رؤى

عودة الشهداء من الطاهر وطار الي اسامة انور عكاشة: العالم العربي تنهبه فئران السفينة

‎في اواسط الثمانينات٫ صاغ القاص و الروائي الجزائري (الطاهر وطار )قصته الأشهر التي حملت عنوان “الشهداء يعودون هذا الأسبوع”.

الطاهر وطار

كانت فكرة القصة خليطاً من الواقع والخيال وهي :

‎ان القروي المسن «العابد بن مسعود»، الذي قدم ولده فداءاً للجزائر وثورتها العظيمة التي أنهت ١٣٢ عاما من الاستعمار الفرنسي وانتهت باستقلال البلاد عام (١٩٦٢ يتلقى رسالة غامضة تخبره ان شهداء الثورة سيعودون خلال اسبوع.

الشهداء يعودون هذا الأسبوع

‎يستخدم وطار هذه الفكرة أي عودة من قتلوا وضحوا في سبيل الوطن كسبيل لطرح سؤال جوهري: هل حال الأوطان العربية اليوم هي ما ضحى هؤلاء لأجله وبذلوا له الغالي والنفيس وماذا سيكون موقفهم إن عادوا وشاهدوا بأم أعينهم ما آلت إليه أوطانهم في العصر الحالي؟

ينقل«العابد» هذا الخبر الذي تلقاه عبر الرساله الى ابناء قريته الذين ضحوا هم ايضاً وقدموا فلذات أكبادهم من أجل الوطن واستقلاله ولكن المدهش هنا هو أن هؤلاء الاهالي لا يبتهجون لخبر مفاده أن أولادهم سيعودون ويتسنى لهم رؤيتهم من جديد بل ان العكس تماما هو ما يحدث٫ حيث يسيطر الخوف والذعر على الاهالي من هذه العودة٫ لأنهم لا يعرفون كيف يجيبون الشهداء ان عادوا ورأوا واقعهم وسألوهم السؤال الأليم الموجع : هل هذا حقاً هو ما قاتلنا من اجله؟

هذه الفكرة العميقة والاليمه في آن واحد٫ لم يقتصر استخدامها على (الطاهر وطار ) بل إن القارئ والمشاهد سيجد لها صدى في اعمال اكثر من مبدع عربي٫ حيث يستخدم هؤلاء الكتاب فكرة عودة الشهيد كطريقه لكشف الفجوة ما بين أهداف الثورات العربية التي حققت الاستقلال وبين وضع هذه البلدان بعد سنوات من استقلالها.

الثنائي السوري الماغوط ودريد لحام

‎ففي مسرحية “كاسك يا وطن” يقدم الكاتب والشاعر السوري الراحل محمد الماغوط مشهداً مماثلاً حين يتلقى غوار (دريد لحام) اتصالاً هاتفياً٫ ولكنه يفاجأ أن الاتصال ليس من هذا العالم بل من الجنة حيث يقبع والده الذي نال الشهاده خلال كفاحه من أجل الوطن.

‎في بداية الاتصال يسعى غوار للتهرب من سؤال ابيه حول وضع الوطن والأمة حاليا وماذا حدث للقيم التي قاتل هو وجيله من أجلها ويتظاهر الابن ان كل شي على ما يرام٫ فالعرب موحدون وفلسطين قد حررت والمواطن يعيش حياة مرفهة ولكن الأكذوبة سرعان ما تنكشف ويضطر الابن لمكاشفة أبيه٫ فالفارق هائل وشاسع بين ما قاتل الأب لأجله وبين ما هو كائن على أرض الواقع.

‎بل يذهب محمد الماغوط ودريد لحام الى ما هو ابعد من ذلك في مسرحية تاليه هي “شقائق النعمان” حيث يعود من ظنه الناس شهيداً في حرب أكتوبر (رمضان) التحريرية عام ١٩٧٣ ليطوف الأقطار العربية ويصدمه ما يشاهد٫ فالطائفية والحرب الأهلية قد مزقت لبنان ونصر أكتوبر يحصده ثماره في كل من مصر وسوريا (أثرياء )لم يضحوا ولم يدفعوا ضريبة الدم.

‎يخلص بطل المسرحية الى نتيجه يقدمها لكافة البسطاء من امثاله وهي أن “فئران السفينة” كما يسميهم٫ أي ش أثرياء ما بعد النصر ش هم عدو لا يقل في خطورته عن العدو الذي قاتله هو ورفاقه عام ١٩٧٣ .

المال والبنون وكتيبة الاعدام

‎تطل الفكرة ذاتها على الشاشة الصغيرة من خلال عمل درامي هو الجزء الثاني من مسلسل “المال والبنون” للكاتب محمد جلال عبد القوي والمخرج مجدي أبو عميرة.

‎هنا ايضاً يعود الاسير السابق يوسف (احمد عبد العزيز) الذي ظنه الجميع قد نال الشهادة ليشهد تغييرات جذرية يتعرض لها ال”خان” او الحي الشعبي الذي شهد معظم سنوات عمره حيث يشهد هجمة شرسة من رجال الاعمال الذين اتت بهم سنوات الانفتاح الاقتصادي ـ تهدف الى تغيير ملامحه -أي الحي- بالكامل.

‎ورغم أن الشهداء لا يعودون بشكل حرفي في فيلم “كتيبة الاعدام” الذي كتبه الراحل اسامه انور عكاشه وأخرجه المبدع عاطف الطيب عام ١٩٨٩ إلا أنهم يلقون بظلالهم على الأحداث.

هنا ايضاً كما في مسرحية “شقائق النعمان” تبدو فكرة سرقة نصر أكتوبر واضحة جلية٫ فالشهداء الذين نشاهدهم في بداية الفيلم وهو يعدون العدة للتصدي للعدو الذي يحاصر مدينة السويس الباسلة٫ ضحوا وبذلوا الدماء إلا ان من استفاد من هذه الدماء الزكية وأثرى على حسابها من خلال مشروع استهلاكي ضخم ( صاحب سلسلة السوبر ماركت )هو من خان الشهداء والمقاومين وسلمهم للعدو.

 

‎ولذا فإن  الفيلم يقترح ان التصدي لمن سرقوا النصر هو في حد ذاته وفاء للشهداء وتضحياتهم كما عبرت عن ذلك نهايته العنيفة للغاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock