رؤى

الضم الإسرائيلي القادم إبادة للتاريخ والجغرافيا الفلسطينية معا

     تنشر أصوات مقالين مهمين للغاية عن المشروع الاستعماري الإسرائيلي -المدعوم أمريكيا- لضم الأراضي الفلسطينية.. الأول هو مقال تحليلي بارع للأكاديمي العربي المرموق في جامعة كيبك د. رشاد انطونيوس خص به الموقع و تفند الادعاء بأن العودة إلى مسار عملية أوسلو هو الحل لوقف هذا الضم الخطير وتكشف أن الدودة في أصل الشجرة وأن أوسلو هي التي قادت إلى كل هذا الانهيار الفلسطيني، وكل هذا التوحش الاسراييلي. والمقال الثاني هو المقال الحالي، وهو مترجم للباحثة جريس ويرمينبول، المحاضرة في قسم السياسة والصراعات الدولية بجامعة أكسفورد والتي تثبت فيه أن الضم الاستيطاني الذي يجهز له بمثابة عملية (إبادة) للجغرافيا والتاريخ الفلسطيني.. وليس مجرد قضم أراضي أخرى من البقعة الوحيدة المظلمة الباقية للاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري في العالم.

أصوات أونلاين

جريس ويرمينبول – باحثة متخصصة في الجغرافيا السياسية المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومحاضرة في قسم السياسة والصراعات الدولية بجامعة أكسفورد

عرض وترجمة: أحمد بركات

بينما يبدأ الأمريكيون رحلة تأخرت طويلا لإعادة تقييم تاريخ ما بعد الحرب الأهلية وإرث العبودية في بلدهم، ولمحاولة خلق سياق تاريخي جديد، تنضم إليهم دول وشعوب أخرى تواجه الجذور التاريخية لعدم المساواة في مجتمعاتها. ومع ذلك، فإن مظلة إقامة حوار بين المجتمعات من أجل تبني التغييرات اللازمة لمحاسبة التاريخ المتحيز لا تزال قاصرة ولا تطال الجميع. في هذا السياق، يواصل الفلسطينيون، الذين يعانون من عمليات إخضاع مستمرة سواء في داخل إسرائيل أو في الأراضي المحتلة، مواجهة عمليات استئصال متعمدة ومنهجية لماضيهم، وتجاهلا لحقوقهم التاريخية المشروعة في الملكية، في تحد سافر للقانون الدولي. ومع الضم الوشيك لأراضي الضفة الغربية المدعوم أمريكيا، لن يخسر الفلسطينيون الذين يعيشون في هذه المناطق التي تم تحديدها تطلعاتهم التي طال أمدها إلى دولة مستقلة فحسب، وإنما سيواجهون أيضا عملية «إبادة جغرافية» تستأصل وجودهم لدعم رؤية ديموغرافية وسياسية تتصورها إسرائيل.

نتنياهو يعلن عن بدء رسم الخرائط لتنفيذ ضم الأراضي الفلسطينية

وبدعم من البيت الأبيض في الخارج ومن الكنيست الإسرائيلي في الداخل، سيكون من المرجح أن يفي رئيس الوزاء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بوعوده الانتخابية التي قطعها في عام 2019 بفرض السيادة الإسرائيلية على حوالي 30% من أراضي الضفة الغربية. وهكذا يبدو أن انقضاء الموعد النهائي الذي حدده نتنياهو في 1 يوليو لضم الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، بسبب بعد التصدعات التي واجهت الائتلاف الذي شكله رئيس الوزراء الإسرائيلي والتردد الأمريكي، لم يكن سوى مجرد تأجيل لهذا الإجراء الأحادي، وليس إلغاء كاملا له. على سبيل المثال، ترتكز المعارضة المتناوبة لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، بيني جانتس، للضم على رغبة كل منهما في منح الأولوية للأزمة الصحية الراهنة، وما خلفته من تداعيات اقتصادية. وكجزء من حملته الانتخابية، تعهد جانتس بضم وادي الأردن مع التنبيه على أن هذا الإجراء سيتم «بالتنسيق مع المجتمع الدولي». وقد أيدت خطة الرئيس ترمب للسلام في الشرق الأوسط، التي نشرت مؤخرا، ضم إسرائيل لكتل استيطانية ضخمة. وتبدو المراوغات الحالية من جانب مسئولي الإدارة الأمريكية نتيجة للمخاوف المتعلقة بالضغوط المحلية والدولية في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأمريكي انتقادات حادة بشأن أدائه السيئ في مواجهة أزمتي فيروس كورونا والاحتجاجات الشعبية، إلى جانب أزمات أخرى. وقد تلعب المناورات الانتخابية في الولايات المتحدة، إلى جانب ضغوط الإنجيليين، دورا حاسما في منح الضوء الأخضر للإسرائيليين. وتشير استطلاعات رأي أجريت مؤخرا إلى دعم الغالبية من الجمهوريين (56%) للضم، كما أعرب مشرعون من الحزب الجمهوري في نهاية يونيو عن دعمهم للضم أيضا، وأكدوا أن «لإسرائيل الحق في اتخاذ قرارات سيادية مستقلة عن أي ضغوط خارجية».

ارتباك إسرائيلي أمام معضلة ضم الأراضي الفلسطينية

لا يزال كثير من الغموض يكتنف خطط الضم؛ فرؤية ننياهو لا تتطابق بالضرورة مع خطط نظرائه في الولايات المتحدة، الذين لا يزالون يزعمون التزامهم بحل الدولتين غير القابل للتطبيق. وبالتالي، فإن فشل «رؤية السلام» الأمريكية في ذكر 13 مجتمعا فلسطينيا في وادي الأردن يؤسس صراحة لخلق جيوب منعزلة تحيطها مستوطنات إسرائيلية. وبالمثل، تبقى الأسئلة المتعلقة بالأوضاع القانونية للفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها دون إجابة، فضلا عن أنها تشكل محورا للخلاف السياسي الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن فرض السيادة الإسرائيلية سيكون له عواقب وخيمة على المناطق الفلسطينية، وسيؤثر جوهريا على حياة الفلسطينيين وسبل عيشهم، حتى في المنطقة «ج»، حيث بدأ الضم فعليا في ظل السيطرة العسكرية الإسرائيلية. في الوقت نفسه، تظهر التوجهات التاريخية في نزع ملكية الأراضي واستغلالها أن الجهود الحثيثة لطمس التاريخ الفلسطيني وحقائق الوجود السكاني السابق تميل إلى اتباع منهجية فرض السيادة الإسرائيلية.

المحو والتغيير

تزامن إنشاء دولة إسرائيلية في عام 1948 في أعقاب الحرب الأهلية في فلسطين مع محو وتغيير معالم الأرض الفلسطينية. وكما أشار القائد العسكري والسياسي الإسرائيلي البارز، موشيه ديان، في محاضرة في «معهد التخنيون» في مارس 1969: «حلت القرى اليهودية محل القرى العربية، واليوم لا يمكنك أن تعرف حتى أسماء القرى العربية […] الهيكل الإجمالي للقرى العربية نفسه لم يعد له وجود». في الحقيقة، من بين 418 قرية تم تهجير سكانها – كما أثبت وليد الخالدي في دراسته الإثنوغرافية التي حملت عنوان «كل ما تبقى» – تم تدمير 293 قرية (70%) بالكامل، إضافة إلى 90 قرية أخرى (22%) تم تدميرها إلى حد كبير من خلال مزيج من الإجراءات العسكرية والقانونية. وبناء على ذلك، بالنسبة لما يقرب من 250 ألف فلسطيني ظلوا في داخل إسرائيل في أعقاب الحرب، ونزح بعضهم داخليا، وأصبحوا «غائبين حاضرين، بات الماضي – بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة – «دولة أجنبية»، كما وصفه المؤرخ ديفيد لوينثال.

الماضي بلد أجنبي، للمؤرخ ديفيد لوينثال

لم تسع الخرائط والأوراق التي تم تغييرها (وهو أمر لا يشكل بحال ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الممتد للأرض المقدسة) فقط إلى تأبيد غياب اللاجئين الفلسطينيين، لكنها، بالقدر ذاته، فرضت على المشهد سردية حضور يهودي متأصل ومتواصل. علاوة على ذلك، بينما لا تزال بعض آثار معالم الأرض الفلسطينية تتحدى كل سياسات تزييف التاريخ والجغرافيا، كما هو الحال بالنسبة لبلدة «لفتا» الفلسطينية السابقة، دفع النقص المتعمد في وضع لافتات إرشادية بكثير من الإسرائيليين والزوار إلى افتراض أن هذه الأماكن تمثل مخلفات تاريخ أقدم بكثير.

قرية لفتا المهجرة

وكانت محاولات الفلسطينيين لإحياء ذكرى مصادرة أراضيهم في أعقاب حرب 1948 وإثبات حقهم الأصيل في الماضي الذي تم تشويهه، بما في ذلك من خلال زيارات العودة إلى القرى الفلسطينية السابقة، وتجمعات يوم النكبة السنوية، تُواجه بشكل روتيني باحتجاجات إسرائيلية مضادة، وضوابط تشريعية، وقمع ممنهج.

ويقدم التحول الديموغرافي المتعمد في القدس الشرقية على مدى العقود الخمسة الماضية نظرة أكثر تعمقا على تداعيات فرض السيادة الإسرائيلية على الحياة الفلسطينية. فعندما أضفت إسرائيل الصبغة الرسمية على ضم النصف الشرقي من القدس في عام 1980 بدعوى «القدس كاملة وموحدة عاصمة لإسرائيل»، كانت الدولة قد بدأت فعليا تدشين عملية تغيير للهيكل التكويني للقدس الشرقية تتفق مع رؤيتها الديموغرافية والسياسية. ويعكس المستوطنون الذين يعيشون في هذه المنطقة اليوم، والبالغ عددهم 218 ألف مستوطن، علميات التمييز المنهجي والجمود البيروقراطي الذي يشمل التوزيع غير المتكافئ لتصاريح البناء، وما ترتب عليه من إزالات لما أطلق عليه «مباني غير قانونية».

قوات الاحتلال تواصل التطهير العرقي، بهدم منازل الفلسطينيين

وقد كشفت منظمة «السلام الآن»، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية أنه في الفترة بين عامي 1991 و2018 منح الفلسطينيون أقل من نصف تصاريح البناء (9536 تصريحا) في القدس الشرقية رغم أنهم يشكلون 60% من السكان هناك. وفي المقابل، حصلت المستوطنات اليهودية، سواء المبنية بالكامل أو جزئيا على ملكية فلسطينية خاصة، على 21834 تصريحا. كما كشفت «منظمة بتسليم»، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية أيضا، عن أنه في عام 2019 تم إزالة 169منزلا ومنشأة غير سكنية تابعين لفلسطينيين في القدس الشرقية، بما يفوق أي عام منذ عام 2004، وما يعادل ثلاثة أضعاف المباني التي تم تدميرها بدون تصاريح في عام 2018. كما أثرت القوة المتفاقمة للحركات الاستيطانية في القدس الشرقية بعمق على حياة الفلسطينيين، وأدت غلى عمليات إخلاء وإعادة استخدام الأراضي والعقارات الفلسطينية. ففي يناير الماضي، كسبت منظمة المستوطنين اليهود «عطريت كوهانيم» قضية ضد عائلة فلسطينية بدعوى أنهم يسكنون في ضاحية تُعرف باسم «بطن الهوى»، بقرية «سلوان»، والتي كانت مملوكة ليهود حتى عام 1938، عندما قامت السلطات البريطانية بطردهم. وفي حال تحقيق انتصار قانوني في دعوى «حق العودة» اليهودية، فإن حوالي 700 فلسطيني يعيشون في ضاحية «بطن الهوى» سيواجهون عمليات إخلاء غير مسبوقة.

هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock