عرض وترجمة: أحمد بركات
لطالما كانت الحركة المحافظة متجذرة في الأفكار، لكنها اليوم تتحول إلى مجرد عمليات تلقين، أو إن شئت فقل «غسيل مخ»، لصالح حزب جديد لا يمت إلى الحزب الجمهوري بصلة، هو حزب ترمب. وإزاء ذلك يتعين على الجمهوريين أن يستفيقوا، وأن يعلموا أن حزبهم – حزب لينكولن، والأسواق الحرة، والحكم غير المطلق – قد اختُطف لحساب حفنة من الأفراد لا تؤمن بأي من هذه المبادئ، وأن عليهم أن يدينوا بقوة هذه النسخة المستهجنة من حزبهم، وأن يوقفوا مسيرة المنتفعين والمتطفلين.
على كل حال تلوح في الأفق مبشرات كثيرة على أن هذا التيار قد بدأ أخيرا في التشكل والخروج إلى حيز العمل السياسي الجماهيري.
لقد انبَتً الحزب الجمهوري تماما عن جذوره على مدى السنوات الأربعة السابقة على يد ترمب، وبشكل أكثر وضوحا بسبب تجاوزاته الصارخة في استخدام سلطة الحكومة، فالتفويض الذي منحه الرئيس الأمريكي مؤخرا للجيش لقمع الاحتجاجات في الوقت الذي تغاضى فيه عن استخدام العنف ضد الشعب الأمريكي يجب أن يكون صادما لأي جمهوري يزعم أنه يؤمن بمبدأ أصيل يتعلق بعدم إطلاق يد السلطة الحكومية دون كابح أو رقيب، فمنذ تقلد الرئاسة، أثار ترمب التوترات العنصرية، ومارس سلوكيات جنسية فجة، وحاول مرارا بناء جدار ضخم ومكلف وأقرب إلى الفشل بين الولايات المتحدة وجيرانها، وعزل أطفال المهاجرين عن أسرهم، وتخلى عن حلفاء أمريكا الدوليين وأساء إليهم، واتخذ من المحسوبية والوساطة معيارا وحيدا في اختيار أعضاء إدارته، وفشل بشكل مخز في التعامل مع وباء فيروس كورونا، وحاول تكبيل وسائل الإعلام الخاصة التي عارضت سياساته، ودعم السياسات التمييزية لمنع الأزواج المثليين من التبني، وقاد حربا على الصحافة الحرة. لم تكن رئاسة ترمب على الإطلاق نضالا من أجل ترسيخ السياسات المحافظة.
«لا يستطيع ترمب، ولا يمكن أن يكون، حامل مشعل الحزب الجمهوري الذي يمتلك ما يقدمه للأمريكيين أكثر من ’عبادة الأشخاص‘، ويحتاج الآخرون داخل الحزب الجمهوري إلى أن يدركوا مدى خطورة أن يسمح حزب قوي، مثل حزبهم، لترمب بأن يستمر في أداء هذا الدور لوقت أطول».. لا تقول «آشلي برات» – المدير السابق للعلاقات الإعلامية والشئون العامة في «المجلس الأمريكي للتبادل التشريعي» (ALEC) – هذا باستخفاف لأنها ببساطة جمهورية حتى النخاع. لقد عملت برات في الحملة الرئاسية للسيناتور جون ماكين وصوتت له في الانتخابات في عام 2008، كما عملت في الحملة الانتخابية لميت رومني وصوتت له في الانتخابات في عام 2012، وأيدت ترشح النائب بول ريان عن ولاية ويسكونسن للرئاسة في عام 2016 بعد أن أصبحت عضوا في حركة Never_Trump# في يونيو 2016. لكنها – على المستوى الرسمي – تركت الحزب الجمهوري في نوفمبر 2016، وقررت أن تصبح مستقلة سياسيا؛ «لقد شعرتُ بأن علي أن أضع مبادئي فوق السياسة، حتى لو لم يفعل حزبي ذلك»، كما تقول برات.
آشلي برات
منذ اعتلائه سدة البيت البيض، روج دونالد ترمب لسردية صفرية؛ فإما أن تكون معه، وبالتالي مع أمريكا، وإما أن تكون ضده، وبالتالي ضد أمريكا، حتى يتسنى له أن يسم منتقديه ومنتقدي سياساته بأنهم غير وطنيين. إنه دائما ما يستخدم خطاب مثل «والأكثر سوءا على الإطلاق»، لتقسيم أمريكا بدلا عن توحيدها، وتردد القاعدة المتقلصة من مؤيديه المتعصبين هذا الخطاب بصورة ببغاوية، ويؤمنون – زيفا – أنهم بذلك يرسخون للقيم الجمهورية المحافظة. لكن ترديد أكاذيب ترمب وهذره لا يمكن أن يكون عونا للحزب الجمهوري، وإنما مادة تتغذى عليها ماكينة دعايته الشخصية ليؤسس عليها ’مبادئه الجديدة‘ على حساب مبادئ الحزب العتيق.
لقد فقد الحزب الجمهوري بوصلته الأخلاقية، وصار جل اهتمامه وأقصى أمانيه أن يشحذ قواعده للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، عندما سمح لنفسه أن يعيد صياغة ذاته من خلال صورة ترمب. واليوم لا يجد الحزب وقادته أي غضاضة في السماح لترمب بترديد خطابه العنصري دون أي إدانة أو تحفظ، وإنما – بدلا من ذلك – يتبارون في تبريره، أو التعامي عنه على أحسن تقدير، بما في ذلك عندما أعاد ترمب نشر مقطع فيديو على حسابه الشخصي على موقع تويتر (تم حذفه لاحقا) لأحد مؤيديه وهو يصرخ: «القوة البيضاء». إن هذا الخطاب العنصري لن يجلب على الولايات المتحدة والحزب الجمهوري سوى الهلاك والدمار.
في هذا السياق، يظهر استطلاع رأي أجراه «مركز بيو للأبحاث» في منتصف يونيو أن 19% فقط من الجمهوريين، أو المؤيدين للجمهوريين، راضين عن الطريقة التي تدار بها الأمور في البلاد. كانت هذه النسبة 55% في شهر أبريل 2020، وحوالي 50% طوال فترة رئاسة ترمب. ووفقا لاستطلاع رأي أجراه «معهد جالوب» في يونيو الماضي أيضا، فقد ارتفع معدل تصنيف ترمب بين من عرًفوا أنفسهم على أنهم جمهوريين ليبلغ 91%، ولكنه تراجع إلى نسبة غير مسبوقة (2% فقط) في أوساط الديمقراطيين، و33% في دوائر المستقلين، وهو ما يعكس تحول الناخبين عن الجمهوريين بوجه عام (تبقى المعدلات بوجه عام عند نسبة 38%، أي أعلى بمعدل طفيف للغاية من أسوأ نسبة شخصية حصل عليها ترمب، وكانت 35%).
دونالد ترامب، وجو بايدن
يأتي هذا التراجع السريع في شعبية الحزب الجمهوري بوجه عام وترمب بشكل خاص في أعقاب تعاطي الأخير مع وباء كوفيد – 19، وفشله الذريع كقائد في التعامل مع الاحتجاجات التي خلفها مقتل الأمريكي من أصول أفريقية، جورج فلويد، وهو ما تجلت تداعياته بوضوح على الحزب الجمهوري. من المفترض أن يمنح هذا التراجع لوبي المتحمسين لترمب وقفة مهمة لإعادة الحسابات ومراجعة المواقف؛ إذ سيؤدي الدعم غير المشروط لترمب – وفقا للأرقام – إلى عرقلة، وربما إنهاء، مسيرتهم السياسية.
https://youtu.be/HGVMf7HmnhQ
لقد حان الوقت لأن يتصدى الجمهوريون لأولئك الذين يقودون حزبهم، وذلك بمغادرته والبدء من جديد. لا شك أن إعادة البناء سوف تستغرق الكثير من الوقت والجهد، لكن إنقاذ الحركة المحافظة من العار الذي جلبه عليها ترمب بات يمثل ضرورة أيديولوجية وسياسية، كما باتت العودة إلى المظلة الحزبية الجامعة التي تحتفي بالجميع على أساس الالتزام بالأفكار المشتركة حول إدارة الديمقراطية الأمريكية، وليس على أساس عبادة القائد الأوحد، ضرورة وجودية وحياتية.
في هذا السياق لا تخل الساحة السياسية الأمريكية من جهود مظفرة لإظهار حجم الإخفاقات التي أدت إليها إدارة ترمب، فقد دشنت مجموعة «ناخبون جمهوريون ضد ترمب» (Republican Voters Against Trump) مقطع فيديو جديد يعرض لبعض مقاطع من أحد أشهر خطابات الرئيس الأسبق رونالد ريجان «رؤية من أجل أمريكا» (A Vision for America)، الذي ألقاه عشية يوم الانتخابات في عام 1980. يدمج الفيديو بين عبارات وردت في نص الخطاب قبل نحو 40 عاما، وتقارير إخبارية مصورة حديثا، فيما يشكل لائحة اتهام مكتملة الأركان ضد إدارة ترمب.
وفي السياق ذاته، أعلن 43 خريجا من إدارة الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش تشكيل منظمة تحمل اسم «43 خريجا لصالح بايدن» (43 Alumni for Biden) لدعم جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم ضد ترمب. وتتشكل الآن العديد من المنظمات والجماعات التي تنحو هذا المنحى، مثل «مشروع لينكولن» (Lincoln Project)، و«لجنة اليمين للعمل السياسي» (Right Side PAC) و«جمهوريون من أجل رئيس جديد» (Republican for a New President)، من بين حركات ومنظمات عديدة أخرى.
منظمة «مشروع لينكولن»
وتمتلك جميع هذه المنظمات جمهوريون في مواقع قيادية يعلنون تأييدهم لبايدن في إطار جهود سياسية حثيثة لإفشال ترمب في معركة الاقتراع في نوفمبر القادم. وتركز العديد من هذه الجماعات والمنظمات على الولايات المتأرجحة، مثل ميتشيجان، وأوهايو، وبنسلفانيا، وفلوريدا، وغيرها من الولايات التي تحفل بناخبين من الأطراف والضواحي صوتوا لصالح ترمب في عام 2016.
وبرغم ما تمثله هذه الجماعات من دعم جماهيري، إلا أن المشرعين الجمهوريين لم يستوعبوا جيدا بعد أنهم مقبلين على حالة ’نزيف سياسي حاد‘ ما لم يتنصلوا من استيلاء ترمب على حزبهم. وإذا كانوا يريدون أن تظل الجماهير، كهؤلاء المنتمين إلى هذه الجماعات والمنظمات المشَكَلة حديثا، ’ناخبين جمهوريين‘، فإنهم بحاجة إلى أن يعكفوا سريعا على إعادة بناء حزبهم، وإعادة تأسيسه على مبادئ الحكم غير المطلق، والمسئولية المالية، والمساواة للجميع.
https://youtu.be/qqKG2QvgGu0
إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتحول إلى مسرح للكراهية وللتعصب من أي نوع، أو على أي أساس، ويجب أن تتوافر لدى قادة أمريكا – وبخاصة لدى رئيسها – رغبة واضحة للوقوف ضد أي محاولة لإفشاء مثل هذه المشاعر، وليس لإذكائها من أجل تحقيق حفنة من المكاسب السياسية المعلومة للجميع. لكن كل درجة تراجع أخرى تهوي إليها هذه الإدارة تثبت أن أربع سنوات أخرى سوف تجعل أمريكا وشعبها أكثر ضعفا. ومن ثم، فإن الانتخابات القادمة سوف تمثل بلا شك معركة حقيقية لاستعادة روح أمريكا، ولن تعدم هكذا معركة نضال الجمهوريين السابقين والناخبين الجمهوريين الحاليين سواء بسواء.
*هذه المادة مأخوذة عن مقالتين باللغة الإنجليزية:
Trump is destroying the Republican party. It’s up to conservatives to stop him.
Republican Group Uses Reagan’s Words To Make A Powerful Case Against Trump