان  واحدا من العوامل المهمة لنجاح هذا العمل.. تنوعت أدواره بين الفلاح والموظف والقاضي كما جسد شخصية اليهودي.. شارك شفيق نور الدين في أفلام يوميات نائب في الأرياف ومعبودة الجماهير و أمير الدهاء كما شارك بدور يهودي في فيلم بلال ابن رباح  إلى غير ذلك من أدوار في عشرات الأفلام الأخرى واشتهر بشخصية علي الطواف في مسرحية ومسلسل عيلة الدوغري

 ومن الغريب أن شفيق نور الدين افتتح محلا لبيع اللبن والخبز كي يستطيع الإنفاق على أسرته وحيث أنجب أربع بنات وولدين وقد ورث عنه ابنه الفنان نبيل نور الدين العمل في الفن.. ورحل زعيم الفلاحين في الفن المصرى شامخا ومحبوبا من الجميع في 14 فبراير عام 1981.. رحمه الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock