«قولوا كانت لعبة والملك هو الملك. أنا هو وهو أنا.. يرد الملك الجديد: لعبة؟ ربما كانت لعبة، من الآن فصاعدا، اللعب ممنوع والوهم ممنوع والخيال ممنوع والحلم ممنوع، وحتى لو تغير الملك فإن الطريقة الوحيدة الممكنة أمام الملك هى الإرهاب والمزيد من الإرهاب».. من نهاية مسرحية «الملك هو الملك» للكاتب المسرحي السوري «سعد الله ونوس».
طافت مسرحية «الملك هو الملك» بمختلف أرجاء الوطن العربي حيث تم عرضها بالمسرح القومي السوري والمسرح القومي بالقاهرة وغيرها من المسارح العربية لتكون شاهدة على مدى التواصل بين فناني المسرح بالعالم العربي.
الدكتور علي الراعي «1920-1999» في كتابه «المسرح في الوطن العربي» طاف باحثا في ثنايا جذور النشأة الأولى لفن المسرح العربي كي يقدم للقارىء صورة معبرة عن مدى التلاحم الذي ربط بين فناني المسرح العربي من المحيط إلى الخليج، مستندين في ذلك على تراثهم العربي المشترك بكل ما يحتويه من ملاحم وأساطير وشخصيات تاريخية مازالت نابضة بالحياة بوجدان الشعوب العربية.
المسرح السوري
عرفت سوريا عددا من الفنون الشعبية سبقت فن المسرح، وكانت بمثابة تمهيدا له، وكان المقهى هو المكان المخصص لعرض تلك الفنون فكانت هناك مقاهي القراقوز ومقاهي الحكواتي وثالثة للصراع ورابعة للسيف والترس وخامسة للرقص وهكذا.
الباحث المسرحي السوري «عدنان بن ذريل» في كتابه: «المسرح السوري منذ خليل القباني إلى اليوم» يروي عن فناني المسرح السوري الذين تلقفوا الشعلة من يدي «أحمد أبو خليل القباني» وكافحوا من أجل أن يكون هناك فن مسرحي من نوعا آخر، إلى أن قررت الدولة عام 1959 أن تتدخل بهذا الميدان داعمة وممولة في تأسيس المسرح القومي السوري الذي مثل خطوة على طريق النهضة المسرحية التي شهدها المسرح السوري خلال القرن العشرين.
غير أن هوة ما قد شهدها فن المسرح السوري ما بين تلك الفنون الشعبية التي كانت رائجة مثل القراقوز والمهرج والممثل المرتجل- وتلقى إستحسانا لدى عامة الشعب، وبين المسرح الجاد الذي تبناه فناني المسرح السوري، البعض رأى أن تلك الهوة قد مثلت أزمة عانى منها المسرح السوري والبعض الآخر نظر إليها بوصفها نقلة نوعية نحو التطوير.
تكمن أزمة المسرح السوري الجاد من وجهة نظر دكتور علي الراعي قبل ستينيات القرن الماضي في أنه كان بالأساس نصا مسرحيا مقروءا وليس مسرحا للتمثيل، ويستشهد في ذلك بما أشار إليه الدكتور أحمد سليمان من أن المسرح السوري كان مجرد «نصوص أدبية» حيث كانت هناك نصوص مسرحية كثيرة ألفت ولم تعرف طريقها إلى المسرح منها مسرحيتان له وهما: «مم وزين» سنة 1945 و«المأمونية» سنة 1947، وكلتاهما لم تجد من يقدمها على المسرح ويعترف الكاتب بأن الأولى كان ينقصها الكثير من الفن المسرحي وأن الثانية بقيت مسرحية في حدود القراءة.
الكاتب رياض عصمت رأى أن نهضة المسرح السوري قد ولدت على يد كل من: رفيق الصبان وشريف خزندار اللذين عادا إلى سوريا بعد أن تدربا على يد فنانين كبيرين هما: جان لوي باور وجان فيلار بفرنسا، فأخذا يقدمان نماذج من المسرح العالمي محاولين وضع أسس لثقافة مسرحية واعية.
أسس رفيق الصبان فرقة مسرحية حملت اسم «ندوة الفكر والفن» كانت بمثابة النواة الأولى لتلك الفرقة التي أسسها المسرح القومي السوري عند نشأته؛ تحت إشراف المخرج هاني صنوبر الذي درس المسرح بأمريكا، وسرعان ما أنضم للفرقة عددا من المخرجين الذين عادوا لبلادهم بعد أن درسوا فن المسرح بالمعهد العالي بالقاهرة.
بتأسيس المسرح القومي السوري أخذ يتكون لفن المسرح بسوريا قوامه اللازم لقيام حركة مسرحية لم يكن ينقصها سوى المؤلف المحلي الواعي بقضايا وطنه، فكان «سعد الله ونوس» بمثابة تلك الشعلة التي أضاءت المسرح السوري والمسارح العربية على إختلافها بأعماله التي مازالت تخاطب وجدان الشعوب العربية من مسرحية «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» والتي كتبها في أعقاب نكسة 1967، وكان قد سبقها بخمس مسرحيات قصيرة هى: «لعبة الدبابيس» و«الجراد» و«المقهى الزجاجي» و«جثة على الرصيف» و«الفيل يا ملك الزمان»، كما كتب مسرحية طويلة من جزئين هما: «حكاية جوقة التماثيل» و«الرسول المجهول في مأتم أنتيجونا».
جاءت مسرحية سعد الله ونوس «مغامرة رأس المملوك جابر» كي تمزج بين الممثل والمتفرج بحدث مسرحي واحد، ثم جاءت مسرحية «سهرة مع أبي خليل القباني» التي سعى فيها إلى عرض الظروف السياسية والإجتماعية التي ولد فيها مسرح القباني وقدم بالفعل إحدى مسرحياته داخل إطار من التعليق الجاري الذي أخذ شكل الإرتجال دون أن يكون مرتجلا بالفعل.
عام 1978 أخرج سعد الله ونوس درة أعماله «الملك هو الملك»، التي تقوم على إحدى حكايات «ألف ليلة وليلة» التي تروي كيف ضجرهارون الرشيد ذات يوم فقرر أن يصحب وزيره في جولة ليلية، سمعا خلالها رجل يقول: «آه لو كنت ملكا، لأقمت العدل بين الناس وفعلت كذا وكذا .. فيقرر الخليفة أن يأخذ الرجل إلى قصره وأن يجعل منه خليفة ليوم واحد».
رغم تميز سعد الله ونوس إلا أنه لم يكن وحيدا في عالم المسرح السوري؛ حيث كان هناك الكاتب المسرحي «مصطفى الحلاج» من كتاب المسرح الجيدين الذي لعبوا دورا في تطوير المسرح السوري عبر كتابته ومنها: «القتل والندم» سنة 1956، و«الغضب» سنة 1959 و«احتفال ليلي خاص في دريسدن» و«الدراويش يبحثون عن الحقيقة» سنة 1970، والكاتب «ممدوح عدوان» صاحب المسرحية الشعرية «المخاض» ومسرحية «محاكمة الرجل الذي لم يحارب» و«كيف تركت السيف» و«ليل العبيد» و«هاملت يستيقظ متأخرا».
«يا سادة.. لم تكتمل القصة حتى الآن.. لكن نهايتها فيكم.. فأبو ذر فيكم.. ومعاوية وعثمان فيكم.. ونهاية هذي القصة تعتمد عليكم.. فإذا جاء أبو ذر يدعوكم.. قوموا معه.. وليحرص كل منكم أن يتبعه.. وإذا قتلوه فليخرج من بين صفوفكم ألف أبي ذر»، من مسرحية «كيف تركت السيف».
كتب للمسرح السوري أيضا الكاتب والمخرج المسرحي «على عقله عرسان» ومن أعماله «الشيخ والطريق» ومسرحية «الفلسطينيات» و«زوار الليل» و«الغرباء» و«السجين رقم 95» و«عراضة الخصوم».
المسرح اللبناني
«لم يستطع لبنان أن يوجد المسرح كفن، وإنما أستطاع أن يوجده كأدب، كأثر يقرأ، كأسلوب في التعبيرعن الحياة والنفس، ظلت المسارح التي نشأت في البلاد، محصورة ضمن المعاهد العلمية، في الأعم الأغلب منها، ولم تؤثر في حياة الشعب تأثيرا مباشرا، بحيث يقبل على العناية بتنشئته، ممثلا، وممثلين، وبناء مسارح، وتوجيه الأدباء نحو التأليف المسرحي» .. هكذا عبر الأستاذ «عبد اللطيف شرارة» في مجلة «الآداب اللبنانية» بالعدد الذي تم تخصيصه لفن المسرح في يناير 1957.
مات «مارون النقاش» كسير الفؤاد محسورا بعد أن تبين له أن دوام فن المسرح في لبنان بات أمرا بعيد الإحتمال، ولكن هل حقا لم تلعب لبنان دورا في نشأة فن المسرح بالعالم العربي؟ وكيف هذا وقد صدرت الجزء الهام من فناني المسرح إلى مصر؟
جاء إلى مصر عدد غير قليل من اللبنانيين من كتاب ومترجمي المسرح، كما حضرت فرقة سليم النقاش ابن أخي مارون النقاش التي خرج من رحمها عدد من الفرق المسرحية كان منها: فرقة يوسف الخياط ، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة إسكندر فرح.
برز من بين كتاب المسرح فرح أنطون الذي قدم للمسرح المصري أول مسرحية إجتماعية تعني بشؤون مصر وتتحدث عن متاعب شعبها ومشاكلهم وهى مسرحية «مصر القديمة ومصر الجديدة»، ومن لبنان حضر الفنان الطموح جورج أبيض، وللبنانيين فضل كبير داخل حركة الترجمة المسرحية فعلى يديهم تم ترجمة العديد من روائع المسرح العالمي، كما يعود إلى بعض كتابهم الفضل في تلك المحاولات الخاصة بإعادة بعث تاريخ الوطن العربي عبر الأعمال المسرحية ، كما برزت أعمال أدباء المهجر في أمريكا لأدباء من أصول لبنانية.
يورد غسان سلامة قائمة بالفرق المسرحية اللبنانية التي تأسست ومنها فرقة «محترف بيروت للمسرح» التي أنشئت عام 1968 على أيدي روجيه عساف ونضال الأشقر، وفرقة «المسرح الاختباري» وأسسها أنطون ولطيفة ملتقى، وفرقة «المسرح المعاصر» التي تكونت سنة 1960، وتحولت سنة 1970 إلى «مدرسة بيروت للمسرح المعاصر» ومؤسسها ومخرج أعملها هو الفنان «منير أبو دبس» الذي يعتبره عدد كبير من النقاد بمثابة أبو المسرح اللبناني.
من الفرق المسرحية فرقة «المسرح الوطني» التي تحول أسمها لمسرح شوشو وقد أسسها الفنان حسن علاء الدين تحت اسمه الفني شوشو، وهو يماثل البولفار في باريس وإن كان يقوم على جهد ممثل واحد فقط، هذا إلى جانب «الفرقة الشعبية اللبنانية» التي أصبح أسمها «فرقة الرحبانية» التي أعتمدت على قيثارة الفن العربي المطربة فيروز، وقد قدمت عددا غير قليل من المسرحيات الإذاعية والأوبريتات.
تكمن أزمة الفن المسرحي اللبناني من وجهة نظر الدكتور علي الراعي في كونه فنا موجها بالأساس إلى فئة المثقفين فهو يخاطبهم وحدهم في كل المسرحيات تقريبا، ولكي تقوم حركة مسرحية صحية واعية لابد أن تتوجه بالأساس إلى جماهير الناس عبر تقديم أعمال تخص جميع الناس بمن فيهم من مثقفين.
مال فنانو المسرح اللبناني الحديث إلى التجارب الفنية والفلسفية حتى أن فنانا كبيرا مثل منير الدبس يصف إحدى مسرحياته: «دائرة من نار» بأنها: «كلمات يستغلها الممثلون للذهاب إلى الأبعد في إكتشاف حضورهم».
إلا أن المسرح الغنائي اللبناني على يد الأخوان رحباني مثل حالة إيجابية خالصة داخل المسرح الغنائي العربي، ففيه يتغنى الرحبانية بفضائل أهل القرية وبساطة أهلها وإلتفافهم حول مصلحتهم العامة وتضامنهم ضد الغريب الطارىء الذي دائما ما ينتصرون عليه.
ولعل في إنتقال الفرق المسرحية بعروضها عبر البلدان العربية خلال المهرجانات التي يتم تنظيمها من حين لآخر فرصة مواتية لتطوير ذلك الفن، والتغلب على عقبة اللهجات المحلية، وأخيرا ورغم كل العقبات التي تواجه فناني المسرح بالبدان العربية فأنه لا خلاص لفن المسرح العربي دون العودة لتراثنا العربي الأصيل بحيث تصبح أعمالنا المسرحية عربية تعبر عنا لا مستعربة تزيد من غربتنا.