يُطلق مصطلح سينما المرأة على الأفلام التي تتناول قضايا المرأة ومشاكلها في المجتمع، وبغض النظر عن المسمى لأن السينما سينما بدون تصنيف أو فرز، يبقى السؤال: هل نجحت هذه السينما في الانتصار لقضايا المرأة وعرض مشاكلها وهمومها والدفاع عن حقوقها الضائعة في المجتمعات الشرقية؟
الحقيقة أن هذه الافلام لم تنصف المرأة أو تنتصر لها إلا بشكل ضعيف جدا، فأغلب الأعمال فشلت في الطرح والمعالجة وكانت مجرد مغازلة للمهتمين بالقضية والمناصرين لها فقط .
أول هذه الأفلام “الأستاذة فاطمة” والذي عُرض للمرة الأولى 2١ فبراير 52، وتدور أحداثه حول فاطمة وعادل، شابين زملاء في كلية الحقوق، وجيران في نفس الحي، تربط بينهما قصة حب رغم الخلاف المستمر بين الأبوين، وبعد التخرج والنجاح بتفوق يقرر عادل الزواج من فاطمة بشرط أن تترك العمل بالمحاماة، وتتفرغ للزواج والإنجاب لأن دور المرأة ينحصر في المنزل فقط،، ودور الزوج هو العمل والإنفاق، ترفض فاطمة هذا المنطق وتحاول أن تثبت له أنها تستطيع التفوق عليه، وتفتح مكتب للمحاماة في نفس العمارة التي بها مكتبه “صدفة طبعا” ولكنها تفشل لعدم قناعة الناس بها كمحامية، وعندما يتورط عادل في جريمة قتل تتبنى فاطمة الدفاع عنه! رغم عدم اقتناعه بها كمحاميه ورغم أنها حديثة التخرج، إلا أنها تولت الدفاع عنه في جناية قتل، وتنجح فاطمة في إثبات براءته، ويشهد لها عادل بالكفاءة وأنه وافق على عملها، إلا أنها ترفض هذا وتقرر التفرغ له والزواج منه والإنجاب، أي قضية وأي رسالة اظت بها نهاية الفيلم، وكأن الهدف من كل هذا مجرد إثبات التفوق فقط وليس البحث عن دور فاعل في المجتمع والدفاع عن حق من حقوقها.
https://www.youtube.com/watch?v=GRo0MykPYBI
الفيلم الثاني هو “أنا حرة” والذي عُرض للمرة الأولى في 12 يناير59 ، الفيلم يتحدث عن أمينة التي تعاني من قسوة عمتها وزوج عمتها، وهي دائمة الخلاف معهما لأنها تريد حريتها الكاملة حتى لو كانت في الخروج عن تقاليد المجتمع، حيث كانت كثيرة السهر والرقص مع عدد من الأصدقاء والصديقات في محاولة للبحث عن الحرية التي تريدها والتمرد على قيود المجتمع والأسرة، تنتقل للعيش مع أبيها بعد طرد زوج عمتها لها، وبعد تخرجها من الجامعة والعمل في شركة كبرى تقرر الاستقالة لأنها لا تشعر بالحرية بعد فرض قيود من الشركة في المواعيد والمقابلات والسفر، فهي تريد الحرية المطلقة بلا قيود أو شروط، وعندما تقع في حب عباس الصحفي الثوري وتقرر العيش معه بدون زواج لأنها حرة في حياتها ويخبرها هذا الثوري أنها بلا حرية ما دام الوطن مُحتل ولابد من تحرره أولا حتى تحصل هي على حريتها! رغم أن القيود التي ترفضها هي تقاليد و قيود مجتمع وليس محتل، تشاركه النضال ضد المحتل ويتم سجنهما ويتزوجا في السجن وتنتهي الأحداث وهما في السجن لا هي تحررت ولا الوطن تحرر ولا تغير مفهومها عن الحرية.
https://www.youtube.com/watch?v=HwFuZEl7Ii0
أيضا فيلم ” تيمور وشفيقه” والذي عُرض للمرة الأولى في 21 يونيو 2007 ويتحدث عن قصة حب بين تيمور وشفيقة منذ الصغر، ولكنها قصة حب غريبة، تيمور عنيف وحاد ومارس العنف اللفظي والجسدي ضد شفيقة التي ترتضي كل هذا ولا تعترض، رغم أنها ممنوعة من الخروج ومقابلة أصدقائها بدون إذنه، ولو خالفت هذا الأمر قد تنال عقابا عنيفا، حتى لحظات الرومانسية والحب كانت لحظات مسروقة داخل المصعد يخرج الاثنين بعدها من المصعد وملابسهما غير مرتبة وسط ضحك الجيران، وبعد تخرجها من الكلية وتفوقها في العمل تتولى الوزارة وتصبح في وضع وظيفي أعلى من حبيبها وبالطبع يرفض هذا الأمر ويقرر الانفصال عنها والاكتفاء بصداقة العمر فقط ويشترط للزواج منها الاستقالة من الوزارة والتفرغ له والانجاب فقط، وبالفعل ينتهي الفيلم بالزواج بعد الاستقالة والتحول إلى ربة منزل!
الملفت أن أفلام الستينات قد انتصرت لقضايا المرأة، فقد انتصر فيلم “مراتي مدير عام” للمرأة وقضيتها وحقها في العمل والنجاح، الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى في 20 يناير 66 والذي عرض فيه عمل المرأة و مكانتها لو أصبحت في وضع وظيفي أفضل من الزوج، بالطبع في بداية العمل الزوج رفض وثار وحدثت كثير من المفارقات والمواقف الكوميدية، ولكنه في النهاية تقبل الأمر من خلال مشهد على النيل عندما شاهد قارب صيد، والصياد يرمي الشبكة وزوجته تمسك بمجداف المركب دليل على المشاركة، والتأكيد على أن الحياة لا تستقيم إلا بالتعاون وقيام كل منهم بدوره، ويأتي فيلم تيمور بعد 40 عاما وينتصر للمجتمع الذكوري الرافض لعمل المرأة و الانتصار لفكرة أن الزوجة مكانها في المنزل فقط ، وكأننا مفروض علينا أن نعيش طوال العمر نتحدث وندافع عن بديهيات.
الغريب أنها عندما تم توجيه هذا النقد لكاتب العمل أقر أنه لم يقصد هذا المعنى، ولكنه قدم عملاً كوميدياً فقط ! جريمة أن تقدم عملاً ولا تعي رسالته و خطورتها وأنت كاتبه ومؤلفه.
ومن أهم الأفلام التي انتصرت لقضية المرأة وحريتها فيلم “الباب المفتوح” من خلال ليلى التي حاولت الاشتراك في المظاهرات مع أخيها إلا أن الأب رفض وعنفها بشدة ومنعها من الخروج، وظلت في صراع مع القيود المفروضة عليها خاصة مع تمرد أخيها ضد قسوة الأب وسفره للانضمام للمقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثي على غير رغبة الأب، ليلى كانت تحب ابن عمها عصام، لكن كانت ترغب أن تنفصل عنه لأنها لم تجد فيه الرجل المناسب، حتى التقت حسين صديق أخيها وانبهرت به وساعدها على بناء شخصيتها والاستقلال عن أسرتها، حتى استطاعت رفض العريس الذي تقدم لها والذي كان أكثر رجعية و ذكورية من أبيها، ونجحت في النهاية في كسر كل القيود عندما رفضت الخطيب وقررت السفرمع حسين وأخيها للاشتراك في المقاومة الشعبية والارتباط بحسين، نجاح الفيلم أدى لانتشار جمل من حواره بين الشباب ومنها ” لا أريد منك أن تفني كيانك في كياني ولا كيان أي شخص آخر أريد لك كيانك الخاص والمُستقل فالثقة تنبعث من النفس لا من الآخرين” تلك هي رسالة الفيلم لخصها حسين في خطاب أرسله لـ ليلى لكي تستعيد ثقتها في نفسها وتبني كيانها الخاص.
عمل آخر انتصر لقضية المرأة وحريتها وهو “النظارة السوداء” من خلال مادي الفتاة المستهترة التي تعشق السهر والشرب والعلاقات، وترى أن الحرية هي أن تفعل ما تريد وتستمتع بالحياة دون قيود أو شروط، ولكن تتغير حياتها بعد لقاء عمر الذي تعرف منه أن مفهوم الحرية مختف عن ما تفعله ويُشير لها بالطريق الصحيح ويتركها تتغير وتقاوم كل المغريات، بل تستطيع استعادته بعد أن تغير أمام زوجة صاحب المصنع وابنته وباع مبادئه.
وهناك أيضا فيلم “أريد حلا” والذي ناقش قانون الأحوال الشخصية من خلال إمرأة تسعى للطلاق من زوجها الخائن السكير دائم الاعتداء عليها لفظيا وجسديا، في نهاية العمل انهزمت البطلة ولم تحصل على حقوقها لكنها في الحقيقة انتصرت بعد أن تغيرت القوانين بسبب هذا الفيلم وهو ما يؤكد أهمية ما تقدمه السينما عندما تعي ما تطرحه من قضايا و مشاكل.
هناك الكثير من الأعمال التي نجحت في طرح المشاكل والقضايا التي تهم المرأة حتى وإن لم تقدم الحل لأنه ليس من دور الفن طرح الحلول، لكن الأهم هو عرض المشكلة بشكل جيد، ذلك هو ما حدث في أفلام “ولا عزاء للسيدات” و”عفوا أيها القانون” و”احكي يا شهر زاد”