رؤى

أوروبا: وقعت فريسة لكورونا فهل تقع أيضا فريسة للذئاب المنفردة؟؟

‎روبن سيموكس – محلل متخصص في مكافحة الإرهاب

‎عرض وترجمة: أحمد بركات

‎«لقد باتت أوربا الآن مركز الفيروس»، كما أعلن تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مارس الماضي. كان تحذير رئيس منظمة الصحة العالمية صادما، لكن رد فعل بعض دول القارة لم يكن سريعا كما يجب، ولم تكن بعض البلدان قد طبقت إجراءات الإغلاق من الأساس.

‎لكن رأيا غير متوقع توافق تماما مع رأي غيبريسوس. فقد حذرت مجلة «النبأ» – أحد أهم الأذرع الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية – أنصارها من أن تطأ أقدامهم «أرض الوباء». قد يبدو هذا خبرا جيدا، لكن عددا كبيرا من أنصار التنظيم – وغيرهم ممن تحركهم أيديولوجيات جهادية أخرى – يعيشون بالفعل على أرض هذه القارة، بما يعني أن وتيرة المؤامرات في أوربا ظلت كما هي ولو نسبيا حتى في أثناء فترة تفشي الوباء.

«مجلة النبأ» الذراع الإعلامي لتنظيم الدولة

‎الأدلة أو أحدث مثال على ذلك كان في المملكة المتحدة في 20 يونيو، عندما استهدف خيري سعد الله – الليبي الذي جاء إلى بريطانيا في عام 2012 كلاجئ سياسي – مدنيين يتنزهون في حديقة عامة في ريدنج، في بيركشاير، مما أسفر عن مقتل ثلاثة، وجرح ثلاثة آخرين قبل أن يتم إلقاء القبض عليه. وقد وصفت شرطة تايمز فالي المحلية هجوم سعد الله بأنه «حادث إرهابي»، وأن الضحايا جميعا من المثليين، مما يشير إلى إمكانية وجود دافع «الهومو فوبيا» (الخوف المرضي من المثليين).

خيري سعد الله

‎وعقب الهجوم، عقبت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل بقولها: «من الواضح أن التهديد الذي يفرضه الفاعلون المنفردون  الذين يطلق عليهم الذئاب المنفردة يتفاقم». كما أكد تقرير جديد صادر عن «اليوروبول» أنه: «ينبع الخطر الأكبر من الفاعلين المنفردين (أو الخلايا الصغيرة) الذين يمارسون العنف بمفردهم دون توجيه من تنظيمات أكبر».

‎والحقيقة أن الأفراد الراديكاليين الموجهين من قبل أيديولوجيا إسلاموية لم يبدوا أي مؤشرات على أن فيروس كورونا قد أجبرهم على وقف نشاطاتهم، أو حتى شكَل لهم أي نوع من أنواع الإعاقة. فبالإضافة إلى سعد الله، كان هناك على الأقل ست مؤامرات أخرى تستهدف أوربا منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا كوباء في 11 مارس.

‎لم تتعلق المؤامرة الأولى بمهاجم منفرد، وإنما بخلية كانت تتخذ من ألمانيا مقرا لها، و تضم خمسة من الطاجيك، قيل إنهم جميعا أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية، وتلقوا تعليمات من مخططين إرهابيين في سوريا وأفغانستان. كانت الخلية قد حصلت على أسلحة نارية، وقامت بعمليات تجسس على قواعد عسكرية أمريكية في ألمانيا كأهداف محتملة، إلى جانب استهدافها أيضا شخصا لم يتم ذكر اسمه، تم اعتباره عدوا للإسلام بسبب هجومه المتكرر عليه، قبل أن تحبط السلطات مخططاتهم المريبة.

‎تعد هذه المؤامرة الأكثر طموحا ضمن قائمة المؤامرات التي شهدتها أوربا منذ بداية تفشي الوباء وحتى الآن. أما المؤامرات الأخرى فكانت أقل تعقيدا، وبعضها – مثل العملية التي قام بها سعد الله – ثبت صعوبة منعه.

‎ولنأخذ مثلا حالة عبدالله أحمد عثمان، الذي قام بعملية طعن عشوائي ضد عدة أشخاص في أماكن متفرقة من بلدة «رومان- سور-إيزير»، في جنوب شرق فرنسا في أبريل الماضي، مما أدى إلى مقتل اثنين وجرح خمسة، ووجهت إليه على إثرها تهمة القتل المرتبط بمشروع إرهابي. في أثناء التحقيقات، أكد عثمان أن ملازمته لشقته ’الأستوديو‘ طوال فترة الحظر كانت عاملا مهما في إقدامه على ارتكاب هذه الجريمة. كما كشفت التحقيقات أنه حاول مرارا التكيف مع العزلة، وأشارت الكتابات التي وجدت في منزله إلى أنه لم يعد قادرا على «العيش في أرض الكفار».

‎في نفس هذا الشهر (أبريل 2020)، أصاب رجل عرًفته وسائل الإعلام الفرنسية باسم «يوسف ت» ضابطي شرطة في ضاحية كولومبوس الباريسية عن طريق هجوم بسيارة. قبل قيامه بالهجوم، كان «يوسف ت» قد بايع «أبو وليد الصحراوي»، أمير تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. وبعد أيام من هذا الحادث، أعلنت السلطات الدنماركية أن جهاز الاستخبارات المحلي منع هجوما كان سيقوم به فاعل منفرد ألقي القبض عليه مؤخرا، وله «دوافع إسلاموية متشددة» من تنفيذ هجوم.

‎وكانت برشلونة مسرحا للتهديد التالي عندما نجحت عملية أمريكية مغربية أسبانية مشتركة في إلقاء القبض على مغربي مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية اشتبه في أنه يخطط لهجوم إرهابي. بعد ذلك، وقبيل هجوم سعد الله بفترة وجيزة، وجهت السلطات في المملكة المتحدة تهمة التخطيط لهجوم إسلاموي لصبي في الرابعة عشر من عمره.

‎تتسم هذه المؤامرات بالبساطة، وتنفيذها من قبل ذئاب. منفردة. يبدو هذا منطقيا. فمن الثابت فعليا أن هذه الهجمات تتطلب تخطيطا بسيطا وتنفيذا يصعب إحباطه إلى حد كبير. ويمكن تعميم هذه السمات على جميع الهجمات التي شهدتها أوربا – وتحديدا إنجلترا – في السنوات الخمسة الماضية. فقد حاول محيي الدين مير قتل أحد الأفراد في محطة مترو أنفاق لندن، وقام مهدي محمود بطعن اثنين من المدنيين وضابط شرطة في مانشستر، وطعن أسامة خان اثنين حتى الموت وأصاب ثلاثة آخرين فوق لندن بريدج  قبل أن تتدخل مجموعة من المدنيين الذين كانوا يمرون من فوق الجسر مما حال بينه وبين استكمال عمليته حتى تدخلت الشرطة وأردته قتيلا، كما طعن سوديش أمان اثنين من المدنيين في لندن قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وترديه قتيلا.

محيي الدين مير يحاول قتل أحد الأفراد في محطة مترو أنفاق لندن

‎وبعبارة أخرى، لا يبدو أن وباء كوفيد – 19 قد غير من طبيعة الإرهاب في أوربا. ومع ذلك، فإنه يقدم فرصة لتسريع التوجهات الموجودة مسبقا. على سبيل المثال، يحذر تقرير صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة من أن «زيادة أعداد الشباب المنخرطين في استخدام الإنترنت غير الخاضع للرقابة – وتحديدا على منصات الألعاب – تتيح للجماعات الإرهابية فرصة لتقديم أفكارها لأعداد أكبر من الأفراد».

‎هناك تداعيات سلبية أخرى محتملة. فقد حذر جيل دي كيرشوف، منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوربي من إمكانية استغلال المتطرفين من جميع المشارب للأوضاع الراهنة لخدمة أهدافهم الخاصة. على سبيل المثال، قد يلقي اليمين المتشدد باللائمة على المهاجرين أو الأقليات العرقية في انتشار الفيروس (تفيد تقارير بزيادة حوادث الكراهية فعليا ضد المنحدرين من أصول شرق آسيوية، أو أن تنصرف الحكومات عن القضايا الأمنية بما سيسمح للجماعات الإرهابية بإعادة تنظيم صفوفها.

‎وتشير التقديرات الواردة في تقرير ‎مكافحة الإرهاب الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن «بعض الدول الأعضاء أعلنت فعليا عن إعادة ‎تخصيص مواردها، بما في ذلك الانسحاب (أو الانسحاب المخطط) من القوات الأجنبية المشاركة في عمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، وإعادة موضعة القوات لدعم جهود الإغاثة المحلية من الوباء». على الجانب الآخر، أكدت تقارير أن تنظيم الدولة الإسلامية عبر عن أمله في أن تتوقف الدول الغربية عن «التدخل في قضايا العالم الإسلامي» في غمرة انشغالها بالوباء.

‎ومع ذلك، من المحتمل أيضا أن يستمر الإرهاب في أوربا في التمدد على نطاق أوسع كما يفعل حاليا، حيث ستشهد المنطقة فورات غضب من اليمين المتطرف واليسار المتطرف والأيديولوجيات الهامشية الأخرى. لكن الخطر الأساسي الذي يهدد حياة الأوربيين سوف يظل يصدر عن المتشددين الاسلامويين، الذين يستهدفون أوربا بتصميم ونجاح على مدى ربع قرن من الزمان. لقد فعلوا ذلك بنجاح لافت حتى أنه تم تحذير الأوربيين من أن الإرهاب هو ببساطة «الوضع الطبيعي الجديد» الذي يجب عليهم أن يتعلموا التعايش معه.

‎وبالطبع، قيل نفس الشيء عن فيروس كورونا. لذلك، فمع استمرار تفشي الفيروس وانتقاله من مكان إلى مكان، وترقب حدوث موجة ثانية، وفي ظل معضلة الإرهاب المستمرة، سيُطلب من الأوربيين على الأرجح أن يتصالحوا مع شبح هذين ’الوضعين الطبيعين‘!! الجديدين.

‎يمثل هذا مطلبا شاقا على أوربا التي تعرضت لهزة عنيفة في السنوات الأخيرة بسبب أزمة منطقة اليورو، والتدفق الهائل لطالبي اللجوء والمهاجرين الاقتصاديين، وسلسلة النجاحات الانتخابية التي حققتها الأحزاب السياسية  اليمينية الشعبوية. أضف إلى ذلك الكارثة الاقتصادية في فترة ما بعد الإغلاق التي يُعتقد على نطاق واسع أنها صارت «على وشك الانفجار»، والاضطرابات التي أثارها في انحاء اوروبا تعاطفامع الأمريكي الأسود جورج فلويد  الذي قتلته الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية.

‎في ضوء ذلك كله، لا توجد ضمانة واحدة على أن أوربا لديها أي قدر من الاستعداد لمجابهة التحدي.

‎*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock