رؤى

‎التحرش الجنسي… من الواقع الاجتماعي إلى الفضاء الافتراضي

‎       أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي بادية للعيان في الحياة اليومية للمجتمع المصري في الفترة الأخيرة، وهي جزء من ظاهرة انتشار العنف في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة حيث تتداول وسائل التواصل الاجتماعي وقائع هذا التحرش باستمرار، اليوم خبر تحرش مجموعة من الشباب بسيدة في المنصورة، غدا تحرش طالب بأستاذة جامعية بجامعة أسوان أحداث متعددة تكشف لنا وبوضوح عن ظاهرة مرضية قد أصابت الجسد الاجتماعي في مصر، ويأتي كتاب الدكتورة رانيا الكيلاني عن (التحرش الجنسي من الواقع الاجتماعي إلى الفضاء الافتراضي) الصادر عن دار نيوبوك بالقاهرة 2018 ليقدم لنا صورة واضحة عن طبيعة الظاهرة وأبعادها الاجتماعية المختلفة.

(التحرش الجنسي من الواقع الاجتماعي إلى الفضاء الافتراضي) للدكتورة رانيا محمود الكيلاني

‎          يبرز الكتاب بأن ظاهرة التحرش الجنسي هو ظاهرة عالمية ليست قاصرة على المجتمع المصري، وقد انتشر ابتداء من الواقع الاجتماعي للحياة اليومية حتى إلى عالم الفضاء الافتراضي وتعرف الباحثة التحرش بأنه هو أي قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك، وهو شكل من أشكال العنف الذى تتعرض له النساء، وهو سلوك جنسي متعمد يتسم بالعدوانية من قبل المتحرش، ويوقع أذى مادي أو نفسى أو اجتماعي تجاه المرأة وتذهب الباحثة إلى أن ظاهرة التحرش بدأت تتنامي وتكبر في مجتمعاتنا الشرقية سواء في العمل، أو في الشارع أو في وسائل النقل العامة أوفي أماكن العمل، ورغم أن عالمية الظاهرة بادية للعيان فإن انتشارها في المجتمع العربي والإسلامي ينذر بظاهرة اجتماعية في غاية السلبية تفقد بسببها آلاف النساء أعمالهن من جراء هذا التحرش.

التحرش في أماكن العمل

‎        وتشخص الباحثة في كتابها أسباب هذه الظاهرة بأنها تعود اولا إلى ان الانفتاح الاقتصادي الذي تعرض له المجتمع المصري منذ منتصف السبعينات  أدي إلى تغيرات سريعة في البناء الاجتماعي في قيمه وثقافته مما كان له آثاره السلبية، واكدت  الدراسةان  بروز التحرش كظاهرة  يعود  إلى الاختلال الذي احدثه الانفتاح  في منظومة القيم الحاكمة في سلوكيات الأفراد في المجتمع.اضافة الي;

‎  -ضعف الوازع الديني في المجتمع،

‎وإلي تدهور الوضع الاقتصادي،

‎ومستوى المعيشة للأفراد والأسر،

‎وارتفاع مستوي الفقر والبطالة

‎كل هذا يحول دون القدرة على الزواج فيندفع الشباب في ظل هذه الظروف إلي اشباع الغرائز الجنسية بشكل غير شرعي.

أسباب التحرش الجنسي

‎      وقد أسهم التفكك الاجتماعي ومعدلات التغير السريعة في نشأة وانتشار العنف والجرائم، كما أدي التفكك الأسرى، وبروز تنشئة غير سليمة لأفراد الأسرة جعل الأطفال منذ البداية غير قادرين على التمييز بين السلوك السوى والسلوك غير السوي، وكذلك فإن ازدحام وسائل المواصلات وخاصة في المناسبات وأوقات الذروة في الحياة اليومية قد خلق بيئة مشجعة على ممارسة سلوك التحرش في الحياة اليومية، دع عنك ما يسببه الفقر في العشوائيات من نوم أسر كاملة في غرف واحدة، ‎ويخلق كل هذا بيئات مشجعة على التحرش.

‎    وتري الباحثة بأن التطور الإعلامي والتكنولوجي في الانترنت ووسائل التواصل ساهم في خلق مصادر متنوعة للفساد، والاطلاع على المصادر غير المراقبة من الدش والانترنت، وعدم وجود ضوابط ذاتية للفرد، وعدم وجود ضوابط من الأسرة والدولة على المواقع المخلة بالآداب، والتي تشحن المشاعر الجنسية لدي متابعيها بقوة وتدفعهم إلى ارتكاب التحرش.

التحرش الجنسي على مواقع التواصل

‎     ومن ثم فإن هناك أسباب عديدة ومختلفة للتحرش الجنسي في المجتمع، وإن هذا التحرش بكل أشكاله المختلفة لا يمثل مجرد سلوك انحرافي عن القيم والمعايير التي يقرها المجتمع، ولكنه فعل معقد يحدث داخل تفاعلات الأفراد في الحياة اليومية، وينتج عن الأبنية الاجتماعية المختلفة داخل التكوين الاجتماعي المصري، ومن ثم فإن التحرش سلوك لا يفسر فحسب في ضوء خرق نسق المعايير والقيم السائدة وإنما يفسر في ضوء رد الفعل تجاه ما تمارسه الأبنية النظامية من ضغوط، وفي طبيعة الاستراتيجيات الحياتية السائدة في نمط ثقافي معين.

‎     وتوضح الدراسة الآثار السلبية التي تترتب على نفسية السيدات الذين يتعرضون للتحرش حيث يؤدي إلى حدوث صدمات عنيفة عند المرأة من الكآبة والحزن، وعدم الثقة بالآخرين ومشاكل أخري كالتوتر والخوف، ويحدث تغيير كبير في علاقاتهم الاجتماعية مثل بروز الانطواء والخوف ولوم الذات واحتقارها، وعدم الرغبة في الحياة، وقد تصل لدي البالغين بالتعبير عن الرغبة في الانتحار، وتؤكد الباحثة على أن مجتمعاتنا العربية تزيد من ألم المرأة التي تعرضت للتحرش، حيث قد يعتبرها المجتمع وصمة عار، ويحملها مسئولية اللوم على ما حدث، وللأسف فإن هذا هو طابع المجتمع العربي بسمته الذكورية الفجة، والذي ينظر إلى المرأة ليس بوصفها إنسانة، ولكن بوصفها وعاء للمتعة، ومصدر الإثارة الذى ينبغي حجبه وستره.

الأضرار النفسية لضحية التحرش

‎  وقد قدمت الكاتبة مجموعة من التوصيات الهامة، ولعل أهمها:

‎ ممارسة التوعية من خلال الأسرة بمدي خطورة هذه الظاهرة في المجتمع، –

‎وأن يتخذ المجتمع موقفاً رادعا من المتحرش،

‎ومن الضروري توفير الخدمات المساندة للنساء المتعرضات للتحرش الجنسي وتقديم الدعم والمساندة لهم لكي تكفل خروجهن من أزماتهن،

‎وإنشاء المراكز لتلقي شكاوي التعرض للتحرش الجنسي يتمتع بقدر من السرية بعيدا عن مراكز الشرطة، لإحساس النساء بالخجل من الحديث في هذا الموضوع،

‎وأن يكون هناك إرشاد الكتروني للسيدات المتعرضات للتحرش بحيث تزيل عن السيدة الحرج من الذهاب لمؤسسة حقوقية.

التحرش اللفظي

‎ثماني توصيات لردع التحرش      

ورأت الكاتبة أنه من الضروري العمل علي إصدار تشريعات قانونية تؤكد علي معاقبة من يرتكب جريمة التحرش الجنسي، وتغليظ العقوبة لتصل إلى حد الجبس والغرامة،

‎ومن الضروري زيادة الرقابة الأمنية داخل الشوارع خاصة في أوقات العطلات والإجازات الرسمية، وضرورة وجود مناطق مؤمنة للسيدات في وسائل المواصلات، و في المنتديات العامة وفى مشاركتهم السياسية،

‎ومن المهم العمل على تطوير منظومة القيم داخل المجتمع المصري وتنقيحها حي لا يمكن معالجة ظاهرة التحرش بمعزل عن منظومة القيم، فالتحرش يعد جزءا من الابتعاد عن النسق القيمي الأخلاقي والديني والثقافي والاجتماعي،

‎كذلك من المهم تطوير الرسالة الإعلامية المقدمة حول المرأة وعدم تصويرها بصورة مهينة،

‎وتخليص المضمون الإعلامي من الاباحية التي قد تشجع علي ارتكاب جريمة التحرش

‎ مع تقديم البرامج الدينية والثقافية حول موضوع التحرش لتوعية كلا الجنسين بمخاطره النفسية والاجتماعية،

‎والعمل على تغيير العقليات بخصوص النظرة الدونية للمرأة واعتبارها مادة للإثارة الجنسية فقط.

فيلم 678 يناقش قضية التحرش

‎    ويعتبر الكتاب في مجمله أحد الكتب الهامة حول موضوع التحرش في المكتبة العربية، وقد سعت الدكتورة رانيا الكيلاني بأن لا يكون عملها العلمي في معالجة القضية قاصرا على الدراسة العلمية حيث قامت بتأسيس «أول وحدة لمناهضة العنف ضد المرأة بجامعة طنطا»، وذلك لتوعية الشباب بمخاطر التحرش والعنف ضد المرأة في المجتمع المصري.

د. أحمد سالم

أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock