ثقافة

«أحلام مُستغانمي» من «ذاكرة الجسد» إلى «الأسوّدْ يليق بكٍ» (1)

«الأسوّدْ يليق بكٍ» هو عنوان واحدة من أجمل روايات الأديبة الجزائرية أحلام مُستغانمي» والتي صدر لها قبل ذلك، وبعد ذلك، عدة أعمال إبداعية، لعل أهمها الثلاثية الجميلة والمُتكاملة، والتي تتحلى بعناوين تبدو مثيرة للفضول لمن هم في سن المُراهقة وعُمرْ الشباب وهي «ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير» وهي ثلاثية تنتقل من واقع إلى واقع مُغاير مع بقاء أبطالها الأساسيين، فنرى رحلتهم من مدن وبلدات موطنها الحبيب، الجزائر، إلى فرنسا وإلى غيرها من عوالم جديدة وبلدات غريبة، لكن الخيط الرئيسي للحدث يتصاعد بكفاءة وإتقان ومقدرة، تُحسّدْ عليها تلك الأديبة المُتفردة في اللغة، والجريئة في معالجة الحدث…

ثلاثية أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير»

الأعمال الإبداعية لـ «أحلام مُستغانمي» والتي تنتمي إلى جيل السبيعنيات من الأدباء العرب، لم تكن هي أول إطلالاتي عَلى الأدب الجزائري الثري والمُثير، فقد قرأت للجيل الذي يسبقها، جيل الستينيات «مملكة الفراشات» لـ «واسيني الأعرج»، ذلك الأديب المُجدد في اللغة والشكل الفني، و للأديب المُنتمي، الرائد والطليعي «الطاهر وطار» قرأت له عمليه الرائعين «اللآز، والزلزال» ….

مملكة الفراشات لـ «واسيني الأعرج»، «اللآز، والزلزال» لـ «الطاهر وطار»

وقبل ذلك ومن الجيل الوسط أي جيل الخمسينيات الذي ينتمي اليه من مصر والعرب، عبدالرحمن منيف، ويوسف ادريس، وجبرا ابراهيم جبرا وفتحي غانم، وخيري شلبي، وحنا مينا، عّرفت «محمد ديب» في ثلاثيته الشهيرة «الدار الكبيرة، والحريق، والنول» فيما قرأت عن أعمال «مولود فرعون وكاتب ياسين» وهم الجيل المؤسس للرواية الجزائرية، والذي يُماثل في مصر الأساتذة «نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويحيي حقي ومحمد عبدالحليم عبدالله» غير أن أغلب كتاباتهم كانت باللغة الفرنسية، حيث كانت اللغة الفرنسية هي اللغة المسموح بها فقط خلال فترة الاحتلال الفرنسي الثقيلة الوطء، عَلى روح وثقافة وتاريخ الشعب الجزائري الشقيق، فيما كانت كتابات الجيل الثاني، ومنهم «واسيني الأعرج والطاهر وطار» وغيرهما، والذي يُماثل في مصر أدباء الستينيات، كتبوا بلُغة عربية جميلة، فقد صدرت غالبية أعمالهم بلُغة الضاد، وذلك بعد عمليات التعريب الواسعة والناجحة خلال سنوات ما بعد الإستقلال في عام ١٩٦٢.

محمد الديب وثلاثيته «الدار الكبيرة، والحريق، والنول»

«أحلام مُستغانمي» كما سبق القول، تنتمي إلى جيل السبعينيات من الأدباء العرب، وهي تلتقي مع أقرانها في مصر مثل رضوى عاشور وابراهيم عبدالمجيد وسلوى بكر وعلاء الأسواني ومحمد المنسي قنديل وغيرهم، ولكنها تلتقي مع أديبنا الكبير «الطيب صالح» في مكانة القاهرة في شُهرة كُلّاً مِنْهُما، فبمثل ما كانت رواية «موسم الهجرة الى الشمال» موضعاً لاهتمام نقاد وأدباء مصر والاحتفاء بها، فقد لاقت «ذاكرة الجسد» بعض من هذا الترحيب، حيث نالت «أحلام مُستغانمي» جائزة «نجيب محفوظ» عام ١٩٩٨ وهي الجائزة التي ترعاها الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومن ثم انطلقت شهرة الرواية وصاحبتها الى أفاق لم تتوقعها المؤلفة نفسها، حيث أُعتبرت واحدة من أهم مائة رواية عربية في القرن العشرين، غير أن تلك الرواية وبأعلى قدر من الموضوعية تستحق هذه المكانة، والمُدهش في الأمر أنها كانت التجربة الإبداعية الأولى لـ «مُستغانمي» حتى أنها فجرت حملة من الاتهامات الظالمة للمؤلفة تتهمها بأن ثمة تشابه بينها وبين رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري «حيدر حيدر» وأن الذي كتبها هو الشاعر العراقي «سعدي يوسف» أو شاعر العرب الكبير «نزار قباني» غير أن ناقدنا الأدبي الرائد، الأستاذ «رجاء النقاش» رحمه الله، قد انتصر لـ «أحلام مُستغانمي» عَلى نحو ما أوضح في دراسته النقدية والثقافية والفكرية الهامة «قصة روايتين» والتي صدرت عن دار الهلال المصرية، وهي تتناول العملين موضع الجدل «وليمة لأعشاب البحر وذاكرة الجسد»!!….

دراسة «قصة روايتين» للدكتور رجاء النقاش

غير أن المُتابع للرحلة الإبداعية لـ «مُستغانمي» يُدرك أن تلك الفتاة استشعرت مُبكراً تلك الموهبة التي حباها الله إياها، وهي في عُمْرْ الشباب، فقد صدرت رواية «ذاكرة الجسد» في سنة ١٩٨٨، واذا عرفنا أنها من مواليد العام ١٩٥٣، فإن عمرها آنذاك لم يتجاوز العقد الرابع من العمر، فضلاً عن أن نداهة الأدب الروائي وعالم الخيال قد سحبها من بحور الشعر، الذي بدأته في سن مُبكرة حيث كانت تقدم برنامجاً عن الشعر في هيئة الاذاعة والتلفزة الجزائرية، برنامج «همسات» وعندما بدأت العُشرية السوداء، بقتل الجماعات التكفيرية كل جزائري لا يؤمن بأفكارهم الضلالية، وكانت حصيلة الضحايا مائة ألف أوتزيد، وجدت نفسها، وهي ابنة «محمد الشريف» أحد المناضلين الكبار في حرب التحرير الجزائرية، تّفُرْ بحياتها، نحو باريس، وحاملة في روحها موهبتها الكبيرة، لتُكرس حياتها للدراسة في جامعة السوربون، وتمنح لحياتها الإبداعية رحيق الحرية الذي فقدته في بلادها خلال تلك السنوات العشر السوداء في حياة الجزائر!!

أحلام مستغانمي ووالدها محمد الشريف

لم نبتعد عن رواية «الأسوّدْ يليق بكٍ» فمنذ «ذاكرة الجسد» تسير «مُسَّتّغانمي» عَلى نفس الدرب لا تحيد!!

فقد وجهت جُلْ إبداعها لفهم ودراسة تلك العلاقة التاريخية والإنسانية والأزلية التي تربط الرجل بالمرأة، غير أنها تتحدث دوماً عن المرأة القوية، أو الفتاة الجميلة والعفية، والتي من الصعب أن يطويها رجل، أو يدخل جنتها من لم تعطيه جواز السفر إلى عالمها الرحيب والجميل والآثر!!

تلك الرواية «الأسوّدْ يليق بكٍ» يمكن تلخيصها في كلمات واضحة وبسيطة، فهي مشروع قصة حب بين «هالة الوافي» تلك الفتاة الجزائرية الجميلة ذات الـ٢٧ عاماً، و«طلال هاشم» رجل الأعمال اللبناني الذي تتوزع شركاته من البرازيل إلى لبنان إلى عدد من دول أوروبا، رجل ينتمي إلى عالم المال الصاخب بحسابات المكسب والخسارة، فيما هي تنتمي إلى عالم مُختلف من الإبداع الفني والبراءة التي تجري في دماءها، وحاملة جينات الكبرياء الموروثة عن جبال الأوراس»….

أحلام مستغانمي وروايتها «الأسود يليق بك»

القصة في ظني لا تقف عند تلك المساحة من الفن، ففي اعتقادي، أن العالم الذي تحركت فيه «هالة الوافي» أكبر وأعظم من قصة حب جمعت بين رجل وامرأة، فبرغم تعاطفنا مع تلك الفتاة طوال صفحات الرواية اعجاباً بفنها وإبداعها وكبريائها، فإن معرفة ذلك العالم الذي تحركت فيه تلك الرواية يستحق كل الإهتمام والإلمام بمفرداته، عالم جمع ما بين تراچيديا أُسرة جزائرية مُناضلة، وأحداث خطيرة تعصف بحياة مئات الألاف من الجزائريين، ومأساة شعب العراق التي بدأت بعد سقوط نظام «صدام حسين» ليجد عاصمة بلاده، عاصمة الرشيد، مُستباحة بدبابات الاحتلال الأمريكي الكريه، حيث سقط من أطلقوا عليه «طاغية» ليؤسسوا حُكْماً ونظاماً بديلاً، وضع دستوره، «كرومر» العهد الجديد، المندوب السامي الأمريكي «بول بريمر» مُمثلاً لـ «بوش» الصغير!!…)

غزو العراق مارس 2003

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock