فن

سينما المرأة.. جيل جديد يشتبك مع قضايا النساء بجرأة (2-2)

إيناس الدغيدي وكاملة ابو ذكري وهالة خليل وعطيات الأبنودي شكلوا إضافة هامة خلال السنوات الأخيرة

بعد مرحلة البدايات التى انطلقت خلال عقدى والعشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى كانت رائدات صناعة السينما قد تحملن عبء المبادرة وخوض تجربة الإخراج بكل ما تحمله من مشاق ومعوقات، وبكل ما تعرضن له من خسائر مادية كبيرة أدت فى بعض الأحيان إلى إعتزال بعضهن العمل الفنى وإعلانهن الإفلاس نتيجة قسوة المناخ الفنى حينذاك والذى لم يتقبل عمل المرأة كمخرجة أو كقائد لفريق العمل .

وقد ترتب على تلك التجربة بكل ما حملته من مرارة إحجام السيدات عن تكرار تجربة الرائدات واستمر هذا الإحجام طوال عقود طويلة بإستثناء تجربة واحدة للفنانة الكبيرة “ماجدة ” والتى اضطرتها الظروف لإخراج فيلم “من أحب ” عام 1966 وقد صرحت ماجدة للاعلامى “وجدى الحكيم ” فى حوار إذاعى  “وقعت  في مأزق فني عام 1966، حينما اتفقت مع أحد المخرجين على تقديم فيلم «من أحب» وأبدى ترحيبًا كبيرًا بذلك، وبعدما اتفقت رسميًا كذلك مع طاقم العمل من ممثلين وفنيين وقع حادث طارئ منعه من المشاركة، وكان من الصعب إلغاء العمل من الأساس واضطرت لاستكمال العمل لكنها قررت عدم تكرار تجربة الإخراج على الإطلاق، ووصفته بالعمل الشاق المرهق بالنسبة للفنانات، والذي يحتاج بجانب الموهبة إلى أعصاب ومثابرة ووقت و”عضلات”

أفيش فيلم من أحب
أفيش فيلم من أحب

ولم نعد نرى سيدة تُقدم على خوض تجربة الإخراج ليس فقط للأسباب التى ذكرتها “ماجدة ” لأن الثقافة السائدة، ورغم ما حققته المرأة من مكاسب سياسية وقانونية وعلمية فإن قبولها كقائدة لفريق عمل من النجوم لم يكن يسيرا على الإطلاق، واستمرهذا الغياب إلى أن ظهر جيل جديد يكمل مسيرة رائدات الإخراج السينمائى وكانت “إنعام محمد على ” إحدى اللاتى قررن مواصلة المسيرة وخوض التحدى واقتحام هذا العالم، ورغم أن “إنعام ” كانت قد بدأت الإخراج الفنى فى عام 1964 وعملت بالتلفزيون المصرى، و قدمت خلال مشوارها الممتد حتى الآن أكثر من 20 مسلسلاً درامياً وعدداً كبيراً من السهرات التلفزيونية، إلا أن علاقتها بالسينما بدأت فى يناير 1980 بفيلم “آسفة أرفض الطلاق “والتى طرحت خلاله أزمة الطلاق الشفوي ومشكلاته، ولنكتشف أننا أمام موجة جديدة للمخرجات يحملن رسالة واضحة ويشتبكن مع قضايا نسوية مباشرة دونما مراعاة محاذير السوق أو المناخ الذكورى كما فعل معطم رائدات السينما الأوائل.

وكانت مسيرة “إنعام ” فى الدراما التلفزيونية تشير إلى إنحيازاتها وموقفها الواضح والجرىء فقد قدمت مسلسل “قاسم أمين ” و”أم كلثوم “و “ضمير أبلة حكمت ” ومن قبلهما قدمت “هى والمستحيل ” وغيرها، وفى السينما قدمت أيضا “يوميات إمرأة عصرية ” و”حكايات الغريب ” و” الطريق إلى إيلات “

وفى نفس المرحلة قدمت “نادية حمزة “(1939-2012) عدداً من الأعمال التى انشغلت بهموم وقضايا المرأة، وعبر رحلتها التى بدأت فى 1984 بفيلم “بحر الأوهام ” قدمت 16 عملاً كان أمن بينها  فيلم “النساء ” 1985 ثم نساء خلف القضبان 1986 وقدمت فيلم امرأة للأسف عام 1988، وفي العام نفسه فيلم “المرأة والقانون” وفي عام 1990 قدمت فيلم معركة النقينادية،.وفي عام 1991 قدمت فيلم نساء صعاليك، كما قدمت فيلم همس الجواري في عام 1992 كما قدمت فيلم “امرأة وامرأة” عام 1995.

ونلاحظ اهتمام “نادية حمزة الكبير بقضايا المرأة وتكريس كل أعمالها تقريبا للانتصار لقضاياها وطرح همومها.

 فى نفس الجيل ظهرت “إيناس الدغيدى” والتى ظلت مثيرة للجدل سواء حول جراة أفلامها أو حتى تصريحاتها وآرائها الصادمة فى كثير من الأحيان، بدأت  “إيناس الدغيدى” مشوارها بفيلم “عفوًا أيها القانون” عام 1985 الذى جاء صرخة فى وجه قوانين تتعامل بإزدواجية مع جريمة الدفاع عن الشرف بين الرجل والمرأة، وكان هذا الفيلم يبشر بمخرجة واعدة ثم توالت أعمال المخرجة التى تعد الأكثر إنتاجا بين مخرجات جيلها فى السينما وظلت قضية المرأة هى الأبرز فى أعمال إيناس الدغيدى.

ثم تأتى تجربة شديدة النضج والتميز للمخرجة “أسماء البكرى “والتى قدمت للسينما الروائية الطويلة عملاً واحداً هو “شحاذون ونبلاء “عام 1991 وقدمت عدد من الأفلام التسجيلية والقصيرة ورغم هذا فإن تجربة “اسماء البكرى ” رغم قصرها فإنها كشفت عن سينما جديدة ومغايرة لم تعهدها ما يمكن تسميته بسينما المراءة، فيما قبلها خاصة من حيث إستخدام التقنيات السينمائية ولغة الكاميرا بحساسية شديدة ويرجع البعض ذلك إلى تأثرها بالمخرج الكبير يوسف شاهين والتى عملت معه مساعد مخرج فى عدة أعمال .

لقطة من فيلم شحاذون ونبلاء
لقطة من فيلم شحاذون ونبلاء

 وتواصل “ساندرا نشأت” فى  عام 1998 مسيرة السينما المختلفة عندما قدمت فيلم «مبروك وبلبل»، ورغم تلك البداية إلا أن “ساندرا نشأت ” سرعان ما اتجهت إلى أفلام الأكشن والتشويق والمطاردات، وحدث فصام كامل بين الحالة السينمائية لفليمها الأول وبين ما قدمته بعده من أعمال مثل ” حرامية فى تايلاند “والرهينة ” و”ليه خليتنى أحبك ” وملاكى إسكندرية ” وغيرها من أعمال معظمها يتعامل مع سوق السينما وشباك التذاكر .

ومع بدايات الألفيه الجديدة يطل علينا جيل جديد أكثر نضجا يجمع بين أدوات السينما المعاصرة بما تمثله من متعة الفرجة وعمق الرسالة وإجادة استخدام الأدوات السينمائية، فالإضافة لتيار السينما المستقلة التى تنتمى إليه كل من

“نادية كامل” و”هالة لطفي”، فإن موجة من المخرجات رغم قلة عددهن إلا أنهن شكلوا إضافة قوية فى عالم السينما التى تنتصر لقضايا المرأة وتنحاز لها

مثل “هالة خليل” التى قدمت أول أعمالها “أحلى الأوقات” عام 2004، ويمثل حالة جديدة فى التعامل مع قضايا المرأة وعلاقتهن ببعضهن البعض من جهة وبالمجتمع من جهه أخرى، كما قدمت بعد ذلك “قص ولزق “2006 و”نوارة ” 2015 والذى يمثل الأخير مرحلة من النضج الواضح لدى “هالة خليل “

وفى نفس المرحلة تقدم “كاملة أبو ذكرى” التى بدأت مشوارها الفنى بإخراج أفلام قصيرة ثم قدمت فى عام 2004 أولى أعمالها الروائية الطويلة وهو “سنة أولى نصب ” ثم قدمت “ملك وكتابة ” و”عن العشق والهوى و” واحد صفر ” والذى يتعرض لعدد من القضايا الإجتماعية الشائكة من بينها أزمة الطلاق عند أصحاب الديانة المسيحية وغيرها من القضايا النسائية المعاصرة وكان آخر أعمال “كاملة أبو ذكرى “مشاركتها فى إخراج فيلم” 18 يوم” الذى يتناول أحداث ثورة 25يناير وقد تعرض الفليم للمنع من العرض.

ورغم الإهتمام الواضح من مخرجات السينما المعاصرين بقضايا المرأة والتحديات التى تواجهها خاصة فىما يتعلق بالقوانين والتشريعات وهذا ما ركزت عليه مخرجات جيل الوسط فى حين اهتمت مخرجات جيل الشباب الحالى بقضايا التحقق المجتمعى للمرأة وخاصة ما يتعلق بالمرأة العاملة، لكن كليهما انشغل بالنساء من أبناء الطبقة المتوسطة فيما أعلى من أبناء الأرسقرطية، ولم يظهر على شاشات أعمالهن معاناة المرأة المهمشة أو الفقيرة بشكل واضح سوى فى أعمال قليلة للغاية على عكس الواقع فى سينما الأفلام القصيرة التى غاصت فى عمق المجتمع، وكانت المرأة البسيطة والمهمشة والعاملة هى البطلة خاصة فى سينما “عطيات الأبنودى” التى قدمت 15 فيلما قصيراً من بينها ” الأحلام الممكنة – نساء مسؤولات – بحار العطش – نساء البترول – أحلام البنات ” وغيرها من الأعمال التى كانت المرأة – الأخرى – التى لا تعرف صالونات الحوارات النخبوية أو شاشات الفضائيات ولا تعرف سوى عرق الشقى وألم الحرمان والإحساس بالرضا الممزوج بالظلم والقهر تلك المرأة هى التى عبرت عنها “عطيات الأبنودى ” بصدق وشفافية وبمحبة خالصة”.

وربما كان تمسك المخرجة الراحلة بعدم خوض تجارب السينما الروائية الطويلة له علاقة برغبتها فى نقل صورة حقيقة وصادقة بعيدا عن حسابات شباك التذاكر.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock