رؤى

بدعم تركي وموافقة امريكية [[الجولاني]] يصفي جماعات القاعدة في سوريا

عروة عجوب – باحث في “مركز الدراسات الشرق أوسطية” بجامعة لوند

عرض وترجمة: أحمد بركات

في 14 يونيو، استهدف التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة سيارة أبو القسام الأردني، أحد كبار القادة في “تنظيم حراس الدين” الموالي “لتنظيم القاعدة”، وزميله بلال الصنعاني، في ضواحي مدينة إدلب. وبعد ذلك بيومين، قامت “جماعة هيئة تحرير الشام”، وهي الجماعة الجهادية المهيمنة في إدلب، باعتقال أبو صلاح الأوزبكي، وهو قائد سابق رفيع المستوى انشق عن “هيئة تحرير الشام” لينضم إلى “أنصار الدين”. وبعد ذلك بأسبوع، اعتقلت “هيئة تحرير الشام” أيضا عضوا سابقا في مجلس شورى الجماعة، وهو أبو مالك التلي، الذي كان قد شكل فصيلا جديدا باسم “لواء المقاتلين الأنصار”، دون إعلان انشقاقه عن “هيئة تحرير الشام”. يكمن القاسم المشترك بين هؤلاء الرجال الأربعة في انتمائهم إلى غرفة العمليات المشكلة حديثا “فاثبتوا”، التي تمثل امتدادا لغرفة العمليات “حرض المؤمنين” التابعة لحراس الدين ونظيراتها من شاكلة “أنصار الدين” و”أنصار الإسلام”، إلى جانب جماعتي “لواء المقاتلين الأنصار” و”تنسيقية الجهاد”. وتُعد فصائل “فاثبتوا” المنافس الأكثر تهديدا لهيئة تحرير الشام الآن بسبب سخطهم على سياسات أبو محمد الجولاني، قائد “هيئة تحرير الشام”.

تفجير سيارة أبو القسام الأردني

شن “تنظيم هيئة تحرير الشام” العديد من الغارات على غرفة “فاثبتوا”، مما اضطر فصائلها إلى إغلاق قواعدهم العسكرية ومنعهم من تشكيل فصائل أو غرف عمليات جديدة. وبذلك يكون “تنظيم هيئة تحرير الشام” قد ضرب عصفورين بحجر واحد؛ حيث رسم خطوطا حمراء جديدة لمنافسيه، وأظهر أهميته لشريكه التركي وللمجتمع الدولي في حربهما على الإرهاب. وبرغم ذلك، فإنه من غير المرجح أن تتصالح فصائل “فاثبتوا”، التي تقودها “جماعة حراس الدين”، وتباركها القيادة المركزية لتنظيم القاعدة، مع “تنظيم هيئة تحرير الشام”، أو أن تقبل أن تضع أسلحتها وتتخلى عن القتال.

خلافات غير قابلة للرأب

لا يمثل السلوك العدواني الذي مارسه “تنظيم هيئة تحرير الشام” ضد الجماعات المسلحة الأخرى شأنا جديدا. على سبيل المثال، في يناير 2019، شن التنظيم عددا من الهجمات ضد “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة تركيا، وتمكن على إثر ذلك من إجلاء قواتها عن غرب حلب وريف حماة. لكن الفرق بين هذا الهجوم والهجوم الأخير يكمن في طبيعة المنافس. ففي أعقاب هجمات “تنظيم هيئة تحرير الشام” السابقة، قامت الفصائل المهزومة بحل نفسها، كما حدث مع “أحرار الشام” و”نور الدين الزنكي”، وانضمت – تحت تأثير الضغوط التركية – إلى غرفة عمليات “الفتح المبين” التابعة لهيئة تحرير الشام. وفي حين بدأت بالفعل جهود تفكيك غرفة “فاثبتوا”، إلا أنه من غير المرجح أن تقاتل فصائلها تحت لواء “هيئة تحرير الشام”. وقد أخبر مصدر من غرفة “فاثبتوا” كاتب هذه السطور بأنه: “يمارس ’تنظيم هيئة تحرير الشام‘ ضغوطا مكثفة في الوقت الراهن على غرفة “فاثبتوا” للانضمام إلى غرفتها “الفتح المبين”، لكن أيا منهم لم يوافق، ولا أعتقد أن هذه الموافقة يمكن أن تتم”. فبخلاف جماعة “أنصار الإسلام”، تأسست غرفة “فاثبتوا” بالأساس على يد منشقين عن تنظيم “هيئة تحرير الشام”، وتبدوا خلافات هؤلاء المنشقين مع التنظيم غير قابلة للرأب.

 

على سبيل المثال، تشكلت “جماعة حراس الدين” على يد متشددين سابقين في “تنظيم هيئة تحرير الشام” الذين رفضوا انفصاله الأيديولوجي عن تنظيم القاعدة وانتقاله من الجهاد العالمي إلى التركيز المحلي. وقد احتجز “تنظيم هيئة تحرير الشام” أبو العبد أشداء، قائد فصيل “تنسيقية الجهاد” لكشفه علنا عن فسادها الداخلي، بينما استقال أبو مالك التلي، قائد “لواء المقاتلين الأنصار”، من “هيئة تحرير الشام” بسبب “عدم معرفته ببعض سياسات التنظيم، أو عدم قناعته بها”. ومن الممكن أيضا أن يكون الجولاني قد ارتأى في التلي الثري تهديدا محتملا، خاصة في ضوء ما يُعرف عنه من ورع، ومشاركته الفعلية في العمليات العسكرية، وسيطرته على مجموعة من المقاتلين. وبرغم إطلاق سراح أشداء، وتراجع التلي عن الاستقالة قبل اعتقاله، إلا أنه لا يمكن التهويل من خصومتهما مع الجولاني. ولعل هذا ما دفع بالرجلين إلى تشكيل جماعاتيهما والانضمام إلى فصائل “حرض المؤمنين” المتشددة لتأسيس غرفة “فاثبتوا” لحماية أنفسهما من قبضة “هيئة تحرير الشام” الحديدية، وتضفير معارضتهما المشتركة مع الاتفاقات التركية الروسية بشأن إدلب.

يقودنا هذا إلى نقطة أخرى تتعلق بالأرضية المشتركة لفصائل “فاثبتوا”، وهي رفض الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق السريع M4 في إدلب. ليس سرا أنه لولا مساعدة “هيئة تحرير الشام”، لتعذر تأمين هذا الطريق وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي الذي عقد في 5 مارس. علاوة على ذلك، تعتبر الجماعات السلفية الجهادية أي مؤسسة علمانية، مثل الجيش التركي، “كافرة” و”مرتدة”، بما يعني حرمة التعاون معها إلا في حالات الضرورة القصوى. وقد طور “تنظيم هيئة تحرير الشام” علاقات متبادلة مع تركيا، حيث تعاون الجانبان في ملفات مختلفة. على سبيل المثال، في يناير 2019، وفي مقابل الصمت التركي على هجوم “هيئة تحرير الشام” ضد “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة تركيا، أعرب الجولاني عن دعمه للعمليات التركية المحتملة في شمال شرق سوريا لاستئصال شأفة حزب العمال الكردستاني.

وتعتقد الفصائل المكونة لغرفة عمليات “فاثبتوا” أن “تنظيم هيئة تحرير الشام” لا يتعاون فقط مع أنقرة، وإنما يساعدها أيضا على الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقات سوتشي وأستانا في استئصال شأفة الجماعات الراديكالية من إدلب. “كل هذه الضغوط التي تمارس حاليا على غرفة “فاثبتوا” إنما تستهدف منعها من أن يكون لها رأي في الصراع”.

ماذا بعد؟

يتكشف هذا التاريج عن حقيقة واحدة مفادها أنه بينما قد يقبل تنظيم القاعدة بالهدنة لأسباب استراتيجية، إلا أن أيديولوجيته لن تسمح له بالاستسلام. لقد اضطرت غرفة “فاثبتوا” التي تهيمن عليها جماعات راديكالية إلى إغلاق قواعدها العسكرية في مناطق مختلفة من ريف إدلب، مثل عرب سعيد، وسرمادا، وأرمناز، وجسر الشغور، وغيرها، ومع ذلك، كما عبر أبو عبد الرحمن المكي، القيادي البارز في جماعة حراس الدين في بيانه الأخير بشأن القتال بين “تنظيم هيئة تحرير الشام” وفصائل “فاثبتوا”: “إن جهادنا لم يؤت أكله بعد”. كما ذكًر مقاتلي حراس الدين بأنهم “الطائفة المؤمنة”، مستدعيا سردية تنظيم القاعدة عن نفسه بأنه يمثل الطليعة التي لا تحيد أبدا عن الطريق المستقيم. علاوة على ذلك، يتبنى تنظيم القاعدة ما يطلق عليه الجهاديون “قتال النكاية”، وهي استراتيجية تستهدف الإضرار بالعدو دون اكتساب أرض أو ضم أقاليم. بعبارة أخرى، فإن حرمان غرفة “فاثبتوا” ومكوناتها المتشددة من قواعدها العسكرية لن يؤدي بالضرورة إلى تفكيك الجماعة، أو إجبارها على الانضمام إلى غرفة العمليات التابعة لتنظيم هيئة تحرير الشام.

قبل أن تدور رحا المعركة الأخيرة، كان “تنظيم هيئة تحرير الشام” قد شدد قبضته على “جماعة حراس الدين” كبادرة حسن نوايا إلى أنقرة والمجتمع الدولي. ومع تشكيل غرفة “فاثبتوا”، والتهديدات التي تفرضها على “هيئة تحرير الشام”، كان لا بد من اتخاذ إجراءات أكثر جدية وصرامة. وقد يبدو التصعيد الأخير وغير المسبوق من قبل “هيئة تحرير الشام” نذيرا لأعمال أكثر عدوانية ضد “فاثبتوا”. ومع ذلك، فإن المواجهة الشاملة ستكون أكثر تكلفة لكلا الطرفين، ومن ثم، فهي ليست في مصلحة أي منهما. وفي حال حدوث ذلك، فإن فصائل “فاثبتوا” ستقاتل من أجل البقاء، وقد تستهدف الجيش التركي باعتباره العدو الأقرب بعد الروس. وستواجه “هيئة تحرير الشام” معركة ضارية، مما سيضع تماسكها ووحدة صفها على المحك حيث قد يمتنع بعض جنودها عن القتال، مما سوف يهدد بزعزعة استقرار الوضع الأمني المضطرب فعليا في شمال غرب سوريا.

ومع ذلك، فإن الأقرب إلى الحدوث على الأرض هو ممارسة مزيد من الضغوط الاقتصادية ضد فصائل “فاثبتوا” لمنعها من الوصول إلى مواردها المحدودة بالأساس. وقد بدأت “هيئة تحرير الشام” فعليا حملة قمعية تدريجية، متذرعة بتبريراتها المتكررة للسرقة واللصوصية. وكما أخبر فادي حسين، الباحث في الجماعات الجهادية، كاتب هذه السطور: “قريبا، سيعتقل مكتب أمن هيئة تحرير الشام أعضاء جماعة حراس الدين واحدا تلو الآخر”، و”لن يختلف الانتماء إلى حراس الدين في إدلب عنه إلى داعش”.

وفي غضون ذلك، يستمر قتل كبار قادة تنظيم القاعدة. لم يكن أبو القسام الأردني أول عضو في مستويات القيادة العليا في تنظيم القاعدة يلقي حتفه في غارات الطائرات المسيرة التي شنها التحالف الدولي على سوريا، فقد سبقه إلى المصير نفسه كل من أبو خديجة الأردني وأبو أحمد الرقاوي، وعلى الأرجح لن يكون الأخير. وبينما لا يزال مصدر المعلومات التي استندت إليها ضربات التحالف مجهولا، يسعى الجولاني إلى ضمان مقعد لهيئة تحرير الشام على الطاولة في سوريا المستقبلية بأي ثمن، مما يشير إلى أنه قد يضحي برفاق الأمس للتكفير عن ماضي جماعته الراديكالي.

وفي سياق محاولات الجولاني لتحييد الوجود القاعدي في شمال غرب سوريا، فإن أهدافه تصبح متناغمة مع أهداف التحالف الدولي. وقد دعم السفير جيمس جيفري، الممثل الامريكي الخاص لشئون سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش، دعاوى هيئة تحرير الشام بأنها تتألف من “مقاتلين وطنيين معارضين”، وألمح أنهم لم يعودوا يمثلون تهديدا  دوليا  منذ فترة من الوقت”، بما يشير إلى محاولات تهدئة وقبول من قبل الولايات المتحدة تجاه الجماعة. وحتى بدون صراع مفتوح، فإن الضغوط التي يمارسها كل من التحالف الدولي و”هيئة تحرير الشام” تعني أن الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا تواجه مستقبلا غامضا.

 

الجولاني

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker