رؤى

تطور الجهادية السلفية في شرق أفريقيا.. انسحاب “أميسوم” وظهور “تنظيم الدولة” (٤) 

عرض وترجمة: أحمد بركات

لسوء الحظ، لا تستطيع الدولة الصومالية في وضعها الراهن ملء الفراغ الذي ستخلفه “أميسوم” بعد انتهاء تفويضها من قبل الأمم المتحة في ديسمبر 2021. فالحكومة الفيدرالية الصومالية، التي خلفت الحكومة الاتحادية الانتقالية، تفتقد القدرة على شن عمليات هجومية ضد “الشباب”. كما أن قوات “داناب” الخاصة التي تم تدريبها أمريكيا، والتي تعد الوحدات العسكرية الأكثر فاعلية في الصومال، تعتمد بالأساس على الجسر الجوي الأمريكي، ولا يمكنها بشكل مثالي شن عمليات التطهير والسيطرة والبناء الخاصة بمكافحة التمرد.

https://www.youtube.com/watch?v=DZTIAIeYGUA

تقرير عن مغادرة أميسوم عام 2021

وتفتفد القوات الصومالية في أغلب الأحوال إلى الإمدادات الأساسية، وهو ما أدى إلى تفشي حركات التمرد والانشقاقات داخل صفوف القوات الصومالية. وربما تكون الصومال أكثر دول العالم فسادا إلى جانب أنها تعاني من الاقتتال السياسي الداخلي الدائم. ومؤخرا، أصيبت العلاقات بين الحكومة الفيدرالية الصومالية من جانب والولايات الخمسة الأعضاء شبه المستقلة في الصومال من جانب آخر بدرجة كبيرة من التوتر، كما أن التعاون بين قوات الأمن في الحكومة الفيدرالية الصومالية ونظيرتها في الولايات الخمسة الأعضاء شبه المستقلة محدودة بدرجة كبيرة. وقد أدى النزاع داخل “أميسوم” إلى تفاقم التوتر بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وهذه الولايات الخمسة، خاصة في ولاية جوبالاند في جنوب الصومال، حيث تنخرط كينيا وأثيوبيا في صراع بالوكالة.

لكن الحضور الدائم لحركة الشباب لا يعود فقط إلى فشل الدولة الصومالية، وإنما أيضا إلى ما تتمتع به الحركة من مرونة وقدرة على التكيف وانضباط داخلي.

ويعد الجمود الأيديولوجي الذي تعاني منه الجماعة نتاجا لسياسات أميرها السابق، أحمد عبدي جودان، الذي قام في عام 2013 بعملية تطهير شملت العديد من القيادات من ذوي التوجهات القومية.

وبرغم مقتل جودان في العام التالي في غارة جوية أمريكية، إلا أن بصمته على الجماعة لا تزال قائمة.

وتلعب حركة الشباب بمهارة فائقة على التوترات داخل وبين القبائل للمحافظة على الدعم الشعبي بدرجة ما. وتقدم أيضا إدارة أفضل من الدولة الصومالية. فالمدنيون الصوماليون – على سبيل المثال – يلجأون طواعية إلى محاكم “الشباب”. كما أفاد التجار أنه من الأسهل نقل البضائع عبر نقاط التفتيش الخاضعة للحركة، حيث يلتزم المتطرفون “بالإيصالات” الصادرة عن النقاط السابقة، من تلك الخاضعة لقوات الأمن الحكومية التي تُمارَس فيها عمليات الابتزاز بصورة روتينية. كما تقوم الحركة أيضا بتوزيع مساعدات إنسانية وتدشين حملات صحة عامة إلى غير ذلك من الخدمات.

لا يعني هذا أن الجماعة تحظى بشعبية عريضة في المجتمع الصومالي.

لقد قتلت تفجيرات الحركة أعداداً لا تحصى من المدنيين -خاصة في مقديشيو- أثارت ردود فعل شعبية عنيفة.

لكن في غياب دولة فاعلة، لا يمتلك كثير من الصوماليين خيارات أخرى سوى التعاون مع “الشباب”. حتى في مقديشيو التي تسيطر عليها الحكومة الفيدرالية الصومالية، يتعرض التجار الصوماليون لابتزاز الحركة، فضلا عن الاغتيالات شبه اليومية التي يرتبط كثير منها أيضا بعمليات ابتزاز إجرامية.

وفي السنوات الأخيرة، خضع تماسك حركة الشباب لاختبار حقيقي مع الصعود السريع “لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”. ففي بداية عام 2015، بدأ أعضاء تنظيم الدولة الصوماليون في ممارسة ضغط عام على “حركة الشباب” لإسقاط بيعتها للظواهري، ومبايعة أبو بكر البغدادي. لم يكن هذا المحور مستبعدا في هذا الوقت، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار كيف ظهرت جماعات موالية لتنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء أفريقيا على مدى الاثنى عشر شهرا السابقة. لكن خليفة جودان، أحمد عمر، الملقب بابي عبيدة، أكد على ولائه لتنظيم القاعدة. وفي سبتمبر 2015، شرعت أجهزة الأمن الداخلي لحركة الشباب “أمنيات” في عملية تطهير لصفوف الحركة من المتعاطفين مع “تنظيم الدولة الإسلامية”.

من المتصور أن هذه العملية كانت مرتبطة بدرجة أوثق بحاجة أبي عبيدة إلى تأكيد سلطته كأمير جديد لحركة الشباب منها بأي معارضة أيديولوجية لتنظيم الدولة. فقد أشارت تقارير إعلامية معاصرة إلى أن أبا عبيدة غازل تنظيم الدولة الإسلامية بفكرة الانضمام إليه في يوليو 2015.

التف المتعاطفون الذين تمكنوا من الهرب من عملية التطهير التي جرت في صفوف حركة الشباب حول العالِم السابق في الحركة، عبد القادر مؤمن. وفي نهاية 2015، شكل هؤلاء قاعدة عمليات في منطقة بونتلاند الريفية في شمال الصومال، على الطرف الآخر من معقل حركة الشباب في الجنوب. واعترفت وسائل الإعلام الرسمية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بالجماعة الجديدة كولاية تابعة لها في ديسمبر 2017. في هذا السياق، قامت حركة الشباب بمحاولتين مهمتين للقضاء على الجماعة في بونتلاند، ولكن كلتاهما باءت بالفشل.

رغم ذلك، لا يتجاوز حجم “تنظيم الدولة الإسلامية” في الصومال 250 إلى 300 فرد، مقارنة بـ 5000 إلى 9000 في حركة الشباب، وتقتصر عملياتها على بونتلاند بغض النظر عن الهجوم البدائي العارض في مقديشيو أو وسط الصومال. ومع ذلك، فقد أثبت “تنظيم الدولة الإسلامية” قدرة هائلة على الصمود في مواجهة هجمات “حركة الشباب” وقوات الأمن الحكومية في بونتلاند، إلى جانب الضربات الجوية الأمريكية. وتعود هذه القدرة بدرجة كبيرة إلى العلاقات التي تتمتع بها عشيرة مؤمن في بونتلاند، إضافة إلى قدرة التنظيم على ابتزاز الشركات في ميناء بوساسو.

وقد تبادل تنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب الاتهامات بالانحراف عن الإسلام، مما يشير إلى العنصر الأيديولوجي في التنافس المحموم، ليس فقط بين الجماعتين الفرعيتين داخل الصومال، وإنما أيضا على مستوى التنافس الأكبر بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. رغم ذلك، من المحتمل أيضا وجود اعتبارات عملية أخرى تحكم هذا التنافس، مثل السيطرة على طرق التهريب وتداخل عمليات الابتزاز. ربما تشعر حركة الشباب أيضا أن شرعيتها ترتكز على احتكارها للعنف الجهادي في الصومال، بينما ترى عشائر بونتلاند في تنظيم الدولة الإسلامية وسيلة لحماية مصالحها وتعزيزها.

جيمس بارنيت – باحث وكاتب مستقل ومحرر في مجلة The American Interest

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي وهوامش الدراسة باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker