فن

بليغ حمدي.. عاش بالحب

(1)

هل تعرف
كيف يكون الشاعر بالحبِّ
لقاءَ جميع الأنهار  ومجنوناً وخرافيا؟
ويهاجر في غابات الضوء على دمعته
ويموت لقاءً أبديا؟

لا يطوف بعقلي اسم الموسيقار بليغ حمدي إلا وتذكرت هذه الأبيات من قصيدة “وتريات ليلية” للشاعر العراقي مظفر النواب..
ربما لتشابه ما أشعر به دائما بين شاعر ثائر وموسيقار مجدد، فالرابط فيما بينهما رغم اختلاف ما يقدمانه هو الحب..
عاش مظفر النواب طريداً ومنفياً بسبب ما يكتب رغم إيمانه الذي لا ينقطع بالحب، وعاش بليغ حمدي بكل نبوغه وتفرده محباً، بل مسكوناً بالحب..

(٢)

قبل عدة سنوات قرأت تقريراً صحفياً طويلاً عن بليغ حمدي الذي تحل اليوم ذكرى وفاته ال ٢٧ ، كان التقرير يتحدث عن فن وموسيقى بيلغ حمدي بكل عبقريتها وتفردها، وعن هذا الموسيقار الشاب المجدد بكل ما يحمله من موهبة عظيمة لا تتكرر كثيراً، ولكن الحقيقة أن ما قرأته بين سطور التقرير الصحفي كان هو ما أثار انتباهي وجعلني أدرك ما اعتبرته سر نجاح بليغ حمدي وخلود ما قدمه من فن، فقد شعرت في هذا التقرير الصحفي ،وفيما قرأت بعد ذلك عن بليغ، أن كلمة السر في حياته كانت هي: الحب!

كانت قصة حبه الشهيرة للفنانة وردة الجزائرية مثالاً وعنواناً لتكوين بليغ حمدي ولقدرته غير المتناهية على الحب..
أحب وردة وأحبته، فشلا في الزواج لعدة سنوات بسبب رفض أسرة المحبوبة، افترقا فعاش منذ أوائل الستينيات وحتى عام ١٩٧٢ يهرب من الحب الكبير بحب جديد، أحب وتزوج هروباً من قصة حب وردة الجزائرية، لكنه فشل في استكمال الزواج وانفصل بعد أن أدرك أن “وردة” تسيطر عليه بالكامل، في هذه الأثناء قدم أجمل ألحانه لعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وغيرهما، كانت قصة الحب الكبيرة لوردة وافتراقهما المفاجيء تفجر بداخل هذا الموسيقار الموهوب كل هذا النجاح وكل هذا الجنون بالموسيقى وبالحياة..

(٣)

في بداية السبعينيات زار بليغ حمدي الجزائر للمشاركة في احتفال هذا البلد العربي بعيد الاستقلال، التقاها بدون ترتيب ،وردة هنا، كانت لحظة اللقاء ترتب ما لم يكن محسوباً، فقد قابلها بأغنية كتبها محمد حمزة وقتها لنجاة الصغيرة وكان بليغ قد بدأ في تلحينها لكنه لم ينته منها، التقاها بكل هذا الشوق وبكل هذا الحب وهو يردد لها:

وعملت إيه فينا السنين؟
فرقتنا لأ.. غيرتنا لأ
ولا دوبت فينا الحنين لا الزمان..
ولا المكان قدروا يخلوا حبنا
ده يبقى كان

 

كانت الأغنية جاهزة لنجاة الصغيرة، ولكن الحب كان هو المحرك الأول لبليغ وخيالاته وفنه وإحساسه فتحولت الأغنية بلا حسابات إلى وردة، وقد غنتها بعد فترة لتصبح شاهدة على لحظة اللقاء الأول بعد فراقهما لسنوات..
هكذا كان وهكذا عاش.. يحركه الحب كإنسان وكفنان أيضاً..
بعد شهور من زيارة الجزائر عادت وردة للقاهرة واستقبلها بليغ في المطار ليتخذا معاً القرار الذي تأخر كثيرا: الزواج!

(٤)

كان زواج بليغ ووردة هو مرحلة جديدة في حياة الموسيقار “المحب”، كانت هذه الفترة هي الأجمل والأنضج فيما قدمه من ألحان، ملأ الحب حياته بالاستقرار وشحن وجدانه بالموسيقى العذبة.

ست سنوات يلحن ويواصل نجاحه “بالحب”، قدم لها أعذب الألحان لا باعتباره موسيقاراً بل باعتباره محباً وعاشقاً، “العيون السود وبودعك ولو سألوك وخليك هنا وحكايتي مع الزمان وعايزة معجزة” وغيرهم كانوا هم التأكيد الأكبر أن بليغ يعيش وينجح بهذا الإحساس الذي يسكن فيه ولا يفارقه أبدا!

بليغ حمدي ووردة
بليغ حمدي ووردة

(٥)

كانت المفارقة الكبرى في قصة فراق وردة وبليغ هي أن الحب الذي كان سبباً للقاء كان أيضا سبباً في الفراق، فالاستقرار النفسي والوجداني الذي حققه زواجهما، ونجاحه الكبير في هذه المرحلة، شغله عنها، أحست بغيابه فترات طويلة، المدهش أن بليغ كان يحبها للنهاية، وكأن الحب كان سلاحاً ذو حدين في قصة حب هي الأجمل والأشهر في الوسط الفني في ذلك الوقت، شغله نجاحه الذي حققه عن طريق حبها عنها!

افترقا كزوجين وعاد بليغ ليحركه حبها لإبداعات جديدة، فبعد فراقهما حرّكه الحب ليكتب ويلحن لمن كانت معه منذ سنوات!، كتب ولحن لها من على فراش المرض وقبل رحيله بفترة قصيرة:

بودعك
وبودع الدنيا معك

 

https://www.youtube.com/watch?v=_RHx1kq3904

هكذا كان وهكذا عاش بليغ حمدي، يحيا بقلب طفل.. يحب ويحب..  ينجح بالحب.. ويشقى به أيضا!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock