من هو جهيمان العتيبي؟
ولد جهيمان العتيبي فى 16 سبتمبر عام 1936، وهو من أبرز الأسماء وقائد عملية الاستيلاء على الحرم المكي عام 1979، حيث دعا المقتحمون إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني باعتباره “المهدي المنتظر”، لم يكن هذا الرجل سوى صهر جهيمان العتيبي.
على الفور اندلعت الاشتباكات المسلّحة بين جماعة العتيبي، التي تمترست داخل الحرم 14 يوما، وبين القوات السعودية، التي استعانت لاحقًا بقوات فرنسية للسيطرة على الوضع.
تلقى جهيمان العتيبي تعليما محدودا وعمل كسائق شاحنة في الحرس الوطني السعودي قبل تحوله الفكري. ولد في منطقة ساجر وهى تاريخيا إحدى المستوطنات البدوية التي أنشأها عبد العزيز بن سعود وهي إحدى الهجر أي تجمع لبدو قرروا اعتزال نمط العيش الشائع بدعوى أنه من الجاهلية، وبَسمّى سكانها بالإخوان أو “إخوان من أطاع الله”؛ وشكلوا قوة عسكرية مع الملك عبد العزيز في الثلث الأول من القرن العشرين.
هاجم جهيمان من نعتهم بمشايخ الدولة، وحين تعرض المنشقون في الجماعة للاعتقال وجد جهيمان نفسه مطارداً عبر الصحراء من قوى الأمن وبدا ضعف موقفه أمام قوة الدولة وهيبة المشايخ جليًا، وهنا لجأ جهيمان إلى حل جذري وهو استحضار فكرة خلاصه التي كانت تراوده بإلحاح منذ بداياته مع الجماعة وهي تحقق أشراط الساعة وقدوم المهدي المنتظر.
كان جهيمان يؤمن بأن قدوم المهدي سيودي حتماً بحكم آل سعود و نشر أفكاره حول الحاكمية والدعوة وأشراط الساعة في منشورات عِرفت برسائل جهيمان وقيل أنه كتب نص محتواها العام فقط، بينما كتبها له آخرون بسبب ضعفه اللغوي.
رسالة جهيمان
كتب ” جهيمان بن محمد بن سيف الضان الحافي العتيبي “رسالة من بين رسائله السبع ليوضح فيها أفكاره حين بدأت تتعرض للنقد من قبل تيار العلماء في المملكة السعودية.
كانت هذه الرسالة بعنوان ” رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس ” ، وفيها يوضح أن ملة إبراهيم تقوم علي أصلين: إخلاص العبادة لله وحده والتبرؤ من الشرك وأهله وإظهار العداوة لهم .
ولا يبدو الأصل الأول مثيرا لأي جدل أو خلاف، فالإخلاص شرط قبول العمل عند جميع المسلمين بلا استثناء، بيد إن الأصل الثاني هو موضع التساؤل، لذا عمد ” جهيمان ” إلي توضيحه بقوله : “ملة إبراهيم هي البراءة من الشرك وأهله ومفارقتهم ومقاطعتهم، بل ومفارقة من في الأرض، فمحمد فرق بين الناس”، ويوضح جهيمان أن ملة إبراهيم التي تقوم على البراءة والعداوة للمشركين لا يقوم بها طوائف المسلمين المهمة مثل أولئك الذين يهتمون بمحاربة القبوريين ( من يقدسون أو يتبركون بقبور السلف والأولياء) وإظهار العداوة لهم والتحذير منهم ومحاربة الصوفية والمبتدعة، ويقصد هنا ” جماعة أنصار السنة المحمدية “، ولا يهتم بتلك الملة من يجعل اهتمامه بنبذ التعصب المذهبي والدعوة إلى الزود عن الحديث وتصفيته مما أدخل فيه، ويقصد هنا ” تيار السلفية الذي يمثله الألباني في السعودية “، أما الطائفة الثالثة فقد فتنها الرد على الشيوعية وإثبات وجود الخالق والسعي للسيطرة على المراكز المهمة في الحكومات بقصد السيطرة على السلطة، ويقصد هنا “جماعة الإخوان المسلمين “.
أمية جهيمان
من المؤكد أن تكون رسائل جهيمان قد كُتبت بعد عام 1977 -1978 الموافق 1398هجرية، حيث كان جهيمان وجماعته قد تبلورت أفكارهم ذات الطابع المتشدد بعيدا عن الجماعة التي كان قد نشأ فيها منذ الستينيات وكان يُطلق عليها ” الجماعة السلفية المحتسبة ” ، كان ” ابن باز ” و” أبو بكر الجزائري ” ضمن تلك الجماعة في البداية حيث كان القصد منها نشر الفكر الوهابي النقي على نطاق واسع في المملكة خاصة منطقة الحجاز التي كانت تتمتع بقدر من الاستقلال النسبي بعيدا عن الفكر النجدي .
يشير ” ناصر الحزيمي ” في كتابه ” أيام مع جهيمان .. كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة ” أن رسائل جهيمان صاغها وصححها ” أحمد حسن المعلم ” وهو يمني عُرف بأنه شاعر الجماعة وشاركه في ذلك ” محمد عبد الله القحطاني ” الذي صار فيما بعد المهدي المنتظر، لم يكن ” جهيمان ” يحسن الكتابة بالعربية على المستوى الذي صُيغت به الرسائل ومن ثم فإنه تحدث بأفكاره وتمت صياغتها على يد آخرين، فهو قد خرج من الدراسة من السنة الرابعة الابتدائية ويقول ” ناصر الحزيمي ” أنه لم يره أبدا يكتب وأن لهجته العربية كان يغلب عليها البداوة وعدم الفصاحة ، فقد كان يكره الكتابة وينبذ النحو والصرف والكتابة وكان خطه رديئا، بيد إنه كان يمتلك ذاكرة حديدية يستطيع أن يستحضر بها إحالاته ونقوله حال حاجته إليها.
ميراث جهيمان
لم يكن جهيمان ولا حركته يعبرون عن أي معنى سياسي، بل كان المعنى الأساسي لديهم ديني صرف. غياب المعنى السياسي جعلهم يذهبون للفضاء المهدوي حيث تواترت الأحلام والرؤى لديهم بأن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي، واقتحموا المسجد الحرام في اليوم الأول في القرن الخامس عشر الهجري (20 نوفمبر 1979م )، وبايعوا من اعتبروه المهدي بين الركن والمقام وقتل ذلك المهدي في تصفية الاقتحام، وأنكر ” جهيمان ” وعديدون معه قتله، بل قالوا إنه حوصر ولم يُقتل ، وفي 4 ديسمبر استعادت السلطات السعودية السيطرة على الحرم وتم إعدام 63 متمردا في 8 مدن سعودية وشملت قائمة المعدومين 41 سعوديا و10 مصريين و6 من اليمن الجنوبي و3 من الكويت و1 من اليمن الشمالي و1 من العراق و1 من السودان.
–
سرقة المقدسي للكتاب (الرسالة)
رسالة جهيمان عن ” رفع الالتباس ” والتي تعني التبرؤ من النظام السعودي بما في ذلك نظم تعليمه وتجنيده العسكري، والعمل فيه، والحمل على علمائه بما في ذلك الرسميين منهم وعلى رأسهم ” عبد العزيز بن باز ” نفسه، والحمل على شرعية النظام ذاته، تم تطويرها عن طريق واحد ممن تأثروا به وبحركته وهو ” أبو محمد المقدسي “- عاصم طاهر البرقاوي الأردني ،الفلسطيني الأصل، الذي كان أستاذا فيما بعد لواحد من أشرس قادة الجيل الجهادي الثاني وهو ” أبو مصعب الزرقاوي ” حيث كتب الرجل رسالة أخرى بعنوان ” ملة إبراهيم ” – كتب في مقدمتها: ” إلى الطواغيت حكاما وأمراء وقياصرة وأكاسرة وفراعنة وملوكا، إلى سدنتهم وعلمائهم المضلين، إلى أوليائهم وجيوشهم وشرطتهم وأجهزة مخابراتهم وحرسهم إلى هؤلاء جميعا نقول: إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله، براء من قوانينكم ومناهجكم ودساتيركم ومبادئكم النتنة”، براء من حكوماتكم ومحاكمكم وشعاراتكم وإعلامكم العفن، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ” وهو هنا يعد أكثر جذرية وراديكالية وتسييسا مما كان عليه جهيمان العتيبي، فهو يقول : “وإنا لنشاهد هذا واضحا في الدولة السعودية فإنها تغر الناس بتشجيعها للتوحيد المجزأ الناقص الذي لا يضر عروشها الكافرة”.
أثار كتاب أبو محمد المقدسي عواصف الردود عليه بما في ذلك اتهامه بأنه سرق الكتاب من جهيمان، فقد اتهمه ” أبو بصير الطرطوسي ” – عبد المنعم مصطفي حليمة – وكتب على حسابه على الفيس بوك ” الرجل لا يدع مناسبة إلا ويتباهى بنسبة الكتاب إليه وعند المتابعة وجدت أن كتاب ” ملة إبراهيم ” ليس له وإنما هو لجهيمان العتيبي، واتهمه بتقليد أسلوب جهيمان وأخذ أفكاره والاستدلال بأدلته ذاتها، والاقتباس حرفيا منه دون الإشارة إليه.
“التبرؤ” بوابة التكفير
وبقراءة الرسالتين يظهر تشابها واضحا في الأفكار والأسلوب والإحالات على علماء المدرسة النجدية ، بيد إن رسالة جهيمان أقل صخبا وأكثر بعدا عن مناهج التكفير فقد كان جهيمان كأحد المنتسبين بإخلاص لمدرسة أهل الحديث يقلقه الحكم بالتكفير على الأشخاص والمعينيين، وكان يقلقه أن يوسم وجماعته بالخوارج ، أما أبو محمد المقدسي فهو من الجيل الذي ورث ميراث جهيمان في الثمانينيات، ونقله إلى السلفية الجهادية المقتحمة للتكفير وتوسيع نطاقه ضد الحكام بل والشعوب بتحميلهم من أمرهم عسرا، فلم يعد الأمر كما يذهب جهيمان إعلان البراءة من الكفار وإنما أضاف إليها المقدسي، إعلان الكفر بهم وبآلهتهم ومناهجهم وقوانينهم وشرائعهم الشركية وإظهار العداوة والبغضاء لهم ولأوضاعهم ولأحوالهم الكفرية حتي يرجعوا إلي الله .
ولا ريب أن الاندفاع من قبل أشخاص كجهيمان ثم أبو محمد المقدسي وأبو بصير الطرطوسي وغيرهم في التعامل مع قضايا شائكة تتعلق بالحكم على الحكام وعلى الناس بدون أدوات تمكنهم من الإحاطة بالقضايا الحساسة التي يتحدثون فيها قد أوردتهم ومن تبعهم المهالك.
الردود علي المقدسي
أزعج علماء السعودية رسالة أبو محمد المقدسي لأنها تكفر الدولة، وانتصب للرد عليه العديد من العلماء كاشفين تناقضه واضطراب أسلوبه وتنازع شعوره بالميل ناحية منهج الخوارج الذي يضغط عليه بقوة ليفرض على الناس ما لا يمكنهم فعله ولا يستطيعونه وهو أشبه بمطلقات أقرب للنزعات النفسية منها لتأسيس علمي حقيقي، ويعد رد ” محمد بن عمر بازمول ” على كتاب المقدسي من الردود المعتبرة.
كانت حادثة اقتحام الحرم المكي صدمة مروعة للنظام وللعلماء في السعودية وللمسلمين في العالم كله، وقد دفعت هذه الحادثة الدولة السعودية لمزيد من الانفتاح على تيار الصحوة في الثمانينيات وما بعدها قبل أن تحدث المواجهة بينهم، مع ظهور أجيال جديدة في التسعينيات قطعت شوطا كبيرا في المواجهة مع الدولة على المستوي الفكري بتكفيرها وعلى المستوى الحركي بمواجهتها باستخدام القوة المسلحة.